دخل الشيخ حافظ قائد المقاومة الشعبية بالسويس فى حرب أكتوبر السرادق الذى استضاف أعيان السويس و أهلها و حضره اثنا عشر وزيرا أتوا من القاهرة للاحتفال بانتصار المقاومة الشعبية فى السويس ، فاستقبل أهل السويس الشيخ حافظ سلامة بالهتاف: حافظ حافظ ، لا محافظ إلا حافظ ، لا محافظ إلا حافظ. لم يخرج هذا الهتاف العفوى اعتباطا من أهالى السويس بل هو تعبير عن وضع حقيقى قام على الأرض أثناء حصار السويس بعد أن تولى الشيخ حافظ سلامه و رجاله قيادة المدينة و المقاومة و يعاونه العقيد عادل اسلام المستشار العسكرى للمحافظة و من معه من رجال القوات المسلحة و استطاعوا هزيمة اليهود هزيمة ساحقة بفضل الله بعدما أوشك المحافظ على الاستجابة لتهديدات اليهود و تسليم المدينة ثم انزوى و اختبأ فى بيت أحد الأهالى بينما كان الشيخ حافظ و رجاله يشرفون على المقاومة الشعبية و الجهاد و دفاعات المدينة ، و على التموين و توزيعه و على مصادر المياه و على دفن الموتى و علاج الجرحى و يمدون الجيش الثالث المحاصر بالمؤن و يقيمون الاحتفال بعيد الفطر و يوزعون الكعك تحت أزيز الطائرات الإسرائيلية لرفع تكبير الله فى السماء و رفع معنويات أهل السويس على الأرض ، إلخ ، و قد عرض السادات بالفعل من خلال وزير الإسكان منصب المحافظ على الشيخ حافظ سلامة لكنه رفض و طلب بدلا من ذلك ترميم مساجد المدينة ال 46 التى تضررت من قصف الإسرائيليين. هذه القصة خير بيان لمن ينبغى أن يختار محافظا لأى محافظة و ما هى المؤهلات اللازمة له بغض النظر عن مناصبه و شهاداته ، إنه الرجل الذى ينتمى للمحافظة و أهلها ، الرجل الذى يعيش مشاكلها و يجتهد فى حلها ، الرجل الذى يعانى مع أهل محافظته سلما و حربا و يجوع و يتعب كما يجوعون و يتعبون ، الرجل لا "يسترزق" من سبوبة المحافظة فيحلب لبنها و يكنز لنفسه خيرها كما رأينا فى محافظين سابقين انتهوا إلى السجن. فى الدول الديموقراطية ينتخب حاكم الولاية أو الأقليم ممثلا لشعب هذه الولاية و أمينا على مواردها و عاملا على تقدمها (على الأقل نظريا) و مسؤولا أمام شعبها و قد تدخله الظروف فى شد و جذب مع الحكومة المركزية بسبب موارد تريد الأخيرة اقتطاعها كعوائد بترول أو ثروات أخرى فى هذه الولاية أو قوانين تريد سنها تؤثر سلبا على سكان ولايته ، ثم يأتى وقت الحساب فى الانتخابات القادمة التى يعمل لها حاكم الولاية و حزبه ألف حساب ، هكذا الحال فى اختيار رؤساء وزراء المقاطعات الكندية و حكام الولاياتالأمريكية و فى الدول الأخرى. أما فى الدول الديكتاتورية فالمحافظ و حاكم الولاية هو ممثل لرئيس الجمهورية يبسط نفوذ الرئيس على هذه المحافظة ، وجوده و ذهابه ليس مرتبطا بالمهارات و الخبرات التى يمتلكها و لا برضى الجماهير و لا بحجم الانجاز الذى يؤديه على الأرض و إنما برضى القيادة السياسية عنه ، فالمحافظ قدر من أقدار الله ينزل على سكانها و لا يد لهم فى دفعه و لا حيلة لهم فى تغييره حتى المحافظ نفسه لا حيلة و لا يد له فى تولى المحافظة أو مغادرتها ، و منذ أيام فى حوار مع المهندس حسب الله الكفراوى ذكر كيف تم تعيينه محافظا لدمياط و كيف انتقل منها لوزارة الإسكان فبعد جهده فى تعمير مدن القناة لإعادة المهجرين من أهلها جاءته التعليمات بتعيينه محافظا لدمياط ، فحاول أن يتنصل منه هذا الأمر لعدم رغبته فيه و حبه لمجال الإنشاء و التعميير فقيل له أن القرار الجمهورى قد تم توقيعه و انتهى الأمر و لا حيلة فى دفعه و عندما فكر الرئيس السادات فى تعمير الصحراء بالمدن الجديدة استدعاه و قال له: يا كفراوى تقعد معانا هنا تفكر لماذا نسكن على 4% من مصر فقط و كيف نستغل بقية المساحة ثم كلم رئيس الوزراء ممدوح سالم قائلا: يا ممدح شوف لدمياط محافظ ثانى. بل تم تعيين بعض المحافظين أحيانا بالصدفة أو الخطأ كالدكتور سمير الخولى محافظ الفيوم الذى كان أستاذا للبساتين فى زراعة المنوفية و مشرفا على حدائق القصر الجمهورى فجاءه القرار بتعيينه محافظا للفيوم عام 1999 على ما أذكر و شعر بالورطة فهو لا يعرف و لا حتى أى صديق أو قريب من الفيوم و مع ذلك تولى المحافظة و اجتهد فيها لمدة عام ثم تم تغييره بعد أن اتضح أن الرئيس مبارك عندما قال لهم عينوا الخولى محافظا للفيوم كان يقصد الدكتور عثمان الخولى الخبير الزراعى و لكن منفذ الأوامر العليا تبادر لذهنه الدكتور سمير الخولى. قد لا تكون الظروف مواتية لانتخاب المحافظين فى الوقت الحالى قبل استقرار النظام السياسى الجديد ، لكن على من يختار أو يرشح هؤلاء المحافظين أن يراعى جملة من المعايير الأساسية نوجزها فيما يلى: 1- أن يكون المحافظ نزيها أمينا ذو خبرة إدارية واسعة و ليس عليه أى شبهة أو مطعن 2- أن يكون المحافظ من أبناء الأقليم أو على الأقل من العارفين به و بأهله معرفة تامة. 3- أن يكون المحافظ مدنيا لا عسكريا و لا شرطيا مع كامل الاحترام للجيش و الشرطة 4- أن يكون المحافظ نشيطا و معروفا فى العمل الشعبى و الجماهيرى و السياسى 5- أن يكون المحافظ شخصية شعبية محبوبة من القطاع الأكبر من أبناء المحافظة 6- مراعاة التوازنات و الحساسيات القبلية و الدينية و العرقية التى قد توجد فى المحافظة 7- أن تكون مدة الخدمة فى المحافظة محددة و معروفة سلفا و تجدد لمرة واحدة على الأكثر إن طريقة تعيين المحافظين فى حركة التغييرات الأخيرة تنتمى للعهد البائد فقد أبقى على أكثر من محافظ مكروه و منهم من شتم أهل محافظته ، و منهم من يغتصب أراضى الأهالى بقرارات انتزاع الملكية بسهولة و بساطة حتى تندر بعضهم أنه يتعاطى 3 قرارات انتزاع ملكية فى الصباح على الريق مع كوب الشاى ، بينما أتى أكثر من محافظ سجلاتهم غير مبرأة و أتى آخرون لا تدرى فيما أتوا و فيما ذهب سابقوهم ، فليس كل قاض أو رئيس جامعة أو مهندس ناجح أو لواء سابق يصلح محافظا. أما بالنسبة لأزمة قنا الأخيرة فإن العند يورث الكفر و الرجوع إلى الحق خير من التمادى فى الباطل و مهمة اللواء ميخائيل كمحافظ قنا أصبحت مستحيلة فحتى لو غلبت إرادة المجلس العسكرى الذى يعين المحافظين إرادة أهالى قنا فسيصبح المحافظ الجديد كمن يعبر حقلا من الألغام و الشراك المفخخة ، و من الخير النزول عن إرادة الجماهير من خلال مخرج مشرف و حل بديل و قد كتب الكتاب و المعلقون حلولا بديلة فى هذا الصدد ، و الله ولى التوفيق. د/ محمد الرملى كلية الحاسبات – جامعة القاهرة