يتقدمون المسيرات لرصد محاولات الهجوم واكتشاف الثغرات للإفلات من الشرطة يسبق المسيرة زمانيًا ومكانيًا، ولا يشارك فيها، ولا يرفع علمًا ولا راية، مجهول الهوية، يرصد ويتحرك ويعطى التعليمات، عيناه كاميرا تصوير، أذناه "ميكسر" أصوات، لديه حساسية استشعار عن بعد.. "راصد الغربان"، الاسم الحركى لمن يرصد "الغربان السوداء". "الغربان السوداء".. اسم أصبح مألوفًا ومتداولاً بين الثوار، يوصفون به أفراد قوات الأمن والجيش، التى تستهدفهم خلال المظاهرات والمسيرات، منذ أحداث فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، فى 14 أغسطس الماضي. "أتقدم مجموعة من الثوار، وننتشر بمحيط المسيرة قبل تقدمها، نسلك أكثر من اتجاه، نرصد الثغرات، التى تمكننا من الفرار من قنابل الغاز ورصاصات الحى والخرطوش، لا يشعر بنا مخبرو الداخلية".. بتلك الكلمات استهل أحد راصدى الغربان حواره مع "المصريون". يقول "راصد الغربان"، وهو الاسم الحركى له، رافضًا نشر اسمه الحقيقى لأسباب أمنية: "أقف أنا وزملائى على رأس المناطق الخطرة، ونكون بالقرب من تمركز قوات الأمن، وأحيانًا نرفع من معنوياتهم ونشجعهم، حتى يثقوا بنا، ليمدونا بكل الخطط والمعلومات لفض التظاهرات، واعتقال المشاركين بها". ويضيف: "أفراد الأمن سواء كانوا من الجيش أو الشرطة يتميزون بقلة الاستيعاب، كل ما يفعلونه لا يفكرون فيه، بمعنى حافظين مش فاهمين، وهذه ميزة كبيرة لنا، وإن كانت فى بعض الأحيان حين يتم القبض على أحد الرافضين للانقلاب، نقمة، لأنهم لا يرحمون من يقع تحت أيديهم ويوسعونه ضربًا، وكأنه جاسوس إسرائيلي". ويروي "راصد الغربان" تفاصيل حوار دار بينه وأحد جنود الأمن المركزى شف له لماذا يتعامل الأمن بهذه القسوة مع المتظاهرين، قائلاً على لسان الجندي: "على فترات يحضرون لنا شيوخًا يدعوننا لقتال الإخوان، لأنهم إرهابيون ويريدون أن تعم الفوضى فى البلاد، حتى أن أحدهم دعانا بألا تأخذنا بهم رحمة ولا شفقة، وأن اليهود أقرب لنا منهم". ويضيف: "حين تنطلق المسيرة وبعد أن نحدد مسارها الآمن، نطوف نحن بالشوارع المحيطة لها، وحين يقترب الخطر "الغربان السوداء"، نطلق ما يشبه صفارات الإنذار، فيتحرك الصف الثانى من راصدى الغربان، ليخطروا قادة المسيرات بذلك الخطر، فتتفرق المسيرة، ونحدد بعدها أسلوب الكر والفر المناسب مع قوات الأمن، كل ذلك يتم بدقة عالية وبسرعة كبيرة". ويبرز "راصد الغربان"، دور المجهولين فى تأمين التظاهرات التى يدعو لها التحالف الوطنى لدعم الشرعية ورفض الانقلاب، حين يطبقون خطة "الرصد" فى تجنب اعتقال أحد المتظاهرين أو تعرض أحدهم للقتل أو القنص، بالهتاف بأعلى أصواتهم ثم يقوم الصف الثانى بتحذير رؤوس المجموعات، لحظة اقتراب الخطر منهم، يسبقها اختبار صلاحية المكان لتنظيم الفعالية فى توقيت محدد ومحسوب، وإيجاد ثغرة تمكّنهم من اختراق الحشود الأمنية المتربصة بالثوار. ويضيف: "أحيانًا نضع شروطًا لتقليل احتمالات وقوع أى من الثوار فى قبضة الأمن، منها مثلاً تحذير الرجال ممن يتجاوزون الخامسة والأربعين والنساء، من المشاركة فى فعالية ما". ويحدد "راصد الغربان" شروط عضو مجموعته، حيث لابد أن يتميز "الصائد" بسمات معينة حتى يتمكن من أداء مهمته، التى يتوقف عليها فى الغالب حياة المشاركين فى الحراك الثورى فى الشارع، بحيث يتميز "الصائد" بأنه لا ميزة أو علامة له، وهو مجهول، لا يحمل هواتف ذكية، تمكن الأمن من تعقبه وتعقب الآخرين، لا يرفع رايات، أو يردد شعارات، يجب أن يتميّز عضو فريق الرصد بسرعة البديهة والدراية الكاملة بالمنطقة التى تمر بها المسيرة، لينصح المشاركين بالسير فى شوارع بديلة إذا كانت قوات الأمن متمركزة فى بعض الشوارع، وبأحيان كثيرة لا يشارك فى المظاهرات". ويشير إلى أن المجموعة تستعين أحيانًا بالمصابين، وتوكل لهم مراقبة ورصد تحركات قوات الأمن، حيث إن إصابتهم تحول من التظاهر والجرى والهروب من قوات الأمن، لمساعدة الآخرين فى معرفة نقاط تواجد "الغربان"، وإبلاغهم بنقاط تمركزهم، وثغرات الهروب منهم. ويرجع تشبيه قوات الأمن ب"الغربان السوداء"، ذلك لأن الغراب معروف أنه نذير شؤم وسوء، ونعيقه قبيح ومزعج ويتضايق الناس من سماع صوته أو رؤيته إضافة إلى لونه الأسود، فهو يُعرف بين الطيور وعموم الحيوانات بأنه آكل للجيف، يعتمد على صيد الغير، وعادة ما يكون الأول فى أى مشهد للخراب وما شابهها من صفات وأعمال جعلته مكروهاً ومصدراً للشؤم والحزن وتوقع الشر.