مشكلة نفر من الكتاب والصحفيين أنهم يريدون أن يظهروا بمظهر المعارض الذي يتبني قضايا الأمة ، ويخوض من أجلها الأهوال والصعاب ، مع أنهم في حقيقة الأمر يغازلون السلطة ، ويركعون تحت قدميها ، ويقدمون لها قرابين الولاء والطاعة، كي يضمنوا البقاء على حجرها ، وينعموا بالفتات الذي تلقيه إليهم .. هذا النفر ، لا يقتصر على صغار الكتاب وأوساطهم ، ولكنه يمتد إلى الكبار الذين تقلبوا في الولاء للنظام على امتداد نصف قرن من الزمان ، وتحولوا مع تحولاته من حكم العسكر إلى حكم البوليس ، وكانوا في كل الأحوال من المقربين المحظوظين ؛ الذين لا يوخزهم ضمير ، ولا يخفق لهم قلب! وقد وجد هؤلاء وأولئك أن الإسلام هو الحائط الواطي الذي يصعدون عليه ويحققون من خلال صعودهم الرخيص أمانيهم وطموحاتهم في السلطة والثروة .. لقد عرفوا أن السلطة تسعد بكل من يهاجم الإسلام وينتقد الحركة الإسلامية ويحمل على مظاهر الصحوة الإسلامية ؛ لذا يحرصون دائما على توجيه الطعنات المباشرة وغير المباشرة إلى قيم الإسلام ومثله العليا ، وينسبون التخلف أو العجز الذي تعيشه البلاد إلى الإسلام أو " الإظلام " أو " الظلام " كما يسمونه ويشيرون إليه في أدبياتهم وكتاباتهم .. وفي خضم الأحداث الجسام التي يعيشها الوطن والأمة ، يسعى هؤلاء إلى الانحراف باهتمامات الناس بهذه الأحداث إلى قضايا جزئية أو ها مشية ، وحبذا لو كانت إسلامية لترضى عنهم السلطة البوليسية ، أو تواصل رضاءها وعطاياها . ويحار المرء كيف يناقش هؤلاء الذين لا يؤمنون بمنطق ، ولا يخضعون لبرهان ولا يستجيبون لضمير .. ثم يزعمون أنهم علمانيون وليبراليون .. وهم ليسوا كذلك أبدا .. في الفترة الأخيرة على سبيل المثال ؛ رأينا بعضهم؛ وله في علاقته بالأجهزة الأمنية تاريخ حافل ، يتخذ من انحراف فتاة وفتى ، ذريعة ليحمل الإسلام وتشريعاته مسئولية أبناء الزنا واللقطاء ، وكأن الإسلام يدعو الفتيات والفتيان إلى العبث وانتهاك الأعراض .. من قال إن فتاة حملت سفاحا يتحمل الإسلام مسئولية هذا الحمل ؟ لماذا لا يطالبون بتطبيق تشريعات الإسلام في الزواج ؟ وينشرون مقاصده ؟ ويكشفون للشباب الطريق السليم للعلاقة بين الرجل والمرأة كما وضحها الدين الحنيف ؟ ما شأن الإسلام بمن تختلي بولد بعد أن يكتبا ورقة يسميانها زواجا عرفيا ، وهو ليس كذلك؟ لماذا التحامل الغشيم على تشريعات الإسلام في الوقت الذي لا يستطيعون فيه أن ينبسوا بكلمة واحدة عن نظام الطلاق والزواج في الكنيسة ؟ ألم أقل لكم إن الإسلام هو الحائط الواطي بالنسبة لكتاب لاظوغلي ؟ آخر يقيم الدنيا ولا يقعدها ، لأن امرأة منقبة اشترت وحدة سكنية في " ما رينا " - منتجع أغنياء النظام البوليسي !- ويرى أنها ستهدد ثقافة أهل مارينا ( التنويرية !) ، وستنشر الظلام ( الإسلام ) في أرجاء المنتجع المستنير . نسي كاتب لاظوغلي ( المعارض) ، قضايا العبارة ، وعمر أفندي ، والدواجن ، والتلوث ، والبنوك ، وسرطنة المصريين ، وحرق أكبادهم وكلاهم ، فضلا عن قضايا الحريات والديمقراطية والدستور والمعتقلين إلى أجل غير مسمى وعسكرة المجتمع ومؤسساته ؛ وراح ينتفض غضبا وثورة ؛ لأن امرأة منقبة زاحمت الذين ينهبون الوطن بالقانون ، ويعيشون حياة أميركا نية مفتوحة ، تزري بعشرات الملايين من العاطلين والفقراء والمساكين والمعوزين والمحرومين! ويأتي كاتب آخر من كتاب لاظوغلي ، ليحكي قصة سخيفة عن زوجة فوجئ زوجها بتدينها ، وتعبيرها عن هذا التدين بطريقة لم تعجبه ، فيقيم الدنيا ولا يقعدها طلبا للنجدة من هذا الطوفان الذي سيغرق البلاد والعباد ، ويطيح بالأمن والاستقرار ، ويشيع الإرهاب الأسود في أنحاء المعمورة ، ولو أن هذا الكاتب السلطوي الذي يسطر ما تريده لاظوغلي أو السلطة الممتدة ، سأل نفسه سؤالا بسيطا ، لماذا يسعى الناس إلى التدين ، ويتشدد بعضهم في التمسك بالدين .. لعرف أن السلطة التي يخدمها ، ولا ظوغلى الذي يستمد منه الوحي ، قد شنا حربا ضروبا على الإسلام والمسلمين ، وصار من يتهم ب" الإسلام " أكثر خطرا عندهما من تجار المخدرات ، وقتلة العبارات ، ولصوص البنوك الكبار ، وحيتان الاحتكار ، ومهربي الفياجرا ، وملوك الحديد والاسمنت .. فكل هؤلاء ذنبهم مغفور ، وانحرافهم مستور .. أما المتدين فهو المجرم الأخطر الذي يجب استئصاله بمنطق السلطة ولا ظوغلى معا! ويجلس واحد من كبار كتاب لاظوغلي متعجرفا أمام مذيعة التلفزيون ليلقي دروسا رديئة عن تخلف المرأة المصرية بسبب حجابها أو اهتمامها بمنزلها وأولادها ، ويعد ذلك رجعية وظلامية ، وتهش له وتبش مجموعة النساء المتفرنجات اللاتي يجلسن من حوله ، في الوقت الذي لا يستطيع فيه أن ينبس بكلمة عن تزوير الانتخابات وسرقة المقاعد النيابية من المرأة المسلمة في مصر الجديدة ورمل الإسكندرية ، أو من الرجل المسلم في دمنهور والمنصورة والقاهرة وأسيوط وكفر الشيخ ودمياط وغيرها ! وآخر ، وليس أخيرا ؛ يصدق نفسه أنه معارض حقيقي ، فينتقد فنانة تحجبت ، لأنها صارت أثقل وزنا ، وأكبر حجما أيام كانت سافرة ترضي رغبة المخرج والمنتج ، ولم يفتح الله عليه بكلمة حول من يتاجرون بجسد المرأة في البور نو كليب والسينما الهابطة والمسلسلات السخيفة .. إن التعري هو التنوير والتقدمية والعالمية .. أما الإسلام فهو الإظلام كما يعلمنا كتاب لاظوغلي ، والطامحين إلى عتبة لاظوغلي ! مشكلة هؤلاء الكتاب الخدم أنهم نشأوا وعاشوا في عصر جعل النفاق القيمة الأعلى ، والمداهنة المثل الأرقى ، والبحث عن الرضا السامي في لاظوغلي هو الغاية العظمى ، فهم بذلك يضمنون فتات المعز ، ويتأكدون من عدم ظهور أسمائهم على الكمبيوتر إياه تحت خانة " مطلوب لاحق" أ و " مطلوب فورا " أو "ممنوع من الكتابة " في صحف السلطان والأميركان ! ولله في خلقه شئون ! [email protected]