ما إن أخفق مجلس النواب اللبناني "البرلمان" في اختيار رئيس جديد للبلاد, خلفا للرئيس ميشال سليمان, الذي تنتهي ولايته في 25 مايو القادم, إلا وحذر كثيرون من أن لبنان على أبواب الدخول في مرحلة جديدة من الفراغ السياسي. وكان البرلمان اللبناني عقد جلسة في 23 إبريل لانتخاب رئيس جديد للبلاد, إلا أنه سرعان ما أعلن رئيسه نبيه بري إرجاء جلسة الانتخاب إلى 30 إبريل, بعد فشل المرشحين المتقدمين في الجولة الأولى في الحصول على أغلبية الثلثين. وعقدت الجلسة الأولى بحضور 124 نائبا من أصل 128، حيث يشترط لعقد جلسة اختيار الرئيس ما لا يقل عن ثلثي الأعضاء, وصوّت 48 صوتا لاختيار سمير جعجع, رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع, الذي ينتمي إلى قوى 14 آذار, في حين حاز هنري حلو, وهو مرشح جبهة النضال الوطني بزعامة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، على 16 صوتا, بينما حصل الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل على صوت واحد فقط, فيما صوت بأوراق بيضاء 52 نائبا يتبعون في الأغلب قوى 8 آذار , التي يقودها حزب الله، وهو ما يعني أن تلك الكتلة لم تقدم مرشحا في الجولة الأولى, بانتظار الاتفاق على اسم مرشح قوى. ويحبس اللبنانيون أنفاسهم منذ أن دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري المجلس للانعقاد في 23 إبريل لانتخاب رئيس جديد للبلاد, بالنظر إلى أنه من شأن الانقسامات العميقة في لبنان بشأن الحرب بسوريا المجاورة أن تؤجل, وربما لعدة أشهر اختيار الرئيس ال13 للجمهورية, منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1943. فمعروف أن القوى السياسية في لبنان تنقسم بين داعمين للنظام السوري، وفي مقدمتهم حزب الله المشارك في الحرب إلى جانب الرئيس بشار الأسد، وبين مؤيدين للمعارضة السورية, يتقدمهم تيار المستقبل بزعامة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري. وينص الدستور اللبناني على أن ينتخب رئيس الجمهورية الذي ينتمي -بموجب العرف والميثاق الوطني- إلى الطائفة المارونية المسيحية, بالاقتراع السري بأغلبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويُكتفى بالأغلبية المطلقة, في دورات الاقتراع, التي تليها. ويبدو أن الأغلبية المطلقة لن تكون سهلة المنال لأي من المرشحين, في ظل عدم توافق فريقي 14 و8 آذار المتنافسين على اسم الرئيس الجديد, فمعروف أنه لم يتقدم أي من المرشحين الأقوياء, إلا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع, الذي ينتمي إلى قوى 14 آذار، لكنه لا يملك فرصة حقيقية بالفوز, بالنظر إلى تورطه بالحرب الأهلية, وعدائه الشديد لحزب الله. وكان محمد فنيش وزير الدولة اللبناني لشئون مجلس النواب وممثل حزب الله في حكومة تمام سلام، علق على ترشح جعجع, قائلا :" إن الاستحقاق الرئاسي ليس فرصة لجذب الأضواء أو فرصة لتحقيق الأحلام". وأضاف " هذا المنصب لا يكون إلا لمن يملك تاريخا وطنيا مشرفا، ويملك موقفا واضحا تجاه إسرائيل, عدو لبنان، ويحفظ مقومات قوته في معادلة الشعب والجيش والمقاومة". وبالنسبة للمرشح الآخر من كتلة جبهة النضال الوطني النيابية, التي يرأسها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط , وهو النائب هنري حلو, فإن فرصه أيضا تبدو منعدمة, بالنظر إلى أن كتلة جنبلاط ترجح دائما كفة أي من فريقي 14 و8 آذار في حال التحالف مع أي منهما, إلا أن مرشحها ليس قويا بما يكفي, لكي يحصل على توافق. وكان النائب علاء الدين ترو عضو كتلة جنبلاط قال إن الكتلة اختارت حلو في ظل سياسات الانقسام, الذي يعيشه لبنان بين فريقي 14 آذار و 8 آذار, وأن تنأى بنفسها, وتقدم مرشحا من قبلها، واصفا المعركة التي تخوضها الكتلة بأنها "معركة الاعتدال والحوار". وعن حظوظ حلو، قال ترو لقناة "الجزيرة" :" إن جلسة 23 إبريل لا يبدو أنها ستنتخب رئيسا للجمهورية, فكل فريق سيصوت حسب توجهاته السياسية وعندما تحدد الجلسة الثانية, سنبحث الموضوع ونقرر ماذا نفعل". وبجانب ما سبق, فإن هناك أمرا آخر يعرقل انتخاب الرئيس اللبناني الجديد بسهولة, حيث ينقسم مجلس النواب بشكل شبه متساو بين قوى 14 آذار, التي تضم تيار المستقبل وحزب سمير جعجع , وقوى 8 آذار , التي تضم حزب الله وحلفائه, وبينهم كتلة التيار الوطني الحر, التي يتزعمها ميشال عون, الذي يعتبر أبرز مرشحي هذا الفريق، ولا يتمتع أي من الطرفين بالأكثرية المطلقة. وهناك مجموعة ثالثة من النواب, تضم كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط, وبعض المستقلين. ويتوزع أعضاء مجلس النواب, على فريقي 8 آذار "57 نائبا"، و14 آذار "54 نائبا"، في حين تضم كتلة جنبلاط "11 نائبا", إضافة إلى 6 مستقلين, هم النواب ميشال المر، ونايلة تويني، ونقولا فتوش، ونجيب ميقاتي وأحمد كرامي ومحمد الصفدي. وبدت حظوظ حلو وجعجع في الحصول على أغلبية الثلثين, وهي 86 صوتا, في الجولة الأولى "معدومة", وبالفعل, لم يتجاوز حلو أصوات عدد نواب الكتلة, التي ينتمي إليها, كما أن "14 آذار" لا تملك الأغلبية الكافية لإيصال جعجع. وتداولت وسائل الإعلام اللبنانية أسماء مرشحين كثيرين قبل انطلاق جلسة الانتخاب الأولى, وهم الرئيس السابق أمين الجميل والنائبان بطرس حرب وروبير غانم من قوى 14 آذار، والنائب سليمان فرنجية المعروف بصداقته للرئيس السوري بشار الأسد. كما طرحت أسماء من خارج الاصطفاف السياسي القائم بين 14 آذار و 8 آذار، مثل قائد الجيش جان قهوجي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة, إلا أن انتخاب أحدهما يتطلب تعديلا للدستور, الذي يمنع ترشح موظفين كبار في الدولة إلى الرئاسة، ما لم يقدموا استقالاتهم قبل سنتين من موعد الانتخابات. وحسب الدستور اللبناني، يجب أن تجرى انتخابات رئاسة الجمهورية قبل 25 مايو، إذ إن الرئيس الحالي ميشال سليمان, سينهي مدة ولاية الرئيس, وهي ست سنوات, في 25 مايو 2014 , ولا يحق له الترشح لولاية ثانية. وفي حال عدم انتخاب رئيس جديد للبلاد, قبل 25 مايو, المقبل فستتولى صلاحيات الرئيس, حكومة رئيس الوزراء تمام سلام, التي تشكلت في فبراير الماضي, بصعوبة بالغة, وبعد نحو 11 شهرا من الجمود السياسي. وفي ظل الانقسام السياسي بسبب تداعيات الحرب في سوريا والخلافات حول سلاح حزب الله، فإن العديد من المرشحين البارزين, في حاجة إلى حدوث توافق عليهم أولا, ولذا لا يتوقع أن يحسم اسم الرئيس الجديد بسهولة. ولعل ما يدعم صحة الفرضية السابقة, أن انتخاب رئيس جديد للبنان يتزامن مع ارتفاع وتيرة الانتقاد لحزب الله, الذي يقاتل إلى جانب النظام السوري، ويتهمه خصومه باستخدام سلاحه لفرض إرادته ومواقفه على الحياة السياسية اللبنانية. كما يعاني لبنان من تداعيات الحرب في سوريا المجاورة، إذ يستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري فروا من أعمال العنف المتواصلة منذ ثلاث سنوات، وشهد خلال الأشهر الماضية تفجيرات وتوترات طائفية في انعكاس لما يحدث بسوريا. ونقلت صحيفة "النهار" عن رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام تحذيره من أن لبنان سيدخل في مرحلة "صعبة ودقيقة وحرجة", في حال حصول فراغ في كرسي الرئاسة، مؤكدا أنه يفضل شخصية معتدلة متزنة ومقبولة من الجميع للترشح لمنصب الرئيس. وكان سمير جعجع رد على انتقادات ترشحه, قائلا خلال لقاء صحفي في 21 إبريل, بمناسبة مرور 20 عاما، على اعتقاله في سجن وزارة الدفاع 11 عاما, إنه ليس خجولا من ماضيه، مشيرا إلى أنه اعترف بأخطائه, وسبق أن اعتذر علنا, وأمام الجميع، داعيا إلى اتخاذ العبر من الماضي, وعدم رشق الناس بالحجارة. واعترف جعجع بأن اخطائه ارتكبها في زمن الحرب الأهلية، معتبرا أن المخطئ, هو من يستمر في ارتكاب الأخطاء بعد زمن الحرب وبعد قيام الدولة. وجاءت تصريحات جعجع بعد أن استنكر "لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية", وهو تجمع ذي أغلبية شيعية, في 17 إبريل, ترشحه لانتخابات الرئاسة . ووصف اللقاء في بيان له جعجع ب "قاتل" رئيس الوزراء الأسبق رشيد كرامي, وبأنه اغتال قيادات لبنانية, وارتكب المجازر بحق اللبنانيين مسيحيين ومسلمين على السواء, وتعامل مع إسرائيل. وأكد اللقاء تأييده لموقف البطريرك الماروني بشارة الراعي من أن المرشح يجب أن يتمتع بتاريخ نظيف, معتبرا أن مكان جعجع الحقيقي السجن, وإذا ما خرج منه بفعل معادلات سياسية, فإن ذلك لا يعني أن اللبنانيين قد نسوا تاريخه الأسود, حسب التعبير الوارد في البيان