على بعد أمتار قليلة خلف المحكمة الدستورية، تقبع حوالى 400 أسرة متضررة من كارثة إزالة 136 برجًا سكنيًا أمر بتدميرها النظام، الأهالى لم يجدوا ما يلتحفوا به سوى بقايا الحجارة والأسمنت المتهاوى عليهم، مشردين بلا مأوى بعد أن أصبح الشارع ملجأهم بعد أن راح الملجأ والمسكن، نساؤهم تفترشن الأرض، وتلتحفن السماء، يتخذن الخيام وركام مسجد أصيب هو الآخر بزلزال الإزالات، مأوى وسترًا من جرافات النظام. هنا القاهرة.. القطعة رقم "5" بحوض جزيرة السلام، تقع خلف المحكمة الدستورية مباشرة، وتجاور المستشفى العسكري، منذ أيام بزغت أضواء "أبراج المعادي"، بعد أن أزال النظام مصدات أبراج الغلابة "العشوائيات"، الحكومة تدعى ملكيتها، وتقرر الإخلاء، والمواطنون حائرون بورق مختوم، وأحكام قضائية تثبت ملكيتهم، لكًنهم تناسوا أن مصر تعيش أزهى عصور "القضاء والقدر". ما بين "زوجة رئيس الوزراء، ومنتجع الإمارات، ومحلب بيه لا يريد رؤية العشوائيات، أثناء طلته البهية من شقته المطلة من أبراج خير الأنام! وتوسعة المستشفى العسكرى الذى يأوى أهل النظام".. أسباب وآهات لمواطنين اتخذوا سبل السعى والبحث عن أربعة حيطان، فقدن عذريتهن، بعد أن مزقت جرافات النظام سترهن الذى يأوى مئات العائلات. هى المنطقة التى تقع خلف المحكمة الدستورية بحى المعادي، تقدر ب 36 فدانًا، حدودها الكورنيش من الغرب، وشارع مصر حلوان الزراعى من الشرق، والمستشفى العسكرى جنوبًا، ومخازن مصنع كوكاكولا شرقا". تدور عليها حاليًا ومنذ ما يقرب من 9 سنوات، صراعات بين الأهالى والنظام، تعود ملكيتها لمحمد الخبيرى باشا، وزير الزراعة فى عهد الملك فاروق، مسجلة باسمه بحجة رسمية من 115 عامًا، بالمحكمة الشرعية "الشهر العقارى حاليًا"، وهو يمتلك وقفًا على مستوى الجمهورية، يتعدى قيمته 25 مليار جنيه، وله 37 وريثًا، تقدمت إحداهم للرئيس المخلوع حسنى مبارك، إبان توليه السلطة، إلا أن نظامه أخفى ملف ملكية "الخبيري"، فى دار المحفوظات، وبعد ثورة 25 يناير، بسقوط المخلوع، رفض الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء الأسبق، التصديق على قرارات الإزالة، رحمة بالسكان، ومع تولى مرسى السلطة، أبرم الإخوان شبه صفقة مع الورثة، بموجبها تمتلك الدولة نصف الأرض المتنازع عليها ويمتلك الورثة النصف الآخر، ثم عادت قضية الإزالات مجددًا إلى السطح، وطلبت جهات سيادية من مرسى التصديق على إزالات المنطقة الكائنة خلف المحكمة الدستورية، لكنه رفض، بدعوى إيواء الغلابة، وكاد نظام مرسى حينها التصديق على تقنين الأرض لواضعى اليد وأصحاب الأملاك قبل مظاهرات 30 يونيه، لكن جاءت يونيه ببيان عزل الجيش للرئيس، وعادت الأوضاع والمنازعات عما كانت عليه سابقًا. وتدور نزاعات بين الأهالى وشركة المعادى للبناء والتعمير وهى شركة حكومية "الدلتا سابقًا" هادفة للربح، حول ملكية الأرض الكائنة خلف المحكمة الدستورية وملاصقة لمستشفى المعادى العسكري، يقول الأهالي: طبقًا للأوراق التى اطلعت "المصريون" على نسخ منها، إن الأرض تخضع لهم، متهمين الدولة بتشريد أسرهم لتنفيذ مشروع استثمارى إماراتى بالمنطقة، ومتهمين زوجة المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، العضو المنتدب لشركة المعادى للتنمية والتعمير، التى تعتبر الخصم الأكبر لأصحاب العقارات المزالة . "المصريون" التقت الأهالى المتضررين الذين نصبوا خيامًا للإقامة فيها.. وقال جابر سليمان، أحد متضررى الإزالة: "نظمنا عدة وقفات احتجاجية أمام دار القضاء العالي، والمحكمة الدستورية، ومحافظة القاهرة، إلا أن مسئولًا بجهة سيادية طلب منًا رشوة بقيمة 10 ملايين جنيه لإيقاف الإزالات، لكن ما باليد حيلة، لو كان معنا كنا دفعناها"، على حد قوله.
وتابع سليمان: "فى البداية قالت الحكومة إن الإزالات ستشمل ست عمارات فقط، المواجهين لبوابة مستشفى المعادى العسكري، بعدها قررت إزالة 19 عمارة مواجهة للمستشفى من الصف الخلفى المواجه لحرم المستشفي، بعدها زادت الإزالات لتصل لما يقارب من 145 عمارة حتى الآن".
وقال عبد العزيز أحمد، متضرر بإزالة عمارتين: "اشتريت قطعة الأرض التى بنيت عليها منزلى ومنزل آخر من عميد بالمخابرات يدعى أحمد محمد إبراهيم الخبيري، وأعطانى حجة الأرض الرسمية، الكائنة بمنطقة دار السلام، بموجب محضر تسليم، واستلمتها سنة 2007، وبنيت فى البداية منزل "بلدي"، بدون خرسانة مسلحة، وأقمت بها أنا وأولادي، وحصلت على محاضر الكهرباء والمياه فى نفس العام، وفى سنة 2008 جاءت الحكومة وأزالت ما بنيته، وفى 2009 قمت ببناء الأرض بالخرسانة، وعشت بها إلى أن جاءت الحكومة وأزالت كل شىء منذ أيام، والآن أنا مشرد وأولادى فى الشارع، وبعد أن كنت أملك برجين، لا استطيع توفير شقة إيجار لأولادى الخمسة، الذين سحبت أوراقهم التعليمية من مدارس الأورمان الخاصة وأبحث تقديمها فى مدرسة حكومية استطيع سداد مصاريفها".
وهاجم محمد عبد الرءوف، مواطن متضرر، الدولة، قائلا: "نحن دولة البؤساء التى كرهت مصر، وأقسم بالله لو قامت ثورة ثالثة سأضرب الحكومة بالنار، وإن شاء الله الثورة جايه وهتشيل مش هتخلي". واتهم على محمد، أحد المواطنين المتضررين من الإزالات، الدولة بممارسة عملية تجويع منظمة وممنهجة بحقهم، متهمًا المشير عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع المستقيل والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية – الذى وصفه بالمسئول الأول عن الوضع السىء الذى تعيشه البلاد – بتنفيذ سياسة "عايز تحكم الشعب جوعه"، على حد تعبيره.
وقال على : "أعتبرونى سرقت الأرض والطوب والأسمنت والحديد، أحكم على بالإعدام بس ما تهدش البيت، اللى ساترنى أنا والأولاد، زى ما بيقول النظام مصلحة البلد ياريت يراعوا مصلحة ومستقبل الأطفال، الجهات السيادية بتقتلنا بالبطىء، مين الجهات السيادية دى ما نعرفش".
وأضاف: "الأرض عقودها مسجلة، واشتريتها من عميد مخابرات اسمه أحمد محمد الجبيرى سنة 2007، من امتداد شارع محمد درويش المحاذى لسور المستشفى العسكري، ولدى ممارسة كهرباء ومياه".
وتابع: "ذهبنا للنائب العام، الذى حولنا بدوره إلى المحامى العام، الذى حولنا هو الآخر إلى مجلس الدولة ومساعد وزير العدل المستشار محمد الفقي، الذى قال إن الموضوع أكبر منه، ودورنا كعب داير على وسايط مصر كلها، وعرضنا عليهم مقابل بأن نشترى من جديد ولو المتر الواحد ب ألف جنيه، بعدها أرسلنا ما يقرب من 50 "تلغراف" استغاثة للمشير عبد الفتاح السيسي، بصفته وزير الدفاع، حينها، لكنه لم يستجب لنا، بعدها عرضنا تقنين الأراضى بالسعر الذى تحدده الحكومة، لكنها رفضت، ثم أحضرنا بكشوفات تحديد الأراضى من هيئة المساحة، التى أثبتت أن أملاكنا خارج حدود شركة المعادي، ولم تعترف الحكومة بتلك الكشوفات، حتى أن مسئول الشئون القانونية لشركة المعادى قالها لنا صريحة: "مصر محتاجة فلوس وتعاونوا معنا، لأن شركة إماراتية ستحول المنطقة لمنتجع فندقى يستفيد منه الشعب"، على أساس أننا مش من الشعب !، على حد قوله. شاهد الفيديو: