هندسة الإسماعيلية الجديدة تشارك في مؤتمر المرأة العربية    الآن.. جدول امتحانات الشهادة الإبتدائية الأزهرية 2025 آخر العام    في احتفالية يوم الطبيب المصري.. تكريم 31 طبيبًا وطبيبة من الأطباء المثاليين    الدستورية العليا: إجراءات تأديب القضاة ليست اتهامًا ولا تعوق المحاكمة    المحكمة الدستورية تؤكد: شروط رأس المال والتأمين للشركات السياحية مشروعة    رئيس الوزراء يتفقد مشروعي رووتس وسكاي للموانئ    أسعار البلح السيوي بمحلات وأسواق مطروح اليوم السبت 10- 5-2025.. تبدأ من 25 جنيها    الإحصاء :معدل التضخم الشهري 1.3% لشهر إبريل 2025    «المشاط»: اللجنة المصرية السويسرية منصة لدفع العلاقات الاقتصادية بين البلدين    تحرير العقود بعد 3 سنوات.. 4 مطالب للملاك بشأن الإيجار القديم    «السكك الحديدية»: تأخر القطارات على بعض الخطوط لإجراء أعمال تطوير    واشنطن في عين العاصفة.. هل تنجح في تجنب الفخ المميت الذي نصبته لنفسها؟    بينهم سيدة.. الجيش الإسرائيلي يعتقل 8 فلسطينيين بالضفة الغربية    إيطاليا تطالب إسرائيل بإدخال المساعدات إلى غزة    زلزال بقوة 5.3 درجة يهز عدة مناطق في باكستان (تفاصيل)    الأهلي المتأهل الوحيد وفرصة ثلاثية لبيراميدز.. ما هو موقف المقاعد الأفريقية في الدوري؟    تعرف على مواعيد مباريات الزمالك المقبلة في الدوري المصري.. البداية أمام بيراميدز    السجن 7سنوات للمتهم بقتل شاب بسكين بسبب خلافات مالية في نجع حمادي    الحرارة 40 على القاهرة.. الأرصاد تعلن تفاصيل الموجة الحارة وموعد انكسارها    تحرير 16 محضرا لمخالفات تموينية في كفرالشيخ    كشف غموض مصرع شاب بطلق ناري أعلى سطح منزل بقنا    أنشأ محطة بث تليفزيوني.. سقوط عصابة القنوات المشفرة في المنوفية    المتحف المصري بالتحرير ومتحف الحضارة يشاركان في مؤتمر التراخيص الآسيوي    المتحف المصري الكبير يستقبل فخامة رئيس جمهورية جزر القمر ووزيرة التعليم والثقافة اليابانية    بعد صراع مع المرض .. وفاة زوجة الإعلامي محمد مصطفى شردي والجنازة بعد ظهر اليوم    فيلم سيكو سيكو يقترب من حصد 166 مليون جنيه إيرادات    جامعة القاهرة تُرقي 1160 موظفًا ومحاميًا وتُعين 188 طبيبًا مقيمًا بمستشفياتها    مهرجان SITFY-POLAND للمونودراما يعلن أسماء لجنة تحكيم دورته 2    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الكلام وحده لايكفي !?    اتفاق تعاون بين «التأمين الصحي الشامل» وجامعة قناة السويس لتوسيع خدمات الرعاية الأولية للمستفيدين    وفاه زوجة الإعلامي محمد مصطفى شردي بعد صراع مع المرض    اليوم.. انطلاق الجولة 35 ببطولة دوري المحترفين    استثمارات 159 مليون دولار.. رئيس الوزراء يتفقد محطة دحرجة السيارات RORO    رئيس الوزراء يتفقد مشروعي «رووتس» و«سكاي للموانيء» بمنطقة شرق بورسعيد    عاجل - لماذا استدعى العراق قواته من بكستان؟    القناة 12 العبرية: شركة ITA الإيطالية تمدد تعليق رحلاتها من وإلى إسرائيل حتى 19 مايو    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب    حريق هائل في 5 منازل ببني سويف    «رئيس الرعاية الصحية»: منصة وطنية للتشخيص عن بعد باستخدام الذكاء الاصطناعي قريبا    صرف مكافأة استثنائية للعاملين بمستشفيات جامعة القاهرة    بخطوات سهلة واقتصادية.. طريقة تحضير الناجتس    صحيفة عبرية: ترامب قد يعترف بدولة فلسطين خلال قمة السعودية المقبلة    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر    «الصحة»: تدريب 5 آلاف ممرض.. وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات لتطوير خدمات التمريض    خبر في الجول - زيزو يحضر جلسة التحقيق في الزمالك    ثلاثية بصرية.. معرض يوثق الهوية البصرية للإسكندرية بأسبوع القاهرة للصورة    «الثقافة» تنظم زيارة تثقيفية لأطفال المناطق الجديدة الآمنة بمركز الحضارة والإبداع    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    هل أصدرت الرابطة قرارا بتأجيل مباراة القمة 48 ساعة؟.. ناقد رياضي يكشف مفاجأة (فيديو)    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    الرمادي يعقد جلسة مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة بيراميدز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    الصحة: تدريب أكثر من 5 آلاف ممرض.. وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات لتطوير الخدمات    اليوم.. محاكمة 9 متهمين بخلية "ولاية داعش الدلتا"    موعد مباراة الاتحاد السكندري ضد غزل المحلة في دوري نايل والقنوات الناقلة    حبس لص المساكن بالخليفة    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    صراعات الشرق الأوسط تقطع أوصال التعاون التنموي المشترك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النخبة الثقافية بين القهر الثقافي وأزمة فهم الديمقراطية
نشر في المصريون يوم 19 - 04 - 2011

الذي يحاول العودة للتعرف هذه الأيام علي مفهوم الديمقراطية والليبرالية والحرية كما تحاول أن تمليها مجموعة من المثقفين تعرف بالنخبة الثقافية يجد أنها تخلوا تماما من آداب الخلاف والاختلاف ويدرك أننا في أزمة حقيقية لا في فهمنا نحن لها ولكن في فهم هذه النخبة لهذه المفاهيم وقدر تباينها . والأدهي أن هذه النخبة تسعى جاهدة لتصدير أزمة اختلال فهمها وتلونه وتباينه إلي الناس بشكل يؤكد رغبتها في الإملاء والفرض وليس الحوار القائم علي تقدير إمكانية صواب رأي الغير.
والغريب أن وسائل الإعلام تواصل فتح أبوابها لهذه النخبة لتكرر ما تقول وكأنها هي القدر المحتوم علينا، فكلما قلبت قناة فضائية تجد أحد مروجيها يتنقل بنفس الكلام بين هذه الفضائيات اللهم إلا من تغيير للكرافتات أو تسريحة الشعر الغجري المنكوش، أو بعض مصطلحات مصاغة بلغات الغرب الذي جعلوه وحده قبلتهم الحضارية ونابوا عنه في أن يكونوا سهامه المصوبة إلي حضارة بلادهم.
وأغلب كوادر هذه النخبة تكونت ثقافتها وقناعاتها في أزمنة كانت أبعد ما تكون عن الحرية، والمناهج والمصادر التي شكلت ثقافتهم كانت في أغلبها موجهة وصادمة تعتمد علي مصادرة رأي الغير مهما كانت حججه، ونمت في ظل غيابه أو تغييبه، وابتعدت بالتالي بأصحابها عن رأي قطاع كبير من الشارع المصري كما الشارع العربي وأصبحت معزولة عنه متفاخرة بالنظر من برج عاجي، وفسرت ببجاحة سبب عزلتها إلي انتشار الأمية السياسية وأنها وحدها المحتكرة للثقافة دون أن ترجعها إلي عجزها عن تقديم منتج ثقافي يترجم توجهات الشعب ويعبر عن مصالحه.
تلك كانت أزمة النخبة الثقافية في مصر منذ انقلاب الجيش في 1952 حيث أراد النظام في الحقبة الناصرية التقرب إلي الناس من خلال ثقافة تابعة وموجهة فلم يكن أمامه سوى الاعتماد علي كوادر عسكرية لتتولي المؤسسات الثقافية لم ترق إلي درجة النخبة، وأشركوا معهم كوادر من العهد الليبرالي السابق لم تفلح هي الأخرى في التهيئة لقبول أفكار اليسار الاشتراكي الذي تبنوه .
وحين جاءت حقبة السادات لتحدث التحول إلي الليبرالية اعتمدت علي كوادر كانت قد شبت علي الأفكار اليسارية وتمرست علي ثقافة التبعية فلم تفلح في التهيئة لليبرالية، وبدت عليها علامات التلون والتخبط فانتقلت من الاتحاد الاشتراكي إلي حزب مصر إلي الحزب الوطني مؤكدة ثقافة الاحتماء والتبعية .
وشكّل هؤلاء المتخبطون في عصر مبارك عصب النخبة الثقافية التي تسيدت وسائل الإعلام والتأثير، وبرع منهم المنظرون والفلاسفة المبررون لفضل النظام وسلامة خططه وحقيقة معاناته من أجل صالح شعب مصر، وظل البعض الآخر منهم والذي لم يجد له موطئ قدم في زحام المنافقين والملفقين حائرا بين ثقافة المصالح وتجارة الثقافة .
وفي أعقاب نجاح ثورة شعب مصر في يناير2011 حاول بعض تجار الثقافة الذين لم يفلحوا في الغرف من بحر الفساد إعادة تفسير بعض أقوالهم أو كتاباتهم بأنها كانت تحمل في طياتها تبشيرا بالثورة وهجوما علي الفساد، وحاول البعض الآخر ممن لم يجد له أي رصيد يمكن تسويقه التمسح بما أبداه من بطولة تفوق الحروب في ميدان التحرير ونسج حول دوره قصصا تصلح أن تكون أفلاما وأن ذلك كفيل بمنحه صك مشروعية قبول آرائه وأن الإنصات إلي نصائحه فرض عين علي الجميع .
وأغلب النخب الثقافية التي تتسيد وسائل الإعلام في بلادنا هذه الأيام هي من كوادر كليات الإعلام والعلوم السياسية، وقد تكونت علميا علي مناهج أغلبها مستورد ولاصلة له بتراثنا الحضاري إلا من باب تفسيرهم أو تفسير ملقنيهم له، وهم أقرب إلي تفسير الحدث لا إلي صنعه ، وليس أدل علي ذلك إلا موقفها الدائم من رفض التيار الديني ومحاولة تخويف الناس منه، والتنقيب فيه عن مواطن الضعف وفترات الانكسار وشواذ الأفكار، أو وفقا للمثل الشعبي عدوك يتمنالك الغلط . كما أنهم في ادعائهم بأنهم يدعون للديمقراطية لا يلتزمون بأي جانب فيها فهم يصادرون رأي هذا التيار ويأتون بما يتهمون به غيرهم في رفضهم للآخر وعدم قبولهم للحوار معه، وهذا بالضبط ما تقوم أمريكا به قبلتهم في الديمقراطية ، مع أنهم يدركون أنه الأقرب إلي الشعب من ادعاءاتهم مهما روجوا لها ، وأن تقبل المصريين للقيم الدينية ودفاعهم عنها قديم قدم وجودهم التاريخي وأساسهم الحضاري.
والماركسيون من هذه النخبة والذين تعودوا تسيد الساحة وحدهم دون وجود غيرهم تكونت ثقافتهم علي كره ورفض التيارين الليبرالي والإسلامي علي السواء، لكن إمكانية تلاقيهم مع الليبراليين ممكنة طالما كانت علي حساب التيار الإسلامي. ومع أنهم تظاهروا بأنهم حملوا لواء المعارضة في عصر الفساد الماضي إلا أنهم قبلوا تسييسه لهم فرئيس حزب التجمع كان يسعي لأن يعينه الرئيس المخلوع عضوا في مجلس الشوري الذي يلوح الآن بفساده .
والسؤال المحير الذي يجب أن يطرحه شباب مصر هل هذه الكوادر مؤتمنة علي حتى المشاركة في بناء الثقافة السياسية في مصر ؟ وهل لا ينبغي أن يشملها التغيير أو التطهير فورا أو تصويب مسارها وقناعاتها في ضرورة احترام رأي الغير ؟ وهل المناهج التي أسهمت في تكوينها وتواصل من خلالها تكوين كوادر أخرى ستترك لتحكم مستقبل شبابنا ؟ وهل المصادر الثقافية المتمثلة في الأبحاث والمؤلفات التي امتلأت بها المكتبات والمنتديات والقنوات ستظل دون نقد أو تغيير أو توضيح لأبعادها وحقيقة مراميها ؟
وإذا كان الرأي العام في مصر الذي يتهمونه بالجهل قد رد بوعي عليهم في الاستفتاء الحر الأخير فهل سيؤثر ذلك علي تصويب موقفهم واعتدال آرائهم ؟ وهل سيعودوا ليتعلموا من تاريخ مصر عن أسباب استمرار تهميش التيار الليبرالي الذي سخر له دعاته كل الإمكانات منذ عصر الحملة الفرنسية ومحمد علي إلي عصر مبارك ؟ وعن أسباب انحسار التيار اليساري الذي يعود في نشأته إلي أعقاب العالمية الأولي ورفض أغلب الشعب له ؟ وأن كلا التيارين مازال وسيظل يعاني من عسر الهضم في معدة المصريين برغم كل ما أتيح لدعاته من عوامل السطو والقهر والقوة والتمكين ؟
وهنا أستعير مصطلح القهر الثقافي الذي تمارسه هذه النخبة الذي سمعته من المفكر الكبير فهمي هويدي والذي يستوجب الثورة لكونه لا يتقبل التيار الإسلامي ثم يحاول أن يلصق التهمة به، والثورة علي المناهج التي تعكس لا التعلم من الغرب وإنما التبعية له تحت مسمي وحدة الحضارة وحرية التعلم .
إننا في حاجة إلي بناء كيان ثقافي متوازن يجمع بين الأصالة التي تتمثل في مشروعية الاستلهام من رصيدنا القيمي الحضاري، والمعاصرة التي تفتح عقولنا علي كل جديد يناسبنا في الشرق أو في الغرب، فمثل هذا الكيان المأمول هو الكفيل بالحفاظ علي هويتنا الحضارية وحمايتها من لهيب العولمة الرامي إلي استعبادنا وقهرنا إذا ما اتبعنا ما تبشرنا به هذه النخبة. ويثق الكثيرون بأن شبابنا يدركون الفارق بين ثقافة القيم وثقافة المصلحة المؤقتة ، وإن غدا لناظره قريب .
* مؤرخ مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.