ما إن أعلن وزير الداخلية الجزائري الطيب بلعيز فوز الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة بولاية رئاسية رابعة, إلا وظهرت عاصفة من ردود الفعل الغاضبة من قبل المعارضة, وصلت إلى حد التحذير من أن البلاد دخلت النفق المجهول. وكان بلعيز أعلن فوز بوتفليقة بولاية رابعة في الانتخابات الرئاسية, التي أجريت في 17 إبريل، بعد حصوله على نسبة 81.53% من أصوات الناخبين, في حين رفضت أحزاب المعارضة النتائج, واعتبرتها انعكاسا لتزوير واسع. وفي مؤتمره الصحفي, الذي عقده في 18 إبريل, أكد بلعيز أيضا أن العملية الانتخابية جرت في ظروف حسنة وجيدة، وأن الشعب الجزائري اختار بكل حرية وبدون أي ضغط رئيسه في جو من الشفافية والحياد التام, مضيفا أن نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع بلغت 51.70% . وحسب النتائج المعلنة، حل المرشح الرئاسي المستقل علي بن فليس في المرتبة الثانية بنسبة 12.18%، بينما حين حقق الوجه الجديد في انتخابات الرئاسة, ومرشح حزب "جبهة المستقبل" عبد العزيز بلعيد المركز الثالث بنسبة 3.36%. أما زعيمة حزب العمال لويزة حنون فحلت بالمركز الرابع بنسبة 1.37%. وجاء في المرتبة الخامسة رئيس حزب عهد 54 فوزي رباعين بنسبة 0.99%، وفي المرتبة الأخيرة مرشح حزب جبهة الجزائر الجديدة موسى تواتي بنسبة 0.56%. وعلى الفور, أكد المرشح الخاسر علي بن فليس أنه لن يعترف بنتائج هذه الانتخابات, لأنها مزورة وتعكس "اغتصاب" إرادة الشعب الجزائري، على حد قوله. واتهم بن فليس السلطة بالتخطيط المسبق للتزوير الذي برز بشكل فاضح عشية 17 إبريل من خلال تحالف بين المال المشبوه وبعض وسائل الإعلام, واعتبر أن "التزوير يمنح منفذيه شرعية كاذبة فقط". وأضاف أنه سيواجه هذا "التعدي" سلميا بالإعلان قريبا عن تنظيم واسع للجزائريين والجزائريات لبناء دولة ديمقراطية, كما كشف أنه لن يتقدم بطعن للمجلس الدستوري لأن رئيسه تابع لبوتفليقة، على حد قوله. وبدوره, قال المرشح عن الجبهة الجزائرية موسى تواتي, الذي حل في المركز الأخير، في تصريحات لقناة "الجزيرة" إن النتائج المعلنة مبالغ فيها ولا تعكس الواقع, وكشف أنه سيلجأ إلى المجلس الدستوري للطعن فيها. أما سفيان جيلالي رئيس حزب جيل جديد والمرشح المنسحب من السباق, فاعتبر أن نسبة المشاركة مبالغ جدا فيها، قائلا إنها لن تتجاوز في أحسن الأحوال 25% , مشيرا إلى حدوث تزوير واسع. وقال أيضا :"خرجنا من سلوك الانتخابات إلى سلوك الوقاحة"، في ذلك إشارة إلى نسبة فوز بوتفليقة. وأضاف جيلالي أن الجزائر كرست نظرية جديدة في علم السياسية، وهي أنه "يمكنك أن تترشح للرئاسيات, ولا تظهر مطلقا، وبعد ذلك تفوز بنسبة تتجاوز 80%", وذلك في تعليق ساخر على عدم خوض بوتفليقة حملته الانتخابية بنفسه بسبب مرضه. ومن جهتها, أكدت جبهة العدالة والتنمية المقاطعة للانتخابات, والتي يترأسها عبد الله جاب الله، أنها لم تتفاجأ من تضخيم نسبة المشاركة، وقالت إنها لا تتجاوز 20%. وأضافت في بيان لها أن تدني المشاركة انتصار لدعاة المقاطعة، ودليل على إدراك الشعب لسياسات اعتداء السلطة على حق الأمة في الاختيار. وفي السياق ذاته, قالت حركة النهضة, وهي حزب إسلامي مقاطع, إنها سجلت فروقا شاسعة بين النسب المعلنة من طرف وزير الداخلية, ونسب التصويت الحقيقية. وبدورها, قالت الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة في الجزائر إن النظام أدخل البلاد في المجهول، بما وصفتها بالفضائح الانتخابية. وهنأت الجبهة الجبهة الشعب الجزائري على ما قالت إنها مقاطعة واسعة وتاريخية للانتخابات الرئاسية تعبر عن رفضه سياسة الأمر الواقع ورغبته في تغيير جذري. وفي المقابل, قال عمارة بن يونس وزير الصناعة الجزائري والمتحدث باسم حملة بوتفليقة إن الشعب الجزائري هو من قرر أن يكون بوتفليقة رئيسا له. ونفى بن يونس في لقاء مع قناة "الجزيرة" وقوع تزوير في نتائج الانتخابات، وأكد أن عملية الاقتراع جرت في أجواء ديمقراطية، حسب وصفه. أما مدير حملة بوتفليقة عبد المالك سلال فقال إن فئات كثيرة من الشعب الجزائري ساندت ترشح بوتفليقة، وساهمت بشكل كبير في فوزه في الانتخابات. وفي أول رد فعل دولي, جددت فرنسا عزمها مواصلة العمل مع الجزائر، متمنية "النجاح" لبوتفليقة, الذي أعيد انتخابه لعهدة رابعة في إطار الانتخابات الرئاسية. وأكد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في بيان بثته وكالة الأنباء الجزائرية أن "فرنسا تجدد عزمها مواصلة العمل مع السلطات والشعب الجزائري على تعميق العلاقات الثنائية خدمة للتنمية في البلدين". ورغم أن وزير الداخلية الجزائري أكد أن انتخابات الرئاسة أجريت في ظروف الأمن والطمأنينة، إلا أنه حدثت اشتباكات بين متظاهرين ضد الولاية الرابعة لبوتفليقة وقوات الأمن، في مدينة البويرة, أسفرت عن جرح نحو ثمانين شخصا, أغلبهم من قوات الأمن, كما أحرق متظاهرون في بجاية بعض مكاتب الاقتراع، وفي تيزي وزو, منع متظاهرون أيضا فتح مكاتب الاقتراع. وبالنظر إلى أنه قدرت أعداد من لهم حق التصويت بنحو 23 مليون ناخب من أصل عدد سكان الجزائر المقدر بنحو 39 مليون نسمة، قال مسئول الإعلام لحركة النهضة محمد حديبي :"إن المعايير الدولية للهيئة الناخبة في أي دولة لا تزيد عن ثلث السكان، وبالتالي عدد الناخبين بالجزائر لا يتجاوز 16 مليون ناخب كأقصى حد". واعتبر حديبي أن "الهيئة الناخبة ضخمت بستة ملايين، هي كتلة وهمية لمواجهة إرادة الشعب الحقيقية, حين ضخمت المشاركة بثلاثة أضعاف". ولا يحدد قانون الانتخابات بالجزائر الحد الأدنى لنسبة المشاركة التي تعطي مصداقية للانتخابات, وقال الخبير بالقانون الدولي مصطفى بو شاشي لقناة "الجزيرة" إنه من الناحية القانونية لا توجد نسبة محددة لمشاركة الناخبين المعبرة عن تمثيل الشعب، "ولكن من الناحية السياسية تفتقد الانتخابات للشرعية عندما تتدنى نسبة المشاركة، لأنها بذلك تعبر عن رفض الشعب لاستخدامه في لعبة انتخابية هو بعيد عنها". ويبدو أن الأمور لن تستقر في الجزائر بعد انتخابات الرئاسة, خاصة في ظل تردي الحالية الصحية لبوتفليقة, الذي يبلغ من العمر 77 عامًا، وعاني من جلطة دماغية العام الماضي سافر على إثرها لفرنسا لتلقي العلاج, وظل هناك ثلاثة أشهر, وعاد "مقعدا" على كرسي متحرك، ومنذ ذلك الحين, يتكلم بصعوبة ولم يظهر في اي مؤتمر صحفي منذ فترة طويلة، الأمر الذي أثار سخرية النشطاء الجزائريين من إعلانه الترشح بحالته تلك، وأطلقوا هاشتاج "انتخبوا المرحوم". وأجمع النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي على أن فوز بوتفليقة, لكونه مرشح "الدولة العميقة" بالجزائر التي يدعمها الأمن والإعلام وغيرهم الذين يريدون الإبقاء على النظام القديم كما هو بنفس رموزه، وعلى رأسهم بوتفليقه. وكان بوتفليقة قد ترشح للمرة الأولى فى انتخابات عام 1999 ك"مرشح مستقل", حيث فاز فيها بدعم من الجيش، ووعد بإنهاء الصراع مع "المسلحين الإسلاميين", الذى بدأ عقب إلغاء الانتخابات البرلمانية عام 1992 والتى كان "حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ" على وشك الفوز فيها. وفى عام 2004 , دفعته النجاحات التى حققها خلال فترة رئاسته الأولى إلى الترشح لفترة ثانية، فقاد حملته الانتخابية حيث أعيد انتخابه بنسبة 85% من الأصوات، وأصبح بوتفليقة الرئيس الجزائرى الوحيد الذى يُنتخب لولاية ثانية فى انتخابات ديمقراطية منذ الاستقلال عام 1962. ومع اقتراب نهاية الفترة الرئاسية الثانية، وعدم إتاحة الدستور له الترشح لفترة ثالثة، ألغى بوتفليقه عدد الولايات الرئاسية المحددة ب"اثنتين" عبر تعديل دستوري، وترشح عام 2009 ونجح في الانتخابات الرئاسية لفترة رئاسة ثالثة بنسبة 90,24%. يذكر أن بوتفليقة من مواليد 2 مارس 1937، والتحق وهو فى التاسعة عشر من عمره فى صفوف جيش التحرير الوطنى, وفى سن 25 عاما أصبح وزيرا للشباب والسياحة فى أول حكومة جزائرية بعد الاستقلال, وفى عام 1963 اصبح وزيرا للخارجية, حيث شغل هذا المنصب حتى عام 1979 , وكان نشاطه الدبلوماسى ملحوظا, وجعل الجزائر دولة رائدة فى العالم الثالث.