في مصر فقط أصبح استهداف الصحفي غاية لدى القائمين على أمور النظام، فالصحفي - الموضوعي – هو عين المجتمع على الأحداث، وهو نافذة المواطن الأمينة التي يتابع من خلالها ما يجرى على الساحة، فحين تغلق تلك النافذة، يصاب المواطن بالعمى، ومن ثم لا يرى إلا ما يسمعه عبر إعلام النظام، دون أدنى درجة من إعمال العقل او المنطق ، ولما لا وهو لم ولن يسمع إلا عزفا من نوع واحد فقط..أما الباقيين..فلا مجال لهم...
بالأمس البعيد سقط الزميل الحسيني أبوضيف، وتاجر الجميع بدماءه الذكية، فالإخوان قالوا أن الداخلية من قتلته، والداخلية وبقية القوى السياسية أكدوا أن دماءه في رقبة النظام آنذاك، أي في رقبة مرسي والإخوان، ومن ثم بدأ العزف المتواصل والمتاجرة الرخيصة بدماء ابوضيف، حتى من قبل نقابة الصحفيين التي انتفضت بصورة غير مسبوقة، فالحسيني حين قتل لم يكن هناك شهود ينقلوا لنا من قتله وكيف...ومن ثم دفع الإخوان الضريبة واستقر الجميع على ذلك دون ذرة شك...
وتمر الأيام، وتسقط شهيدة أخرى وزميلة عزيزة على قلوبنا جميعا..ميادة أشرف، المحررة بجريدة الدستور وموقع مصر العربية..التي أصابتها رصاصة الغدر حين كانت تمارس عملها بجرأة وأمانة..ومع ذلك لهث الجميع ليطبل ويزمر ويلقي باللوم على المتظاهرين والإخوان كما حدث مع الحسيني..لكن هذه المرة الوضع مختلف..فميادة لم تكن بمفردها وهناك شهود عيان رأوا ما حدث وعايشوا الواقعة بكل تفاصيلها..الزميلة التي كانت برفقتها أكدت أن ميادة قنصت برصاص الداخلية خلف المتظاهرين..ومع ذلك هدد رئيس تحرير الدستور، المحررين أن من يتفوه بكلمه واحدة عن تورط الداخلية في مقتل ميادة سيتم فصله من الجريدة..وبالفعل هدأت الأمور نسبيا..لكن ظل عالقا في الأذهان – لاسيما أذهان الصحفيين - أن حياتهم أصبحت في خطر..وأصبح المتاجرة بدمائهم أمرا لا يحتمل..
ومنذ أيام قليلة أصيب صحفيي اليوم السابع الزميل خالد حسين، وصدى البلد، الزميل عمرو السيد، لتضاف إلى هذه السلسلة المريرة من استهداف الصحفيين حلقة جديدة وسط تخاذل النقابة ومجلسها الموقر وصمت الجميع..وللأسف أراد اليوم السابع مبكرا استباق الأحداث وتوجيه الاتهام للإخوان والمتظاهرين وتحميلهم المسئولية عن إصابة واستهداف مراسل الموقع..لكن كان للقدر رأي أخر..هاهو المحرر نفسه، خالد حسين، وهو يلتقط الأنفاس بصعوبة ودماءه الزكية يفوح منها عبير الأمانة والصدق والشجاعة لتزكم أنوف المنافقين..هاهو يؤكد أن الرصاصة التي أصابته كانت رصاصة ميري.."الداخلية هي من استهدفتني"..بهذه الجملة أسقط الزميل خالد حسين، القناع الملائكي من على وجه الشرطة التي سعت على مدار شهور طويلة – برفقة إعلام راقص - أن ترتديه وتوهم الشعب أنها الحمل الوديع الذي يتعامل مع المتظاهرين وبقية الشعب برفق ولين وحنيه...
شعر الجميع أن الأمر قد افتضح..وأن فيلم تلفيق التهم للمتظاهرين بقتل الصحفيين قد سقط..ومن باب حفظ ماء الوجه.. خرج نقيب الصحفيين ليطالب الصحفيين الميدانيين بالإضراب..كما خرج خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع ليدين ما حدث مع محرر موقعه...وهنا يبقى السؤال الأخير الذي باتت ملامح إجابته تلوح في الأفق لمن كان له عقل...من قتل الحسيني ابوضيف؟ والى متى يدفع الصحفيون ثمن أداء واجبهم وعملهم؟