المراجعات تعتبر سنة كونية وضرورة شرعية وقيمة اخلاقية وحتمية سياسية وذلك بغية تصحيح الأخطاء وتلافي القصور في العمل وتحنب أسباب الفشل ورغم ان الإسلاميين مجمعون نظريا على ضرورة المراجعات واهميتها الا ان بعضهم يتباطئ فى اجرائها ويعتبرها نقيصة والبعض الاخر قد تصل به المراجعات المحمودة الى تراجعات وانتكاسات مذمومة . وشتان بين المراجعات والتراجعات .. فالمراجعات عادة ما تكون في دائرة الأهداف المرحلية او الوسائل والمسائل الاجتهادية التي تحتملها الأدلة ويكون الخلاف فيها مستساغا اما التراجعات او الانتكاسات فإنها تكون عادة فى التخلي او التنازل عن المبادئ أو الثوابت اوالاصول الشرعية ويحاول اصحابها ان يلبسوها ثياب الحكمة أو الواقعية أو التعقل أو الأناة او التسامح .
ان فشل بعض الاسلاميين الذين تحولت مراجعاتهم الى تراجعات وانتكاسات لا تقل خطورة على الدين - ان لم تزد - عن أولئك الذين تباطئوا او صموا آذانهم عن اجراء مراجعات شرعية مستمرة لأفكارهم وأهدافهم ووسائلهم .. فإذا كان الصنف الاخير قصر فى فضيلة وفريضة شرعية فان الصنف الأول قد تقودهم تراجعاتهم الى التخلي عن ثوابت الدين بالكلية .
يدفعني الى التذكرة بهذه المعاني دعوات البعض المتكررة الى ضرورة اجراء التحالف الوطني لدعم الشرعية لمراجعات جذرية بشان موقفه من الانقلاب العسكري والانقضاض على الشرعية ولا حرج فى هذه الدعوات طالما التزمت بحدود المراجعات وضوابطها الشرعية والسياسية بان يجري التحالف الوطني مراجعات مستمرة للأهداف المرحلية او التكتيكات والوسائل الحركية اما ان تتحول هذه المراجعات الى انتكاسات او تراجعات فان اصحاب هذه الدعوات هم الذين فى حاجة ماسة وعاجلة لإجراء مراجعات شرعية منضبطة لأفكارهم وتصوراتهم .
ان المتراجعين ينادون بضرورة اجراء التحالف لمراجعات جذرية تتعلق بقبول ثورة يونيو المزعومة ، والإذعان لخارطة الطريق الفاشلة ، ووقف كافة الفعاليات السلمية المنددة بالانقلاب وكذبا طالبوا بالرجوع عن العنف والإرهاب والقتل والتفجير الذى يمارسه التحالف الوطني !!!!! مع ضرورة القبول بالامر الواقع وبرئاسة السيسي باعتباره رجل المرحلة وقائد الدولة المقتدي بسيد البشرية !!!!! بل طالب بعضهم بوجوب حل جميع الجماعات والأحزاب الاسلامية العاملة على الساحة او على الاقل اهتمامها فقط بالدعوة وهداية الخلائق وترك السياسة وتولى السلطة !!!
ان هؤلاء المتراجعين يزعمون ان هذه المراجعات تمليها الضرورات ، وتحتمها النظر في المالات وقياس المصالح والمفاسد واختيار أخف الضررين ودفع اعظمهما ،ولو صدق هؤلاء المتراجعون فى النظر لتلك القواعد الفقهية والأصولية بنظرات وحسابات شرعية متجردة تغلب مصالح الدين ومقاصده العليا ما لهثوا وراء تلك التراجعات المذمومة او الدعوة لها .
ان الترتيبات الشرعية لمقاصد الشريعة توجب تقديم حفظ الدين وثوابته وأصوله على حفظ النفس والمال ، والنظر فى مصالح الدين تقتضي مقاومة الظلم والاستبداد والفساد وعسكرة الدولة وعلمنتها وتوجب المطالبة بإقرار وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة والحريات والكرامة الانسانية وتفعيل مبدآ الشورى ورفض الدكتاتورية .
ان المتراجعين يجب أن يدركوا ان المفسدة العظيمة التى هى أولى بالدفع هى إصرار العسكر على إقصاء الإسلاميين عن تولي السلطة فى البلاد حتى وان مكنهم الشعب من ذلك ، وأن النظر الدقيق في مألات الامور تقتضي عدم تمكين دولة العسكر من حكم البلاد لان تمكين العسكر يضر بقضايا الامة وهويتها ويجعل البلاد تسقط فى التبعية الكاملة لأعداء الامة .
ان إصرار المتراجعين على قصر النظر والحسابات في الحفاظ على الافراد والكيانات وعدم الزج بالاتباع للسجون والمعتقلات هى نظرات وحسابات ضيقة وقاصرة قد تؤدي الى تضييع وإهدار ثوابت الدين وأصوله والتشويش والتلبيس على أحكامه وشرائعه بل قد تؤدي في ذات الوقت الى تفكيك الكيانات وتفتيتها ويصبح المتراجعون كالمنبتين لا دينا حافظوا ولا كيانات أبقوا ..
ان تجربة الجماعة الاسلامية فى قضية المراجعات يجب ان تكون حاضرة فى الأذهان حيث كاد بعض قياداتها السابقة الذين تحولت مراجعاتهم الشرعية الى تراجعات وانتكاسات ان يتسببوا فى تضييع ثوابت الدين وتفتيت الجماعة ذاتها و لولا توفيق الله تعالى ثم تصدى المخلصين من أبناء الجماعة لوقف تلك الانتكاسات واستبدال تلك القيادات ما استطاعت الجماعة الاسلامية ان تقوم اليوم بدورها الرائد فى ظل مراجعاتها الشرعية لمواجهة الظلم ومقاومة الفساد والاستبداد .