في أجواء الاستعدادات الجارية لعقد القمة العربية المقبلة في الخرطوم نهاية شهر مارس الجاري، تتسارع الأحداث وتتدافع في اتجاه فرض تدخل عسكري دولي على السودان من زاوية تطورات الأزمة في دارفور الغربية، والتي تتهم فيها السودان بدعم مسلحي القبائل العربية "الجنجويد" في حربهم التطهيرية والعرقية ضد القبائل الإفريقية المتمردة على الحكم المركزي بالخرطوم!. وتجدر الإشارة إلى أن الصراع في دارفور قد انتقل بفعل التدخلات الخارجية من طبيعته التقليدية المحدودة الآثار "مزارعين ضد رعاة" إلى صراع عربي إفريقي واسع، يلتهم فيه أبناء الوطن والبيئة الواحدة بعضهم البعض. ومنذ ذلك التحول الخطير في طبيعة الصراع، دخلت على الخط أطراف خارجية لها حساباتها التاريخية والإستراتيجية في منطقة القرن الإفريقي، وتأتي في مقدمتها فرنسا التي تتخوف من انتقال عدوى الصراع القبائلي إلى دول مجاورة، تعتبر باريس نفسها وصية عليها بحكم تبعيتها لها كالتشاد والنيجر وأفريقيا الوسطى. والتخوف الفرنسي يعزى لأمرين: أولهما وجود امتدادات لقبائل عديدة في دارفور داخل الدول الإفريقية المجاورة، وثانيهما كون دارفور كانت ولا تزال تشكل القاعدة الخلفية للصراعات التشادية الداخلية المضرة بالمصالح الفرنسية، فأغلب الانقلابات التي حدثت في هذا البلد الإفريقي تم تدبيرها من دارفور. وأمريكا التي تبحث لها عن موطئ قدم في المنطقة لدعم دولة الجنوب السوداني بزعامة "سيلفا كير"، التي ستتشكل حتما بعد فترة السلام الانتقالية، تسعى أيضا لمراقبة الجماعات القريبة من تنظيم "القاعدة"، التي تشتبه المخابرات الأمريكية في وجودها بمنطقة القرن الإفريقي، خاصة بكينيا وتنزانيا، حيث قام تنظيم "القاعدة" بأولى عملياته ضد المصالح الأمريكية في العام 1998، إضافة إلى تنشيط عمليات البحث في دارفور عن المعادن والبترول، الذي قيل إنه يوجد بكثرة هناك. أما السودان، فمن أجل إظهار براءتها من تهمة التطهير العرقي وحسن نيتها في التعاطي الإيجابي مع نداءات المجتمع الدولي، قبلت بقدوم مراقبين تابعين للأمم المتحدة وعلى رأسهم الأمين العام لهيئة الأمم كوفي عنان، وقدمت لهم كل التسهيلات والمساعدات الضرورية للقيام بمهامهم القاضية بالوقوف على حقيقة ما يجري في دارفور، وفي خطوة لاحقة رحبت بقوات "الإتحاد الإفريقي" القادمة إلى الإقليم لإحلال السلام ومراقبة وقف إطلاق النار وتسهيل عمل المنظمات الإنسانية الجادة، كما عملت على تنشيط مفاوضات السلام في أبوجا مع أطراف التمرد "حركة العدل والمساواة" و"حركة تحرير السودان" من أجل التوصل إلى الحلول المرضية للجميع. الحكومة السودانية أظهرت قدرة تفاوضية عالية في التعامل مع مختلف الجهات، ولولا الضغط الذي مارسته أطراف داخلية "الحركة الشعبية لتحرير السودان" وأطراف خارجية "أمريكا والإتحاد الأوروبي" على مسار المفاوضات لتسييسها وتعقيدها أكثر، لكان مشكل "دارفور" حقبة من الماضي. هذا الضغط تحول فجأة وبدأ ينحى في اتجاه فرض تدخل عسكري متعدد الجنسيات في الإقليم، بدعوى عجز قوات "الإتحاد الإفريقي" عن القيام بمهامها وتدهور الوضع الإنساني؛ ليتوج بقرار مجلس الأمن رقم 1663 الداعي إلى تسريع الاستعدادات لتسلم قوة حفظ السلام في دارفور في يوليو المقبل، أي بعد انقضاء مدة ستة أشهر التي حددها مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الإفريقي لبقاء قواته هناك. وقوى هذا الاتجاه، وساهم فيه، الصمت العربي الرهيب، سيما الصمت المصري تجاه ما يحاك للسودان عموما ودارفور خصوصا، والذي لا يمكن أن يفهم منه إلا الرضا بما هو آت! الصمت العربي مفهوم وقد تعود عليه الجمهور العربي، أما الصمت المصري فهو خطأ إستراتيجي كبير يرتكبه ساسة مصر تجاه بلد مجاور، تعتبر قوته ووحدته في أي إستراتيجية أمنية وقائية لمصر، قاعدة متقدمة لكبح أي خطر يهدد الأمن القومي. ونتمنى أن تتدارك مصر هذا الخطأ في القمة العربية الحالية في الخرطوم، وأن تدفع في اتجاه مواقف شجاعة مساندة ومتضامنة مع الموقف السوداني الرسمي والشعبي الرافض لأي تدخل أجنبي في شأنه الداخلي، كما ينبغي البحث في الوقت ذاته عن كيفية جلب الدعم المادي واللوجستي لقوات "الإتحاد الإفريقي" المرابطة على أرض دارفور المسلمة، ولم لا تشكيل "لجنة أزمة" عربية إفريقية يعهد إليها متابعة هذا الملف سياسيا وعسكريا لقطع الطريق على المتربصين بالسودان الحبيب. إن نجاح العرب في هذا الاختبار سيعطي نفسا قويا للعمل العربي المترهل، وسوف يعيد الثقة للشعوب في قادتها، والمطلوب أيضا أن تبادر المنظمات الإغاثية الإسلامية في التوجه سريعا إلى السودان شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، لتقديم العون إلى إخواننا المحتاجين لتحسيسهم بقرب المسلمين منهم، ولقطع الطريق أمام المنظمات المشبوهة التي تتستر وراء العمل الإنساني لأهداف تنصيرية واستعمارية واضحة. المصدر : العصر