حدثت هذه الواقعة منذ حوالي ثمانية عشرة عامًا عندما كان ابني عمره حوالي خمس سنوات، وكنت قد فتحت له دفتر توفير وكذلك فعلت لأخته، وقد كان يضع الفلوس التي يحصل عليها مني ومن والدته ومن الأقارب كهدايا أو عيدية أو غيرهما في دفتره لحين ذهابي لإيداعها بمكتب البريد، وذات مرة كانت مفاجأة كبرى حيث فتح دفتره ووجده خاليًا من النقود، وإذا به يقول لي ولأمه "يا لصوص.. يا حرامية.. يا نصابين"، وقد ذُهِلْتُ من الحديث المتدفق بتلقائية وبراءة شديدة وتوقعت أن هناك لبسًا فليس من المعقول أن نعطيه الفلوس ثم نأخذها منه، وقد قامت أمه على الفور بالبحث عن النقود في دفتره وكانت مائة وخمسون جنيهًا على ما أتذكر، فلم تجدها في دفتره ولكنها وجدتها في دفتر أخته ولكن في صفحة أخرى، وطبعًا هو الذي لم ينتبه حين وضع نقوده في دفتر شقيقته التي تصغره بثلاث سنوات، وعندما وجدت زوجتي الفلوس احمَرَّ وجهه خجلاً من اتهامنا بالنصب والسرقة فقمت على الفور بتقبيله، وبعد فرحه بالعثور على مدخراته أفهمته برفق أنه يتوجب عليه أن يتأنى قبل اتهامه لأي شخص حتى لا يحس بما اعتراه من خجل حين عرف الحقيقة. وقد تكررت تلك الحكاية ولكن قبل ذلك بزمن بعيد عندما اتهمت حارسة العمارة إحدى جارتنا بسرقة دجاجة ظنت أنها وضعتها عند جارتنا في الثلاجة، وطبعاً تبين أنها تركتها عندنا ولما سمعت والدتي تلك المشادة ضحكت كثيرًا ونادتها على الفور وأبلغتها بالأمر، وأنا الآن لا أقص عليك أيها القاريء العزيز هذا الموضوع للتسلية ولكن للعبرة حتى لا يتسرع الإنسان في الحكم على الأشياء ويتسبب في مشاكل كبيرة، ويطيب لي أن أستشهد بقول الحق عز وجل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ... الآية" (سورة الحجرات – الآية 12)، فالروية الروية حتى لا يندم الإنسان ويقع في المحظور.