رباعية خيري 1 خيري علي رصيف قبلي بمحطة مصر.. سألت أحد العمال إن كان هذا القطار هو قطار المناشي؟. ولم أدر بماذا أجاب العامل.. إذ انطلق في أذني صوت آخر صوت لرجل كأنه يتكلم من أنفه: يا وعدي علي خط المناشي.. وعدي يا وعدي وذهلت.. ماذا جاء بهذا الصوت..؟ أيكون هو الصراف الأخنف إياه؟. لا يعرف ماذا تعني بالنسبة إلي وعدي يا وعدي إلا هو.. وبرز لي من وسط الزحام, شبحا أبيض الشعر ضاحكا وفي عينيه الضيقتين مكر الطفل الصغير.. بينما كنت أتساءل: لا يردد هذه الكلمات إلا خيري أفندي أو الصراف كما كنا نقول عليه سرا في تلك الأيام.. فما الذي يجيء به إلي محطة مصر وهو صراف خزانة التنظيم سابقا.. وبالمعاش منذ سبع سنوات؟ وتفحصت الرجل وبيني وبينه خطوات قليلة وتساءلت... وأين معطفه وسلسلة مفاتيحه؟؟ وغمرتني الذكريات بينما قال هو يردد كلماته: وعدي يا وعدي. وعدت في لمح البصر إلي ذلك الجو.. فتذكرت الخزانة الحديدية وتلك الأشعار وزميل القوافي فايق داود.. ورأيت حقيبة الرجل الجلدية.. حقيبة تلك الأيام.. فأعادني مرآها سبع سنوات.. وذابت السنون والمسافات والخطوات التي تفصل بيني وبين العجوز فإذا بنا قد تعلق أحدنا بالآخر.. وصعد بي القطار وقد عاد إلي هوايته التي اشتهر بها.. فراح يردد شعرا يناسب المقام.. وبحثنا عن مقعد ناء وأجلسني إلي جواره وسألني: وقد يجمع الله الشتيتين بعد.. بعد إيه؟.. بعد أيه يا سيدي؟ ولم أفطن كعادتي وبلادة شاعريتي إلي أنها نفس الكلمات التي كان يرددها ونحن نصعد إلي عربة القطار.. فراح في حلمه وصوته المعهودين يجيب نيابة عني: بعد ما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا.. آه.. أن لا تلاقيا... وكنا نقول عليه الصراف أيام التنظيم.. أنا وزملائي بقسم الخردة.. ولم نكن نراه إلا مرة واحدة أول لكل شهر.. وبالنسبة لي.. لم أكن أراه حقا حتي هذه المرة الواحدة أول كل شهر.. إذ تصور مكانا مثل عربة القطار هذه في صورة مكتب له قضبان حديدية وفي آخره خزانة خضراء وقد ازدحم وكأننا في هوجة الدرجة الثالثة.. بينما الصراف قد انحني في ردائه الكبير الذي حال لونه وقد تدلت من سرواله حزمة مفاتيح كبيرة وهو يتأرجح كالبندول بين الكشوف والأدراج والخزانة يحدق بإحدي عينيه في كشف الأجور وبالأخري في الأوراق المالية يحصيها بينما تناثرت الأوراق وارتفع الصياح وامتدت الأيدي إلي أقصاها من جميع الجهات وهي مستعدة أن تسرق مال النبي وحتي وهو لم يكن يعرفنا.. كان يبلل إصبعه الكبيرة ثم يأخذ في العد, يعد الأوراق الصغيرة ويفك الأوراق الكبيرة ثم يضيف إليها الفضة والنحاس بينما يردد اسم واحد منا كأنه في حلبة الذكر ثم يتجه بحاسة خاصة نحو يد من تلك الأيدي وفي وسط الهوجة يضع فيها ما أحصي وليس من دليل علي كل ما حدث إلا علامة أن يسحب القلم من أذنه فيضعه في الكشف حيثما اتفق. ولقد سألت مرارا بعض عجائز التنظيم.. علي أي شيء يتوكل هذا الصراف في تلك الشغلانة؟ فأخبرني رئيسنا فايق داود.. أنه أضاع في الشغلانة عدة فدادين.. وتحرك القطار دون أن تزدحم العربة.. وتذكر الرجل الشطر الثاني من البيت فأخذ يميل برأسه طربا ويمسك بحقيبته التي انتفضت لحركة القطار: أيوه. أيوه.. بعد ما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا... شفت بقي..؟ وعدي يا وعدي... ورددت معه الكلمات الأخيرة.. كان ذلك من واجبات المجاملة.. خاصة وكلماته تلك عبارة عن هتاف هتف به الرجل من أجلي ذات صباح.. ثم أطلقه علي مدي العمر بعد ذلك. وتاريخ ذلك الهتاف يرجع إلي ذلك الصباح البعيد يوم كان يعبر بقلم الخردة في طريقه إلي الخزانة.. فإذا به يسمعني وأنا أنبري لرئيسنا فايق داود فاخطب في ثورة بلاغية عن حقوق الروح والوجدان في عالم أصبح حسابا في حساب.. وما أن انتهيت من خطبتي حتي سمعت ذلك الهتاف من خلفي.. وعدي يا وعدي.. ولم أكن أعرف كما قلت إلا صراف الخزانة.. فما أن راح دوي خطبتي حتي سمعت ذلك الهتاف من خلفي.. وعدي يا وعدي.. لم أخجل لرفع صوتي علي رئيسي فايق داود.. ولم أخجل أن ألقي بالشواهد والنصوص في قلم الخردة.. ولكني خجلت إذ سمعني.. إذ سمعني من..؟ إذ سمعني الصراف.. ورحت أعاني عدة أيام لأن الصراف سمعني وهتف لي وعدي يا وعدي.. أهكذا وأمام الصراف أجعل من نفسي أضحوكة وسط هذا الجو الحسابي التعس. ومضت الأيام بعد ذلك وقد علق بي ذلك الهتاف حتي أصبح أسما مشتركا لي أنا والصراف فكان الزملاء والسعاة وحتي الجرسونات يترددون بين الخزانة وقلم الخردة مرتين أو ثلاثة في النهار.. وهم يصيحون: وعدي يا وعدي بيصبح عليك.. وعدي يا وعدي بيقولك اتفضل خمسة.. وعدي يا وعدي شرب قهوة علي حسابك.. وقال بعضهم إن ذلك التعارف إنما هو لشجاعتي.. وقال آخرون بل كي يغيظ زميله القديم فايق داود.. أما السبب كما عرفته أنا.. أما السبب الخطير ياللداهية.. كان السبب هو أنني شاعر.. من إخوان القريض علي حد قوله.. ولما حاولت إفهامه الحقيقة.. وهو أنني آخذ توجيهية لمجرد تحسين مركزي في العمل أو بصراحة لكي أصبح صرافا.. أو.. أو فإن لم يلق بالا إلي.. وأعلن أنه يكون ابن كيت وكيت إن لم أكن أنا ابن قافية ياللداهية.. وماذا يمكن أن يفعل المرء حيال مخلوق كهذا؟؟ ظل يصرف لي مرتبي ما يزيد علي السنوات السبع دون أن يعرفني.. ثم يعرفني هكذا ابن قافية وبسبب تلك المحفوظات الساذجة التي رحت أرددها من كتاب التوجيهية يوم عراكي مع فايق داود.. كان عراكي بسبب أخطائي في الحسابات.. وكان لفايق داود وجه الآله الحاسبة في مراجعة أخطائي.. خاصة عندما راح يعزوها إلي انشغالي بالتوجيهية وإهمالي في العمل.. فلما أصر الصراف علي عقد أواصر الصداقة معي.. صحبني إليه فايق داود في يوم لا هو يوم قبض ولا صرف فإذا بي في الخزانة.. وبعد أن أخذ الصراف يهلل لمجيئي وعدي يا وعدي ثني بإعادة الأبيات التي استشهدت بها أمام فايق داود.. دون أن تخونه الذاكرة أو يخطئه النطق.. وحضرت القهوة وتغير فايق داود فرحت أتأمل ملامحه التي كانت ميكانيكية من قبل فإذا بها قد صفت وبسطت حدتها وأخاديدها رهافة وهدوءا. ومضي الصراف في تلك المناسبة وقد غمره فرح عجيب.. مضي يسيل شاعرية ووجدا.. ويذكر من القوافي ما عبر الزمان يحمل شذي عتاب أو دموع أو خفقات طوفت الجبال والسهل والأودية قرونا بعد قرون.. واهتز فايق داود طربا وكأن الخزانة قد أصبحت تتأجج بنا في تلك المناسبة.. ثم طلب مزيدا من القهوة.. وإذا به يضبط الوزن والإيقاع لأشعار الصراف.. ثم ينسي نفسه فتنفلت من حنجرته نفثات من الموشحات العميق قرارها.. المهجور صداها ولم أفهم ماذا جري لي في تلك الجلسة.. هل فوجئت بما يمكن أن يحدث في جو الخزانة.. أم فوجئت بما اكتشف في هذه الدنيا الخردة من إمكانيات للبشر الذين كانوا من قبل شخوصا نسمي أحدهم الصراف والآخر.. الآلة الحاسبة.. ووقف القطار في إحدي المحطات وهبط أناس وصعد آخرون, بينما جلس خيري أمامي, وقد احتضن حقيبته الجلدية العتيقة, وراح يوجه الي اللوم ويسوق من قوافي العتاب ماحضر ذهنه.. كان آسفا لانصراف الزملاء عنه بعد خروجه علي المعاش.. وسألني: ألم أكن جاركم بيني وبينكم المودة والإخاء؟ وتمنيت لو أعرف الرد المناسب.. الرد الذي يطريه ويجعله يغفرلي.. ولكن اني لي بالحافظة وهذا الشغف الفطري الذي يجعل الكلام العادي غريبا عليه؟ واستعجلت اللوم والعتاب ورحت بالأعذار اخترق أحزانه العاطفية وآلامه الإخوانية التي لايدري بها الخلق.. وذلك لأصل بالحديث الي مربط الفرس.. وكان مربط الفرس في حياة خيري أفندي وهو ابنه الوحيد ابراهيم. ابنه الوحيد المحور الذي يدور عليه كل نشاطه الجسمي والروحي. وكان لا مفر لأي شخص يبلغ معه درجة التعارف أن يكشف ذلك بعد لحظات وعدة تنهدات. وكذلك كان الخطر الذي يتهدد علاقته بأي مخلوق هو أن ينسي أو يتجاهل هذا المخلوق( تحفته الحية) ودرته الغالية إبراهيم.. ولهذا ما أن تذكرت إبراهيم حتي تحاشيت أن يتهم قلبي في حقوق المودة والأخوة فبادرته: وكيف حال أبو خليل؟ أوه.. يثني التحية بعد السلام.. يسألني عليك ويقول الأفندي اللطيف يابابا.. الأفندي اللطيف الأريحي الذي كان السبب في نجاحي. هاها.. هو بيعرف يقول كده.. والله كده.. أهي جت لوحدها.. صدقني جت لوحدها.. وانطلقت قهقهاتي وفكت مشاعري المعقدة.. فكت مشاعري الي عشرات.. وأسفت أن يموت هذا البلبل العجوز خلف القضبان فإذا ما دفنوه كتبوا علي قبره.. كان صيرفيا.. وكان السبب في قهقهاتي أن الرجل مازال يصدق أنني السبب في نجاح ابنه في تلك الشهادة الثقافة أيام سقط فيها بسبب الحساب وفي هذه المناسبة أراد رئيسي فايق داود أن ينتقم مني انتقاما فكاهيا فأقنع خيري أفندي بأنني إخصائي عالمي في الحسابات ولم يتركني خيري أفندي طبعا في سلام ومستقبل وحيده العزيز في خطر.. وقد لا يدخل الجامعة بسبب تلك المادة, وحاولت التفاهم معه.. ولكنه لم يصدق الإنذارات والخصومات التي نزلت بي عقابا علي خيبتي في الحساب.. وكادت تنجح لعبة فايق داود.. لولا أن قابلت ابن خيري أفندي إبراهيم.. التقيت به في منزلهم في حجرة مكتبه حيث تناثرت الملخصات والشروح في المادة.. فوجدته أكبر من سنه شابا يافعا مدخنا.. وما إن غاب عنا خيري أفندي ليصنع الشاي حتي أشعل لي إبراهيم سيجارة ولما كاشفته بأنني في الحقيقة غشيت الحساب في الامتحان.. فقد ضحك وربت علي كتفي وطمأنني بأن في نيته أن يغشها أيضا في الملحق.. ولا داعي لدروس خصوصية ولا يعقد شخصا مثلي صاحب عيا!! وانطلق القطار الريفي يواصل السير بينما سألت خيري أفندي: أنت لسه فكرك أنا كنت بفهم في الحساب؟ دي كانت لعبة من فايق داود.. لم يبد في إحدي عينيه أنه ينتبه الي ولم يبد في الأخري أنه يصدقني فسألته سؤالا آخر: وجبت لإبراهيم البسكليت لما نجح؟؟ بسكليت إيه يا أستاذ.. من شدة الأسف أنكم.. هجرتمونا لأن المال خاصمنا وغاب عنا فغبتم أنتو رخرين.. هاها.. الله يرحمك ياشفيق يامصري.. بسكليت؟؟ إبراهيم بيركب الأوبل دلوقت الأوبل؟؟ أمال, بعد مانجح في التوجيهية قال لي يا بابا أنا عايز جائزة تشجيعية وإلا كفاية دراسة؟ قلت له لا.. أوامرك يا أبو خليل أوامرك.. قال لي شفت فسبا في شارع ابراهيم باشا. كان فاضل فدانين.. وكنت ناوي أبيع واحد علشان أسدد العهدة وأطلع علي المعاش قلت أجيب فسبا بالمرة. وبعدين لما نجح السنة اللي فاتت في السنة الثالثة بالجامعة.. قال لي أنا حبقي بكالوريوس.. وراكب الفسبا دي؟؟ وقلت له.. أمال البكالوريوس يركب أيه يا أبو خليل؟ قال لي أنا شفت عربية أوبل كده صغيرة في شارع إبراهيم باشا, بستميت جنيه؟ الله؟ أنا زي ما أنت عارف لا عرفت أجيب له أخ ولا أخت في الدنيا دي.. بعت الفدان اللي فاضل واشتريت له الأوبل عملت زي صاحبنا اللي قال: ألقي العمامة كي يخفف رحله والزاد حتي نعله ألقاها.. قلت: هاها.. يا وعدي.. ثاني البيت والنبي يا خيري أفندي. أمال أنا لازم اشتغل ليه؟ بيشرب بحاري ويركب أوبل ويلبس صوف.. انجليزي المتر بالشيء الفلاني.. لا لا.. لا لا.. أحسب بقي.. هل تكفينا فلوس المعاش.. قلت هو يأخذ المعاش وأنا أشوف لي شغلانة.. شغلانة؟ أمال أنا رايح فين بالقطرده؟ ولقيت شغلانة؟ وربنا فتح علينا بأخ زي حضرتك شغلنا في شركة الجاز.. ثم ضرب حقيبة الصرف براحته وأكمل وكأنه تذكر شيئا.. أنا رايح مستودع البنزين دلوقت.. أصرف لهم أجورهم.. ثم راح يبحث عن مفتاح الحقيبة فأخرج سلسلته الكبيرة التي كانت تتدلي دائما وتتأرجح مفاتيحها كبندول الساعة في تلك الأيام الغابرة وكنت قد نسيتها.. فأمسك برزمة المفاتيح ثم راح يعالج فتح الحقيبة. ولم أفهم السبب في فتحها الآن.. فاعترضت علي فتحها في القطار ولسنا في مقام القبض ولا الصرف. ولكنه لم يستمع الي.. فتحها ثم أخرج من بين النقود سباطة من ثمار الموز وأعطاني نصيبي وأصر علي أن نأكل معا.. وأكلنا معا ورمينا بالقشر في محطة الكوم الأحمر.. وتحرك القطار.. وفعلت ثمار الأرض في مخ خيري أفندي فعلها فانبثقت منه ثمار الروح ونفحات الخيال.. فقال كأنه يحدث نفسه: ذهبت مرة الي الديوان.. برح بي الشوق فقلت أزورهم وأقبل الأعتاب.. ولكن.. ماذا وجدت.. قوما صما بكما عميا خرسا كأنهم لايفقهون.. طبعا قوبلت كما تعرف من صغار النفوس.. فتحسرت علي الأيام والإخوان وعدت مهموما في تلك الليلة لفايق داود فقال لي هذا البيت: ألا ويح قلبي ويحه كلما خلا.. تعرض للوجد المبرح فامتلا أيوه يا سيدي: تعرض للوجد المبرح فامتلا وهزتني الأبيات.. أعنف من هزات القطار الخردة, فاستحلفته أن أنقلها لأضيفها إلي ما جمعت من ذخائره القديمة. وبعد أن كتبتها سألته عن فايق داود.. فقاطعني: تعرض للوجد المبرح فامتلا.. يا سلام.. ألف رحمة تنزل عليه.. مين؟؟ أما ترانا كالزرع يحصده الدهر ما بين قائم وحصيد الله... مات؟ بقي ما قرتش الجرنان.. كتبت له نعيا كلفني خمسة جنيهات.. قلت فيه الرثاء اللي مطلعه: كل حي إلي المنية غادي تتوالي الركاب والموت حادي لا حول ولا قوة إلا بالله. كان سهران عندي زي ما أنت عارف.. هو بيشرب وأنا يكفيني شوية الصبا والبياتي علي العود القديم إياه.. وبعدين كانت ليلة شتا وتقل في الشراب.. قلت له أخرج يا فايق أوصلك لبعد الكوبري.. قال لي: لا.. أنا صاحي تمام.. وبعدين.. أمر الله بدل ما يعدي الكوبري يروح الروضة غرق في النيل.. في النيل..؟ انتحر.. سألوني وسألوا أخوه.. أخوه قال إنه كان بيعاني عسرا ماليا شديد. بعد ما خلص المكافأة وحاول الاقتراض منه سدي.. أما أنا فبيني وبينك كنت سلفته حوالي خمسين ستين جنيه, أخوان من زمان وطلعنا معاش سوا. لا حول ولا قوة إلا بالله.. شوف الدنيا.. وسادتنا لحظة صمت,, ووقف القطار في إحدي المحطات.. ثم عاد فانطلق وكنت قد ذهلت لحظة فسمعت لصوته صدي وكأني قد تركته في المحطة السابقة, فقلت له: إيه.. البركة فيك وفي إبراهيم يا خيري أفندي.. أيوه.. أبو خليل أبو خليل بقي صعب قوي.. أضحي يمزق أثوابي ويضربني أبعد شيبي يبغي عندي الأربا؟. الله.. الله.. يقول لي.. أنت بتدور علي بالليل هو أنا عيل؟ ماشوفكش لابس البلطو الجربان ده.. فاهم؟. وصمت الرجل.. ولما سكت لم أعد أدري أهو الصمت.. أم يبحث عن قافية أو بكاؤه والذهول والإطراق؟؟ وأفاق عندما وقف القطار.. أفاق من إطراقته ثم هتف: معلهش.. معلهش بس ينجح بقي.. وتمتم ببيت لم أسمعه وهو يهرول في لغط الركاب ولم ينتظر حتي يتلقي ردي ولا وعودي ولا دعواتي.. هرول ينزل في محطة المستودع مستودع البترول. وكصراف مخضرم.. وقفت أنا أرقب الصراف العجوز الذي فقد صديقه الوحيد.. وفقد ابنه الوحيد وهو ينحدر في السكة المغبرة مع الريفيين والدواب والحمير, وقد حمل حقيبة الصرف وراح يشق طريقه بحذاء ضخم وثقيل.. ثقيل لأنه ركب به كاوتش أتومبيلات البقية الاسبوع القادم