مكافأة مجزية أقدمها بنفسي لكل من يتمكن من الإجابة عن السؤال التالي قبل أن يكمل قراءة المقال: ما هو عدد الأحزاب الرسمية في بريطانيا؟ يخطئ من يظن أني سأتناول قضية خلط الدين بالسياسة من وجهة نظر شرعية تتناول الحرام والحلال، أو أني سأبحث في علاقة الدين بالسياسة في إطار الجدل القائم حاليًا حول دور الإخوان المسلمين والسلفيين في الحياة السياسية، وموجة الأحزاب الجديدة التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة، ولكني هنا بصدد تقديم ملخص لدراسة بدأت منذ فترة في إعدادها، وتتناول تجارب الدول المتقدمة في الممارسات الديمقراطية، وعلاقة الدين بالأحزاب والحياة السياسية فيها، هذا المقال هو إهداء لكل من يبحث عن الحقيقة، بعيدًا عن التناول الصاخب لبعض وسائل الإعلام، وكذلك بعيدًا عن العواطف التي قد تدفع صاحبها أحيانًا للانسياق وراء شعارات رنانة، ما أهدف إليه هو فهم تجارب الآخرين، من خلال الإجابة عن مجموعة من التساؤلات، حول أعداد الأحزاب التي تشارك في الانتخابات، ومعايير تأسيس الأحزاب، وإمكانية قيام أحزاب ذات خلفية دينية. ربما لا يعرف الكثيرون منا في بريطانيا سوى حزبي العمال والمحافظين، ربما عرف البعض حزب الديمقراطيين الأحرار بعد الانتخابات الأخيرة التي حقق فيها الأخير نجاحات ملحوظة، وبالتالي ظلت الصورة الذهنية المهيمنة لدينا أن الناخب البريطاني مخير بين حزبين أو ثلاثة فقط، ولكن المفاجأة هنا أن عدد الأحزاب الرسمية التي تخوض الانتخابات في بريطانيا هي 378 حزبًا، تمثل كافة الأفكار والأطر السياسية، صحيح أن عدد الأحزاب الممثلة في المجالس النيابية الحالية هو 10 أحزاب، ولكن هذا لا يمنع حق أي مجموعة من الأفراد في تأسيس حزب جديد بمجرد استيفاء النماذج المطلوبة، والمتطلبات العامة التي حددتها لجنة الانتخابات وفقًا للقانون رقم 2000. أما المفاجأة الثانية فهي وجود ثلاثة أحزاب مسيحية في بريطانيا، وهي الحزب الديمقراطي المسيحي، والحزب المسيحي، والتحالف الشعبي المسيحي، عند إلقاء نظرة أكثر عمقًا على واقع تلك الأحزاب، نجد أن الشعار الرسمي للحزب الديمقراطي المسيحي البريطاني هو: (لننشر القيم المسيحية) كما تحتوي وثيقة المبادئ الأساسية للحزب على سبعة أهداف، أولها هو نشر التعاليم المسيحية داخل البلاد وخارجها، والثاني: هو ضمان عودة مرشحي الحزب المؤمنين بالمسيحية إلى المجالس التشريعية بانجلترا وأوروبا، والثالث: هو الضغط من أجل دعم مرشحي الأحزاب الأخرى المؤمنين بالقيم المسيحية، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الأهداف التي تهدف إلى الحفاظ على الخصوصية الإنجليزية مثل: الحفاظ على عملة البلاد "الجنيه الإسترليني"، وعدم الدخول في منطقة "اليورو"، وبالرغم من الخطاب الديني الواضح الذي يدغدغ مشاعر المواطن الإنجليزي، إلا أنه لا يوجد أي تمثيل لهذه الأحزاب في المجالس النيابية، كما يلاحظ عدم وجود أي حروب بين العلمانيين والليبراليين من جهة وبين تلك الأحزاب المسيحية من جهة أخرى، فالساحة السياسية مفتوحة للجميع، وصندوق الانتخابات هو الحكم، وهو الدليل على شعبية أي حزب، ومدى مخاطبته لواقع المجتمع. الأحزاب الدينية المسيحية التي تتبنى نفس الأيديولوجية تنتشر حول العالم، ولك أن تعلم بأن هناك 167 حزبًا مسيحيًا، لها تواجد رسمي في 81 دولة ذات أغلبية مسيحية، وكل هذه الأحزاب تتفق في هدف عام يتلخص في (العمل على تطبيق التعاليم المسيحية في الحياة العامة)، وهناك بالفعل بعض الشخصيات التي قادت الأحزاب المسيحية وتمكنت من الوصول للحكم، مثل المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" زعيمة الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا، و"جوليو أندريوتي" رئيس وزراء إيطاليا السابق، و"فولفغانغ شوسيل" المستشار النمساوي السابق، بالإضافة إلى العديد من الدول الأخرى. الكنيسة الإنجليزية دائمًا ما تلعب دورًا مهمًا في الحياة السياسية ببريطانيا، ففي انتخابات العام الماضي قامت 35 شخصية مؤثرة من الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية، بتوقيع وثيقة "إعلان الضمير" والتي تم نشرها على نطاق واسع أثناء الانتخابات، حيث تدعو السياسيين إلى حماية حق المسيحيين، وإلى التصرف وفقًا للضمير المسيحي، كما تدعو الناخب الإنجليزي للتصويت لمن يسعى للحفاظ على مبادئ المسيحية، مع رفض كل من يخالف تلك المبادئ، أو يسعى لتقييد حرية التعبير عن المعتقدات المسيحية ، أو مظاهر العبادة والطاعة، وهذه الوثيقة تماثل إلى حد كبير مثيلتها التي تم إعلانها في الولاياتالمتحدة خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ولاقت دعم أكثر من 400 ألف شخصية أمريكية، وكان لها دور مؤثر في توجيه الناخب الأمريكي نحو التصويت للحزب الجمهوري. عندما نتحدث حول علاقة الدين بالسياسة في الواقع المصري فلا يجب أن ننظر لذلك بمعزل عن تجارب الدول التي سبقتنا في الممارسات الديمقراطية، حيث عرفت تلك البلدان أن الأساس في الممارسة السياسية هو قبول المجتمع لما يحمله الحزب من فكر أو أيديولوجية، وبالتالي فلا يوجد خطر من أي حزب حتى لو قام على خلفية دينية، ما دام أنه لا يفرق بين المواطنين، ويلتزم بتعاليم الدستور والقانون، ويبقى الصندوق الانتخابي هو الفيصل بين الأحزاب المتنافسة، فلا يوجد تفضيل لحزب على آخر، إلا بمدى تغلغله وتأثيره الحقيقي في المجتمع، وإمكانياته في إقناع الناخب ببرنامجه، ثم تنفيذ ذلك البرنامج عند وصوله للحكم، حتى يتمكن من الاستمرار فيه، أما استخدام الدين كفزاعة لتخويف المجتمع من أي تيار سياسي، فهذه ممارسة شاذة تنفرد بها الحالة المصرية، دعونا نتخلص من كل تلك القيود والمخاوف، ونحن لا زلنا في هذه المرحلة الانتقالية. ولكن ما هي علاقة الدين بالسياسة في الواقع الأمريكي، وما هي الضوابط التي وضعتها مختلف الدول الديمقراطية، لضمان عدم المساس والتجريح بالأديان في الحملات الانتخابية التي تضم أحزابًا ذات خلفية دينية؟ هذا ما سوف نتناوله بمزيد من التفصيل في الأسبوع القادم إن شاء الله. [email protected]