يذهب مراقبون إلى أن الحكومة الجزائرية قد استوعبت ما يجري في الدول العربية بشكل جيد، وبحكم أنها لا تريد حدوث اضطرابات شعبية تطيح بالنظام، فقد قرّرت - حسبما يتردد بقوة - مَنح الجزائريين مُعظم ما طالب به المصريون، دون إراقة دماء أو تغيير لشخص رئيس الجمهورية. في هذا السياق، علمت swissinfo.ch أن التَّعديلات الدستورية المرتقبة ستشمل، عدد المرّات التي يتولى فيها رئيس المجهورية منصِب الرئاسة، حيث ستقلص إلى فترتيْن اثنتين، مدة كل واحدة خمسة أعوام، كما ستضاف مواد دستورية توضِّح بالنص علاقة الرئاسة بالحكومة، بعد دعم موقع البرلمان، إذ ستصبح له سلطات تتعدّى دوره التشريعي عبْر الأخذ من الحصّة التي ينالها وُلاة يتحكَّمون في 48 ولاية (محافظة)، لا سلطة لنواب البرلمان المنتخَبين عليهم، بل ولا حق لهم حسب ما هو معمول به حاليا في مراقبة عمَل الولاة ولا حتى مطالبة الوالي بتشريف الوعود الإنتخابية التي أعطوها لمَن صوت لفائدتهم واختارهم للمنصب. رغبة شعبية في إسقاط أويحيى وليس بوتفليقة كما علمت swissinfo.ch من مصادر مطَّلعة، أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفيلقة قد أعطى أوامره للمجلس الدستوري وخمسة آخرين من أبرز المقرّبين إليه، بتحضير مسودّة قانون الحريات السياسية والطريقة المُثلى لتسهيل تشكيل الأحزاب السياسية من كلّ الأطياف المشكِّلة للنسيج السياسي الجزائري. وقد رشح عن هذه الإجتماعات، حسب ما ورد ل swissinfo.ch، أن المستشارين الخمسة زائد بوعلام بالسايح، رئيس المجلس الدستوري، قدر رفضوا بشكل قاطع فِكرة تنحي الرئيس عبد العزيز بوتفيلقة عن منصبه قبل انتهاء مدّة عهدته الرئاسية الحالية. وقد علل هؤلاء رأيهم للرئيس الجزائري، بأن الوضع في الجزائر غيْر الوضع في تونس أو مصر أو حتى ليبيا، كما تشير مصادر مطلعة إلى أن مصالح الأمن الداخلي ومخابرات الشرطة قدّمت تقارير في الفترة الأخيرة إلى رئاسة الجمهورية تحديدا، توضِّح أن الشخصية التي يرغب الجزائريون في ذهابه، إنما هو رئيس الحكومة أحمد أويحيى وليس الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. كما علمت swissinfo.ch أن رئاسة الجمهورية الجزائرية قد حصلت (من خلال مصادر معلوماتها) على ما يشبه التأكيد، بأن ما يقارب 60% من الجزائريين لا يرغبون في تولي أحمد أويحيى أي نوع من المسؤوليات حاليا أو مستقبلا، بالإضافة إلى رغبة هؤلاء في بقاء الرئيس الجزائري، لأنه - وبحسب المصادر الأمنية دائما - ، يعتقدون بشكل واضح أن الرئيس الجزائري بريء من تُهم الفساد والرشوة وبأن فريقه الحكومي هو الذي يقف وراء الفضائح التي تهز الاقتصاد الجزائري وتتسبَّب في البطالة وضعف القدرة الشرائية. حرية.. ولكن وفق شروط أما من الناحية الإعلامية، فقد علمت swissinfo.ch من مصادر من حزبيْ جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي الحاكميْن، أن الرئيس الجزائري يُريد صياغة قانون يفتح المجال أمام حرية تشكيل قنوات إذاعية وتلفزيونية خاصة، ولكن وفق دفتر شروط (أو كراس شروط) يُبقي التلفزيون العمومي (الوطني) الحالي على قيد الحياة، أي أن القنوات التلفزيونية التي ستفتح أبوابها مستقبلا، عليها أن تمر عبْر تعاون تقني وبشري مع التلفزيون الجزائري. من ناحية أخرى، فإن دفتر الشروط هذا، يتضمن حزمة من القوانين المتعلِّقة بكيفية تغطية الأحداث والنشاطات الحكومية. وبالجملة، فالأمر يتعلّق بضبط الحريات الصحفية حتى لا تتجاوز الخطوط الحُمر التي تريدها الدولة، تماما كما هو معمول به مع الصحف المستقلة التي تنشط منذ عام 1989 وسببت مشاكل كبيرة للدولة الجزائرية. وللتعليق على كل هذا، سألت swissinfo.ch غنية عكازي، المحللة السياسية الأبرز في الجزائر، التي قالت: "لقد كانت التعديلات الدستورية، وخاصة المادة 176 التي تحدِّد مدّة العهدة الرئاسية، (محور) حديث الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم منذ عام 2009، وقد كرر هذا الأخير للمواطنين ما قاله للصحافة، لكنني لا أرى أن هذه التعديلات ستغير من الوضع شيئا، لأن النظام لن يُقدم على تعديلات تضر بوضعه وبمصالحه". وأضافت غنية عكازي: "أعتقد أن الذي سيتغير في الجزائر سيكون بعد ذهاب بوتفليقة، لأن وجوها كثيرة تتبعه ستختفي، ومن بينها وزير الإعلام الذي قال بأن المجال السمعي البصري لن يفتح، لكننا سننفتح أكثر على حرية الإعلام، ومعنى هذا أن الصحافة المكتوبة بإمكانها أن تقول ما تريد، لكن لا أمل في أن يصبح المكتوب مرئيا أو مسموعا". "انفتاح وفق أجندة ودفتر شروط" على العكس من ذلك، يخالف ميلود شرفي، المكلف بالإعلام في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يقوده رئيس الحكومة أحمد أويحيى، رأي غنية عكازي، ويؤكد أن "فتح المجال السمعي البصري لا جدال فيه مُطلقا، لكن هذا الإنفتاح لا ينبغي أن يكون فوضويا، ولكن وفق أجندة خاصة ودفتر شروط، حتى نستفيد من الإيجابيات التي نعرفها في الصحافة الخاصة المكتوبة ونبتعد عن سيئاتها". وأضاف ميلود شرفي: "نعرف أن العالم يتغير ونحن لسنا بدعا من هذا العالم، ومع حتمية فتح المجال السمعي البصري أمام القطاع الخاص، يجب أن ينظم بقانون يحدِّد طريقة التعامل وكيفية عمل هذه القنوات، وهذا معمول به في دول العالم المختلفة". ربما يقصد ميلود شرفي الإشارة إلى مجلس أخلاقيات المهنة الذي يُشرف على الإعلام الفرنسي بشكل عام، حيث يراقب هذا المجلس التجاوزات الأخلاقية تُجاه القاصرين والتعابير العنصرية أو المعادية للسامية، ولكن البعض يرى أن الأمور لم تصل بعد إلى هذا المستوى في الجزائر حيث يندر أن يتفوّه صحفي يعرف ما يقول وما هي حدوده بمثل هذه الأمور. آراء المواطنين لا غِنى في مثل هذه الحالات من سؤال المواطنين عن رأيهم. فحسب عز الدين مداحي من حي باب الوادي الشعبي "لابد من فتح قنوات تلفزيونية خاصة تُوازي عمل التلفزيون الحكومي. لقد آن الأوان كي نتمتع نحن الجزائريون بالاختلاف، وأنا كتلميذ في الثانوية، أراقب بقلق تناول زملائي للمخدرات وأسمع مندهشا انتحار شباب في مثل سنِّي في مناطق أخرى، أنا الآن على بُعد سنة واحدة من امتحان الثانوية العامة وأخشى على مستقبلي بشكل كبير. أعتقد أن الحرية الإعلامية شكل من شكل الحريات التي يجب أن تكون. فأنا كشاب، أشعر أني أختنق". أما مراد كلكيلي، مالك مقهى للإنترنت في الجزائر العاصمة، فيرى أن قنوات تلفزيونية خاصة جديرة بإعطاء المواطنين صوتا يعبِّرون فيه عن آرائهم بحرية. ويضيف مراد كلكيلي: "أنا مثلا أعاني من تسلّط مصلحة الضرائب عليّ بشكل دائم ولا أحد يسمعني في القنوات التلفزيونية التابعة للدولة، لكن لو وُجدت قنوات خاصة، لأمكنني إسماع صوتي بشكل حر وإيجابي". في المقابل، لم تكن التعديلات الدستورية محل اهتمام من قِبل الجزائريين، الذين سألناهم مِرارا وتكرارا عن رأيهم فيها. فعلى سبيل المثال، لا يرى عز الدين (من حي السمار شرق العاصمة) فائدة تُذكر في التعديلات الدستورية. ويضيف: "شخصيا لا يهمّني كم يبقى الرئيس في منصبه، بل ما هو العمل الجيد الذي سيقدمه للمواطنين؟ ولو أن بوتفيلقة أمسك بقوة بمعاونيه المقربين، لَما رأينا الرّشوة تفشت بهذا الشكل الرهيب في المجتمع". في سياق مشابه، يضيف صديقه عبد الغني الورتلاني: "صدقني يا أخي أنا لا تهمني التعديلات الدستورية، فلهم أن يعدلوا ما شاؤوا. المُهم أني أعيش وأنشئ عائلة وأفرح بمستقبلي، كل هذا هو عبارة عن أشياء لا علاقة لها بما أعيشه أنا يوميا وأنا شِبه بطال. ألا ترى أني أبيع المواد الغذائية في محل تجاري يعطيني 80% من الأجر القاعدي (الأدنى) الذي لا يتعدّى 120 يورو". هل ستتغير الجزائر؟ يرى الكثير من المراقبين، أن الحالة الجزائرية، رغم التغييرات الكبيرة المُرتقب إعلانها من قِبل رئاسة الجمهورية في الأيام المقبلة، تتميّز بهرم مقلوب يختلف عن باقي الدول العربية. وفي هذا السياق، يندهش القارئ للصحافة الجزائرية، للتناقض الحاصل بينها وبين الواقع الذي يعيشه المواطن. فما تطالب به أغلبية الصحافة لإسقاط النظام، تقابله لامبالاة شعبية مُثيرة للدهشة، رغم متابعة الجزائريين بحِرص شديد لما يجري في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن. غير أن الدولة الجزائرية، لا تأبَه بهذه الرُّؤية على ما يبدو. فهي تحضِّر لكل الاحتمالات حتى لا تتعرض لما تعرّضت له تونس ومصر. وهناك رأي داخل مؤسسات الدولة، مفاده أن "بوتفيلقة يحظى بدعم أمريكي، بسبب موقع الجزائر في مكافحة الإرهاب"، لكن هل يحظى بوتفليقة بدعم كالذي حظِي به بن علي أو مبارك؟ وإذا كان الجواب بنعم، فلماذا سقطا بكل هذه السهولة إذن؟ أخيرا، قد تجدر الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية، تتعلق بمرحلة ما بعد الإعلان عن الإصلاحات السياسية والإعلامية والإدارية: فهل ستتغير الجزائر بعدها؟ أم أن الأمر متعلِّق بنظام بكامله، إن بقي بقيت معالمه وإن ذهب أخذها معه إلى غيْر رجعة؟ المصدر: سويس انفو