ضجة كبيرة شهدتها صفحات الانترنت وفيس بوك وتويتر صباح الجمعة وصاحبها تنديد من مسؤولة بالأمم المتحدة ، بعد انتشار خبر حظر الحكومة التركية لموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بأمر قضائي مباغت ، بعد تهديد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بأنه قد يلجأ لاتخاذ إجراءات قاسية ضد تويتر إذا لم يلتزم بمحو الروابط التي تروج لاتهامه وحكومته بالفساد ، بطبيعة الحال تم استخدام هذه الواقعة من قبل كل خصوم أردوغان داخل تركيا وخارجها من أجل التشهير بالرجل ووصفه بالديكتاتورية ، وكل خصوم ثورات الربيع العربي وأنصار السلطة الجديدة في مصر والخليج اتخذوا الواقعة مدخلا واسعا للشماتة والتشهير بتجربة تركيا مع حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي أو المحافظ للبرهنة على أن "النموذج" التركي فاشل وديكتاتوري وليس ديمقراطيا . والحكاية تتصل بالحملة الشعواء التي تعاظمت مؤخرا في تركيا ، عند اقتراب استحقاق الانتخابات البلدية نهاية الشهر الحالي ، وهي الانتخابات الأخطر في تجربة أردوغان وتركيا الحديثة ، حيث قامت جهات مجهولة بنشر تسريبات مزعومة مسجلة لأردوغان ، رئيس الوزراء ، تنصتت على بيته وأبنائه ووزرائه ومؤسسات الدولة وكل شيء فيها ، وهو سلوك أشبه بالتحضير لانقلابات عسكرية أو استخباراتية ، لأنه لا يتصور أن يكون قائد الدولة ورأسها ومؤسساتها خاضعة للتجسس من قبل مجهولين ، ثم يتم نشر هذه الاتصالات السرية المزعومة على أجهزة الإعلام ، ولو صحت هذه التسجيلات فعلا لوجب محاكمة كل من تورط فيها ، بغض النظر عن مضمونها ، لأنها تعني أن هناك دولة سرية أخرى تحكم وتتحكم ، وليس السلطة الشرعية والدستور والقانون والنظام العام ، المهم أردوغان طعن في كل هذه التسجيلات وقال أنها مختلقة ومزورة وممنتجة بقصد التشهير ، وقام بعض أنصاره بعمل تسجيلات أخرى لمعارضين بنفس الطريقة وتنسب إليهم أفعالا شائنة ، مع التوضيح أن هذه التسجيلات قاموا بتزويرها ومنتجتها ، لكي يثبتوا أن تزوير التسجيلات سهل الآن بتطور التقنية الجديدة . لجأ أردوغان للقضاء من أجل السيطرة على هذه "المؤامرة" التي تم تفجيرها قبل الانتخابات بقصد تدميره هو وحزبه وإسقاطه باستخدام أساليب غير قانونية وغير شريفة ، ونجح أردوغان في المسار القضائي ، ثم لجأ للقضاء مرة أخرى عندما تم استخدام موقع "تويتر" لترويج التسريبات المزورة ، مستغلين صعوبة السيطرة على التغريدات ، فحصل على قرار قضائي يلزم "تويتر" بمحو بعض الروابط والحسابات المروجة لهذه التسجيلات ، فرفضت إدارة تويتر الاستجابة ، فاستصدر قرارا قضائيا عاجلا بغلق موقع تويتر ، وأغلب الظن أنه فعل ذلك بصورة مؤقتة حتى تمر الانتخابات التي لم يبق عليها سوى حوالي أسبوع أو أكثر قليلا ، خاصة أن الضربات الإعلامية في هذا التوقيت تكون قاتلة ومدمرة . السلوك الذي اتخذه أردوغان في تلك الأزمة من الناحية القانونية سليم ، فقد لجأ إلى القضاء ، ولكنه من الناحية السياسية بدا مفعما بالعصبية والتوتر ، وفي الحسابات النهائي هو خطأ سياسي فادح ، ينبغي أن يصححه على الفور وأن يتراجع عنه ، لأن تكاليفه أسوأ من تكاليف حملة التشهير المزورة ، بل المؤكد أن هذا الإجراء سيدعم حملة التشهير بمدد جديد يصوره كمعادي للحريات العامة ، رغم أن الواقعة ليست الأولى في تركيا فلها سوابق ، فقبل عدة سنوات قام القضاء التركي بحظر موقع "يوتيوب" لمدة عامين كاملين ، بسبب إساءته إلى مؤسس تركيا الحديثه "مصطفى كمال أتاتورك" ، واللافت أن أحدا لم يغضب وقتها ولم يعتبر الأمر اعتداء على الحريات ، لكن المقارنة رغم ذلك لا يمكن أن تكون مبررا للتسامح مع الفعل ، الأول والثاني ، فكلاهما خطأ ، وكلاهما فيه تغول على الحقوق المدنية والحريات العامة التي يرعاها ويلتزم بها أي نظام ديمقراطي . الحادثة مهمة جدا ، كدرس عملي للتيار الإسلامي وأحزابه التي تؤمن بالمسار الديمقراطي وشرعية الصندوق ، فالديمقراطية لها شوكها ومرارتها أحيانا ولها ضريبتها المكلفة جدا ، وليست كلها تمرا وحلوى ونعومة الحرير ، ومن أعلن التزامه بها والعمل بمقتضاها فعليه أن يتحمل شوكها ومرها ولسعاتها المؤلمة أحيانا ، وعليه أن يحترم أيضا أدواتها التي عن طريقها وصل للسلطة أو لبعض حقوقه السياسية ، فالديمقراطية منظومة لا تتجزأ ، والحريات فيها لا يمكن أن تخضع للانتقائية والتجزيء ، خاصة عند الخلاف السياسي والحزبي والأيديولوجي . ,