بحت الأصوات وبلغت القلوب الحناجر. أن فرص العمل في هذا البلد أصبحت حكرا على فئة محدودة تستأثر بها أما الباقون فعليهم أن يشربوا من البحار والأنهار وهذا أضعف الأيمان. وكان رهاننا أن وظائف الباب العالي لا يحظى بها إلا أولاد الأكابر والصفوة ممن انتفخت كروشهم وجيوبهم بأموالنا نحن الضحايا. وقد ترسخ هذا الداء واستشرى ووجد أرضية خصبة منذ بدايات عصر الانفتاح أو الانبطاح على روايتين. وحتى يقضي الله أمرا كان مفعولا ففي كل عام وعقب الإعلان عن نتائج القبول بكليات الشرطة والنيابة بشقيها العام والإداري. نسمع الآهات التي تصدر في الغالب ممن فقدوا العون والسند. وبدلا من مسح دموعهم والتخفيف من وقع مصابهم. كان أولو الأمر يقولون (لا داعي للتشكيك وكفاكم يا أعداء النجاح) . وأخيرا وليس آخرا جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن. فقد نشرت جريدة الوفد في عددها الصادر بتاريخ 17 / 3 / 2006 تحت عنوان ( فضيحة التعيينات في الهيئات القضائية) وجاء في صلب الخبر ( كشفت القرارات الجمهورية والتي تحمل أرقام 10 لسنة 2005، 61 لسنة 2005 ، 120 لسنة 2005 عن قبول الحاصلين على تقدير مقبول ومسوغهم الوحيد أنهم أبناء علية القوم وسادته وتبين استبعاد الحاصلين على تقديرات عالية لافتقادهم أحد شروط الوظيفة (اللياقة الاجتماعية) وحتى تكون الفضيحة بجلاجل فقد تبين قبول أكثر من 180 من خريجي الحقوق الحاصلين على تقدير مقبول. بالقرار رقم 356 لسنة 2005 وتذكرت على الفور ابن الأصول ( ح . أ ) الذي تخرج من كلية الشريعة والقانون بتقدير عام جيدا جدا . وتقدم في كل المسابقات ولكن دون جدوى ، ولم يغفر للضحية أن أباه كافح وناضل من أجل تربيته وأخوته وعندما شكا إلى خاله الذي يعمل مستشارا بإحدى الهيئات القضائية قال له يا بني : لا تحزن فأبوك ليس مستشارا أو... ؟ واستسلم الشاب لحكم الإعدام النفسي ولم تفلح توسلاته.. ثم يقولون لنا بعد ذلك إن هناك شفافية وضوابط تكفل للجميع بلا استثناء فرص الالتحاق بالوظائف ونحن في دولة القانون والمؤسسات.. والمؤسف أن فينا ومنا من يصدقهم ويروج لأباطيلهم، مع تسليمنا الكامل والمطلق أن كل من وقع عليه الاختيار كان وراءه حتما رجل ولا تسألني عن الرجال فهو السيد ونحن الخدم وهو العزيز ونحن من كتب على جبينه السعي في مناكب الأرض بقروش زهيدة والله وحده هو المستعان ولك أن تطلق العنان لخيالك للوقوف على مفردات كلمة رجل وما يتفرع عنها كنا وما زلنا نسمع عن أناس يدفعون بالآلاف للحاق بالوظائف الدنيا ولم يدر بخلدنا أن هذا السلوك المشين اخترق حصونا ما كنا نتوقع يوما أن ينال منها ودنس الحرم الجامعي وأمتد إلى جميع الوظائف. كثيرون لا نعلمهم ، الله وحدة أعلم بما يعانونه من هم وحزن والسبب افتقادهم الظهر والسند. والنتيجة أن المجتمع الذي كنا نتباهى به يقدم النطيحة والمتردية وما أكل السبع. فأنا واحد ممن شغله أخيرا الوقوف على تعريف دقيق لما يسمونه بالمواطنة التي نسمع عنها كثيرا ... وقد حاولت الاجتهاد في الوصول إلى طلاسمها ولكن .. دون جدوى..