من البيت.. طريقة استخراج جواز سفر مستعجل إلكترونيًا (الرسوم والأوراق المطلوبة)    رابط تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. مؤشرات كليات ومعاهد دبلوم صناعي 3 سنوات    الطيران المدني: 69 رحلة مجدولة بمطار القاهرة وباقي المطارات تعمل بشكل طبيعي    طلب إحاطة عاجل بسبب توقف خدمات الاتصالات والإنترنت والمصارف عقب حريق سنترال رمسيس    هبوط مفاجئ في عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025 بالصاغة محليا وعالميا    شعبة المخابز تحذر من احتمالية تعطل شبكة صرف الخبز بعد حريق سنترال رمسيس    إعلام إسرائيلي: تقدم في المفاوضات غير المباشرة بين وفدي حماس وتل أبيب    ترامب: إيران لن تصبح دولة نووية.. وآمل أن تكون الحرب مع إسرائيل قد انتهت    نتنياهو: سكان قطاع غزة يمكنهم البقاء أو المغادرة طواعية.. وترامب يستحق جائزة نوبل للسلام    ترامب يفرض رسومًا جمركية على 14 دولة (تعرف عليها)    الأهلي يدرس وقف التعامل مع البنك الأهلي.. خالد الغندور يكشف التفاصيل    ماذا قدم تشيلسي أمام الأندية البرازيلية قبل مواجهة فلومينينسي؟    هشام يكن: جون إدوارد و عبد الناصر محمد مش هينجحوا مع الزمالك    وسط صراع ثلاثي.. الأهلي يحدد مهلة لحسم موقف وسام أبوعلي    بحضور الوزير.. الرئيس التنفيذي ل «المصرية للاتصالات»: كل شيء سيعود للعمل صباح اليوم (فيديو)    آخر تطورات حريق سنترال رمسيس فى تغطية خاصة لليوم السابع (فيديو)    نظام البكالوريا.. النائب فريد البياضي: تحسين المجموع مقابل رسوم يلغي مجانية التعليم.. ليس سلعة لتباع    بعد حريق سنترال رمسيس..متي تعود خدمات الاتصالات في القاهرة والجيزة؟    بعد حريق سنترال رمسيس.. «إسعاف المنوفية» ينشر أرقام الهواتف الأرضية والمحمولة البديلة ل 123    وفاء عامر تتصدر تريند جوجل بعد تعليقها على صور عادل إمام وعبلة كامل: "المحبة الحقيقية لا تُشترى"    أحمد السقا ينشر صورًا من العرض الخاص لفيلم «أحمد وأحمد» من الرياض    "مملكة الحرير" تتصدر التريند وتثير التساؤلات: هل يكفي الجمهور 10 حلقات من هذا الصراع الملكي الناري؟    «غفران» تكشف التفاصيل.. كيف استعدت سلوى محمد على لدور أم مسعد ب«فات الميعاد»؟    ترامب: حماس تريد وقف إطلاق النار فى غزة ولا أعتقد وجود عراقيل    نتنياهو: إيران كانت تدير سوريا والآن هناك فرصة لتحقيق الاستقرار والسلام    التعليم العالي يوافق على إنشاء جامعة العريش التكنولوجية.. التفاصيل الكاملة    البيت الأبيض: مجموعة بريكس تسعى إلى تقويض المصالح الأمريكية    5 وظائف جديدة في البنك المركزي .. التفاصيل والشروط وآخر موعد ورابط التقديم    اتحاد بنوك مصر: البنوك ستعمل بشكل طبيعي اليوم الثلاثاء رغم التأثر بحريق سنترال رمسيس    وزير العمل: صرف نحو 23 مليون جنيه كتعويضات للعمالة غير المنتظمة في 2024    أرقام لويس دياز مع ليفربول بعد صراع برشلونة وبايرن ميونخ لضمه    الجهاز الفني لمنتخب مصر تحت 16 سنة يُقيم أداء 36 محترفًا    لقطات جديدة ترصد آخر تطورات محاولات إطفاء حريق سنترال رمسيس (صور)    احذروا الشبورة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025    في حريق سنترال رمسيس.. وجميع الحالات مستقرة    «درجة تانية».. سيف زاهر يكشف رحيل نجم الزمالك للدوري السعودي    على خلفية حريق سنترال رمسيس.. غرفة عمليات ب «صحة قنا» لمتابعة تداعيات انقطاع شبكات الاتصالات    استشهاد 16 فلسطينيا في غارات الاحتلال على النصيرات وغزة    سعر الفراخ البيضاء والساسو وكرتونة البيض الأبيض والأحمر بالأسواق اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025    بعض التحديات في الأمور المادية والمهنية.. حظ برج الجدي اليوم 8 يوليو    انطلاق فعاليات معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب في دورته ال 20.. المعرض بمشاركة 79 دار نشر مصرية وعربية.. 215 فعالية ثقافية على هامش المهرجان ل 800 محضر.. خصومات تصل إلى 30%.. فيديو وصور    جمال عبد الحميد: دخلت السينما وسط تهافت المنتجين.. واعتزلت فجأة بعد خطبة جمعة    عماد الدين حسين: العلاقات المصرية الصومالية تاريخية وجرى ترفيعها لآفاق الشراكة الاستراتيجية    أهم طرق علاج دوالي الساقين في المنزل    الدكتورة لمياء عبد القادر مديرًا لمستشفى 6 أكتوبر المركزي (تفاصيل)    لعلاج الألم وتخفيف الالتهاب.. أهم الأطعمة المفيدة لمرضى التهاب المفاصل    السعيد غنيم : مشاركتنا في القائمة الوطنية تأكيد على دعم الدولة ومؤسساتها الدستورية    رتوش أخيرة تفصل الزمالك عن ضم مهاجم فاركو وحارس الاتحاد    عاجل- المصرية للاتصالات تخرج عن صمتها: حريق سنترال رمسيس فصل الخدمة عن الملايين.. وقطع الكهرباء كان ضروريًا    أطعمة قدميها لأسرتك لحمايتهم من الجفاف في الصيف    مدارس البترول 2025.. الشروط والأوراق المطلوبة للتقديم    رئيس جامعة المنوفية يكرم أساتذة وأوائل الدفعة السادسة بكلية علوم الرياضة    وفقا للحسابات الفلكية.. تعرف على موعد المولد النبوي الشريف    نجاح إجراء جراحة معقدة لإصلاح تشوه نادر بالعمود الفقري لطفلة 12عاما بزايد التخصصي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الفساد صناعة ?!    (( أصل السياسة))… بقلم : د / عمر عبد الجواد عبد العزيز    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حالة شكر.""؟!    نشرة التوك شو| الحكومة تعلق على نظام البكالوريا وخبير يكشف أسباب الأمطار المفاجئة صيفًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قاضٍ عادل وقضية ظالمة
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 04 - 2011

حكى لى الشاب «محمود» حلما كان قد شاهده فى منامه قبل أيام من الثورة، مقسما على أنه رأى فيه أحداث ثورة يناير وكأنها تحدث بحذافيرها أمام عينيه. وكيف أنه قبل لحظات من استيقاظه من الحلم وجد نفسه وقد أصبح رئيسا لمصر، خلفا للرئيس المخلوع مبارك. وعند هذا الحد يقول محمود إنه استيقظ مذعورا خوفا من أن يكون أحد قد رآه وهو يحلم بذلك. وفى خجل، قال محمود ولكن يجب أن أعترف لكم بأن أول قرار اتخذته بعد أن أصبحت رئيسا هو تعيينى وكيل نيابة، وبعدها أفقت على حقيقة أنه كان حلما.
كان محمود يحكى لى هذا الحلم وسط عدد من أصدقائه الذين انفجروا فى الضحك غير مصدقين أن صديقهم محمود فضل أن يتنازل عن وظيفة رئيس جمهورية أملا فى أن يصبح وكيل نيابة. بدا المشهد بالفعل مضحكا، ولكن بالنسبة لى لم يكن على هذا النحو. سألت محمود إلى هذه الدرجة حلم وكيل نيابة يبدو مستحيلا، أو يستوجب منك أن تكون رئيسا أولا. أمعنى هذا أنك لم تنتظر من ثورة يناير إلا أن تحقق لك هذا الحلم المتواضع الذى يراه غيرك يسيرا، بل فى مصاف أحلامهم الصغيرة؟.
والحقيقة أننى لم أحتج منه مجهودا كبيرا كى يقنعنى أن معه كل الحق. فما يبدو لدى البعض حلما يسيرا، يبدو عند غيره المستحيل بعينه. حكى لى محمود كيف أن هناك 500 من الأوائل على مستوى الجمهورية، والحاصلين على ليسانس القانون والشريعة والحقوق منذ عام 2000 إلى 2008 بدرجات امتياز، وجيد جدا مع مرتبة الشرف تم استبعادهم من التعيين فى النيابة العامة، ومجلس الدولة، والنيابة الإدارية، وهيئة قضايا الدولة، وذلك لصالح عدد من أبناء السادة القضاة والمستشارين والحاصل عدد كبير منهم على درجة مقبول.
ولما بدا له أننى لا أصدق ما يقوله أخرج على الفور عددا من الأحكام التى صدرت فى طعون كثير ممن تم رفض تعيينهم فى الهيئات القضائية. وبادرنى بالسؤال الذى يعرف هو إجابته، هل من قبيل الصدفة أن معظم الأوائل الذين لم يعينوا هم من أبناء الفلاحين، الذين واصلوا الليل بالنهار من أجل أن يتقدموا الجميع، ظنا منهم أنه سيأتى يوم تكون الكفاءة العلمية هى معيار التعيين، وليست خانة وظيفة الأب فى البطاقة الشخصية؟.
وقبل أن أقول له الإكليشهات المحفوظة فى الذاكرة حول تكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية عاجلنى محمود بأنه رفض تعيينه بعد أن أجريت له المقابلة الشخصية، والسبب كما قال له أحدهم أن والده خفير نظامى، وبأنه من بيئة اجتماعية غير مناسبة. وطبعا موضوع البيئة هذا تكفلت به التحريات الأمنية والتى تصل إلى أبناء الأخوال والأعمام، يعنى «لسابع جد» يقولها محمود. بينما بدأ أصدقاؤه يعتدلون فى جلستهم، لأنهم شعروا بأن ما بدا مضحكا منذ لحظات لم يعد كذلك.
وكأن كل واحد فيهم قد استرجع خزينة ذكرياته فبدأوا يسردون حكايات عن ضحايا هذا الحلم الذى انكسر، وأجهضته قيم زماننا هذا الذى اعتمد التوريث منهجا لحياة البشر، وأراد أولو الأمر فيه أن يجعلوه دستورا للبلاد.
فابن الفلاح لابد له أن يصبح فلاحا، وابن المستشار لابد أن يرث مهنة أبيه، وبالتالى عندما يطالب الوريث الابن أن يجلس على عرش والده الرئيس فلا بأس من ذلك، بعد أن تمت تهيئة عقول حتى حماة العدل لقبول تلك الفكرة الظالمة.
وبدأ كل واحد فيهم يتذكر بعضا ممن سبقوهم فى طابور المرفوضين فى التعيين فى الهيئات القضائية. ولأنهم بعد ثورة يناير استعادوا حلمهم مرة أخرى، وعادوا لا يصدقون أن حالهم سيبقى كما كان عليه قبلها. فقد جمعوا أرشيفا كاملا عن زملائهم. وكان الأشهر هو أحمد سالم الثانى على دفعة حقوق أسيوط، أبن الفلاح الذى شجعه والده على الحصول على الماجستير، ولكنه عجز عن تحقيق حلم والده الذى انكسر عند أعتاب مقر المقابلة الشخصية التى تحدد مدى أهلية المتقدم لشغل الوظيفة القضائية. فما كان من أحمد إلا أن أعتلى أحد الجبال فى دشنا، وأطلق لحيته ومن يومها رفض التواصل مع زملائه، أو حتى إعادة المحاولة مرة أخرى.
ويبدو أن أرشيفهم لا ينضب فقد أخرجوا منه سيرة مصطفى جودة من أوائل حقوق المنصورة وحاصل على ماجستير، ويعمل الآن فى سنترال فى المنصورة، بعدما فشل هو الآخر، بسبب أن والدته ووالده ليس لديهما مؤهلا جامعيا. وعندما اندهشت من المفارقة سارع بتأكيدها بأنه مازال يعمل وأننى أستطيع أن أعثر عليه فى شارع الأتوبيس الجديد، وبالأمارة السنترال اسمه «غرناطة» يقولها محمود واثقا من دقة أرشيفه. وعادل عبدالحميد والذى حصل على الدكتوراه ورفض تعيينه فى مجلس الدولة، ومن يومها سافر إلى السعودية، ولم يرغب فى العودة إلى مصر ثانية. وحاتم محمد أحمد الحاصل على تقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، والذى يعمل الآن فى فرن بعين شمس، واستأذنى محمود فى أن يعود إلى أرشيفه لكى يتذكر عنوان الفرن. وكريم، ووليد، وطاهر والذى لم يقبل تعيين أحدهم فى هيئة قضائية بسبب أن خاله تشاجر فى الجيش مع ضابط وأصبح فى سجله جنحة، وهو ما أثر على مستقبل ابن أخته، والذى لم ير خاله منذ سنوات، ولعله لن يراه ثانية بعد أن أضاع مستقبله.
وعندما شعر محمود بأننى أصبت بحالة من الإحباط حاول أن يخفف عنى بحكاية عن زميلهم مدحت القفاص الذى طعن ضد قرار رئيس الجمهورية بتخطيه فى التعيين على درجة مندوب مساعد فى مجلس الدولة، مع أنه حاصل على ماجستير فى القانون، لصالح متقدم آخر حصل على ليسانس الحقوق بتقدير مقبول، وبعد 9 سنوات قضاها فى الكلية.
ذلك الشاب الذى أنصفته المحكمة ليس فقط بتعيينه، ولكن فى حيثياتها والتى تقول فيها نصا «نناشد المسئولين فى مجلس الدولة أن يرفعوا الظلم الجاثم على المجلس، المتمثل فى السماح لطائفة من الراسبين، والمتخلفين، للانخراط بسلك القضاء. وهو الاتجاه الذى ظهر للمحكمة فى عدد من القضايا التى طرحت عليها. وليذكر أولو الأمر أنهم ما بلغوا مناصبهم فى المجلس إلا بعد جهاد شاق، فكيف يخرجون طائفة من المتفوقين رغم اجتيازهم جميع العقبات، ومنها المقابلة الشخصية. ليسمحوا بطائفة من الضعفاء فى الفكر، والكفاءة القانونية أن يعتلوا مناصب القضاء، وأن يحكموا بغيا بغير علم. فى الوقت الذى ينظر فيه المتفوقون والمجاهدون فى سبيل العلم إليهم من بعيد يعصرهم الحقد، وتعقدهم الحسرة. وعلى أولو الأمر أن يتداركوا هذه الكارثة».
قالها القاضى العادل قبل سنوات من دعوة المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة ،هذه الأيام، برفع دعاوى قضائية للمطالبة بتعيين أبناء القضاة الحاصلين على درجة «مقبول» فى السلك القضائى، فى حين أن قانون السلطة القضائية يشترط درجة «جديد».
رحم الله زمنا كان فيه ابن البوسطجى رئيسا للجمهورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.