تداولت مواقع الانترنت شكوكا حول واقعة الهجوم على نقطة شرطة مسطرد واستشهاد الجنود الستة ، وتحديدا كانت الشكوك تطرح حول الجهة التي تورطت في هذه الجريمة ، وهل هي جماعة الإخوان كما قال المتحدث العسكري ، أم هي جماعة أنصار بيت المقدس التي نشر بيان باسمها على الانترنت أم أنها حادث ثأر من إحدى عائلات البلطجة والمخدرات في منطقة شبرا الخيمة التي تقع في نطاقها مسطرد على خلفية مقتل اثنين من أبنائها قبلها بيوم على يد الشرطة ، وهي الحادثة التي أدت إلى فوضى ومصادمات عنيفة حينها وقطع للطرف وحرق للسيارات ومنع لمدرعات الشرطة من الحركة ومحاولة حرقها ، والفرضية الأخيرة نشرها نشطاء منهم الحقوقي هيثم أبو خليل نقلا عن شهود عيان حسب ما نسب إليه ، والحقيقة أن الفرضيات الثلاث كلها لها حظ من الاحتمال ، ولا يمكن الجزم بصحة أي فرضية منها ، غير أن الحساسية الأهم تأتي من البيان الذي أصدره المتحدث الرسمي باسم المجلس العسكري العقيد أحمد علي ، والذي نسب العملية بعد أقل من ساعة من حدوثها إلى جماعة الإخوان "الإرهابية" حسب تصريحه ، وكان لافتا أن تصريحات الشرطة تحدثت عن "ملثمين" قاموا بالعملية الجبانة وفروا ، وأن هناك قوات من الشرطة والشرطة العسكرية والتحريات العسكرية والمخابرات الحربية تطوق المنطقة للبحث عن القتلة وللوصول إلى دليل ، وقبل الوصول إلى أي دليل يصدر بيان القوات المسلحة لينسب إلى أعضاء بجماعة الإخوان التورط في هذه العملية ، هذا هو المحرج والمقلق في الموضوع ، لأنه لا يوجد أي منطق أمني ولا واقعي يتيح لأحد أن يحدد الجاني أو المجرم قبل الوصول إلى خيوط حقيقية وإجراء تحقيق يقوم على أسس جنائية صحيحة ، أما أن أصدر بيانا أحمل جهة سياسية مسؤولية التورط في العملية بعد ساعة واحدة من وقوعها ، ورغم التصريحات المتطابقة من الجهات الأمنية والعسكرية بأنها تبحث عن خيوط الجريمة وتتعقب القتلة للكشف عن هويتهم ، فهذا ما كان ينبغي على المتحدث العسكري التحوط له والتريث في إطلاقه . لا يصح أن يبدو أمام الناس أننا نبحث عن الاستثمار السياسي للحادثة أكثر من اهتمامنا بالبحث الجاد عن القتلة والمجرمين المتورطين في العملية ، على الأقل لمنعهم من القيام بعمليات إجرامية أخرى ، فقد يظهر بعد ذلك أن العملية قام بها بالفعل مجموعة بلطجية وتجار مخدرات يعرفون المنطقة جيدا ويعيشون فيها ويدركون كل تفاصيل نقاطها الأمنية لدرجة أن يقوموا بهذه العملية المروعة بهدوء وكأنهم في نزهة وبعد أن يرتكبوا جريمة القتل الخسيس يزرعون مواد متفجرة لمزيد من النكاية في أي قوات تحاول نجدة الضحايا ، وقد يكون المتورطون مجموعات إرهابية أخرى غير الجهات الثلاث الذين تم توزيع الاتهامات عليهم ، وأذكر في هذا السياق أن حادثة شهيرة وقعت في محاولة اغتيال اللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية السابق حينها في عهد مبارك ، وسارعت مباحث أمن الدولة وقتها بالقبض على عدد من الشباب الإسلامي أخضعتهم بالطبع لحفلات التحقيق الشهيرة وأخذت منهم اعترافات كاملة بارتكابهم الجريمة ، وذهبت ببصماتهم إلى مصلحة الطب الشرعي فأكد لهم الطب الشرعي كالمعتاد أن البصمات متطابقة وأن هؤلاء الشبان هم مرتكبوا الجريمة ، وتم تحويلهم بالفعل للمحاكمة ، ويشاء الله أن يتم القبض مصادفة على مجموعة إرهابية ارتكبت جريمة أخرى ، وأثناء التحقيق معهم تكتشف مجموعة التحقيق أنهم هم المجموعة الحقيقية التي قامت بمحاولة اغتيال حسن أبو باشا ، واعترفوا تفصيليا وأرشدوا عن السلاح المستخدم وثبت بوجه القطع أنهم هم المجرمون ، وتم إطلاق المجموعة الأخرى التي كادت تصل إلى حبل المشنقة ظلما وافتراءا ، بفعل العجلة في تحميل التهمة لأي جهة والشفافية الزائدة جدا عند الطب الشرعي . أخشى أن نكرر مثل هذه السقطات من جديد ، وأتمنى أن تكون الجهات الرسمية أكثر تريثا وصبرا على مجريات التحقيق حتى نصل إلى المجرمين الحقيقيين ، وليس مجرد التضحية بأي بشر ، في حين أن القتلة الحقيقيين ربما كانوا طلقاء وربما يخططون لجريمة أخرى .