خان التوفيق قيادات الداخلية عندما أصدروا بيانهم العنيف حول واقعة مقتل الشاب السكندري خالد سعيد ، البيان اتهم كل من احتج على واقعة القتل وسلوك الداخلية بأنه مغرض وأنهم يحاولون تشويه سمعة الجهاز الأمني ، إلى آخر هذا الكلام الفضفاض وغير المنطقي ، والأهم من هذا كله محاولة مبكرة جدا لتبرئة اثنين من مخبري الداخلية متهمين بقتل خالد سعيد ، وبدا كما لو أن الداخلية واثقة من أن القضاء قد برأ الاثنين فعلا ، واستشهد البيان بما لا يمكن الاستشهاد به في مثل هذه الوقائع ، ممن وصفتهم الداخلية ذاتها بالمسجلين خطر أو بأشخاص يقعون تحت سيف نفوذها وجبروتها ، الصور المنشورة لوجه خالد سعيد لا تترك أي مجال للشك في أنه تعرض للسحل ، الداخلية قالت أن الصورة له بعد خضوعه للتشريح الطبي ، وهو كلام غريب جدا ، فما دخل التشريح الطبي بتشويه الوجه وتمزيقه على هذا النحو المخيف ، أيضا استناد الداخلية إلى قرار النيابة بصرف المخبرين وعدم توجيه الاتهام إليهم ليس حجة ولا دليلا ، لأن النيابة ليست قضاء وإنما هي في النهاية جهة لها وجه إداري يخضع لحكومة الحزب الوطني ممثلة في وزير العدل ، كما أن النيابة يمكن أن تقع في شيء من الاستعجال والرعونة في تقدير الأمور ، ولا أقول غير ذلك تأدبا ، وهذا يعرفه القاصي والداني ، ويمكن أن نذكر الداخلية بوقائع عديدة تم فيها "تستيف" الأمور وتوجيه الاتهامات في وجهات محددة ، قبل أن ينكشف أن الأمر كله تهريج وتلفيق ، وواقعة محاولة اغتيال المرحوم اللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية الأسبق شهيرة للغاية ، عندما تم القبض على الشبان الثلاثة : مجدي غريب ومحمد البحيري وإسماعيل محمد علي ، وتم تلبيسهم القضية وسجلت النيابة اعترافاتهم كاملة ، وطابقت مع الأسف الجهات المعنية بصماتهم مع البصمات الموجودة في موقع الحادثة وتم تحويلهم إلى المحكمة بتهمة محاولة قتل اللواء أبو باشا ، قبل أن تتدخل العناية الإلهية وينكشف القتلة الحقيقيون بمحض الصدفة ، وينتهي المسلسل المشين بتبرئة الثلاثة المساكين ، ونسي الناس الاعترافات وكيف جاءت ونسي الناس البصمات وكيف طابقوها ، وبالرجوع إلى واقعة قتل وسحل خالد سعيد ، فقد كان الأفضل والأحكم للداخلية أن تتروى في بيانها ، وأن تتخلى عن العصبية وتطلب في بيان متوازن انتظار انتهاء التحقيقات وتؤكد للرأي العام أنها لن تتوانى عن تقديم أي من رجالها إلى العدالة إذا ثبت تورطه في هذه العملية ، ونحو ذلك من كلام "مسؤول" يهدئ الرأي العام ويقنعه ، بدلا من الدفاع الكامل عن المتهمين ، و"التورط" في تبرئة ساحتهم قبل أن يقول القضاء كلمته ، فكيف يكون الحال إذا ثبت بعد ذلك إدانة الرجلين ، كيف ستدافع الداخلية عن نفسها وعن بيانها وعن موقفها وعن تعجلها ، إنه لا يشين الداخلية أبدا أن يخطئ أحد رجالها فتقدمه هي بنفسها للعدالة وتطالب بتوقيع العقوبة عليه ، بل هذا يرفع قدرها ، والأخطاء التي يرتكبها بعض رجال الشرطة لا تعني الإساءة إلى الشرطة ذاتها كمؤسسة أمنية وطنية بغض النظر عن توجهات سياسية تفرض عليها وتسيء إليها ، لكنها في النهاية هي مظلة الأمن والأمان التي نستظل بها جميعا في بلادنا ، وتفاصيل الحياة الكثيرة للفرد والأسرة والمجتمع ترتبط ارتباطا وثيقا بالدور المسؤول والخطير الذي تقوم به أجهزة وزارة الداخلية ، وإلا تحول المجتمع إلى غابة ، فعندما تأتي الطعنة إلى المواطن من هذه "المظلة" التي نستظل بها أمنيا ، تكون الكارثة والفجيعة وغضب المجتمع المبرر فعلا ، حسنا فعل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود عندما قرر إحالة ملف القضية إلى نيابة الاستئناف ، لأن سلوك وقرار وكيل النيابة كان مستفزا بدرجة مؤلمة ويهز من صورة النيابة العامة أمام الناس ، الآلاف الذين خرجوا في جنازة خالد سعيد لا يخرجون غضبا لبلطجي ومسجل خطر كما يقول بيان الداخلية ، والملايين الذين غضبوا وبدا غضبهم واضحا في الكتابات والتعليقات المنشورة في الصحف والانترنت مثلوا حالة تؤكد على غياب الثقة في أجهزة الدولة التي تابعت هذه الجريمة ، سننتظر نتائج التحقيقات "الجدية" في الموضوع ، ونشر الحقيقة بكل شفافية وعدل . [email protected]