إن التقلبات السياسية التى مرت بها البلاد في الآونة الأخيرة تفرض على الإدارة الحاكمة أن يتسع صدرها لقبول الرأى الآخر وأن تضعه محل اعتبار متى كان القاسم المشترك بين الجميع هو تحقيق المصلحة العامة للبلاد. وما يثار عن تحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية لتحقيق الاستقرار يفتح الباب على مصراعيه للفوضى السياسية بالطعن على القانون عند إثارة إى منازعة بشأن قرارات اللجنة أمام مجلس الدولة والدفع بعدم دستورية ذلك التحصين ثم إحالة القانون إلى المحكمة الدستورية للبت في دستوريته من عدمه، وهو ما يجعل منصب الرئيس في مرمى نيران البطلان إذا ما قضى بعدم دستوريته ويدفع نحو إرباك المشهد السياسى ومزيد من عدم الاستقرار بهدم شرعية الرئيس القادم. وقد عانت مصر من الفراغ المؤسسى نتيجة إصدار قوانين غير دستورية ترتب عليها حل مجلسى الشعب والشورى بما يفرض عدم تكرار ذلك الخطأ والاستفادة من التجارب السابقة في بناء مؤسسات على أسس قانونية صحيحة تتوافق مع أحكام الدستور حتى لا يتهدم البناء السياسى خاصة وأن المادة 97 من الدستور المصرى قد حظرت صراحة تحصين أى قرارات إدارية وأن لجنة الرئاسة تقوم بعمل إدارى بحت وليس معنى تشكيلها من قامات قضائية أن يحول ذلك دون الطعن على أعمالها فالمعيار الموضوعى لطبيعة عملها هو إدارى وليس قضائى، بل أن الأحكام القضائية ذاتها التى تصدر عن القضاة غير محصنة وقابلة للطعن، وما يردده البعض عن أن المادة 228 من الدستور قد عهدت إلى تلك اللجنة مباشرة الإشراف على الانتخابات أسوة بالانتخابات الرئاسية السابقة لا يعنى منحها صلاحيات استثنائية تتعارض مع الدستور، فالقاعدة الفقهية بأن "العام على عمومه ما لم يخصص" تحكم هذه القضية، ولو أراد المشرع الدستورى تحصينها لنص على ذلك صراحة استثناءً عن الأصل العام.
إن اصرار الرئاسة على التحصين يضع الرئيس أمام الاتهام بانتهاك احكام الدستور والتى نظمت قواعدها المادة 159 من الدستور الحالى باعتبارها مخالفة صريحة لاسيما وقد اعترض عليها قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة لعدم دستوريتها. ولعل ما يثار عن قبول بعض القوى الحزبية للتحصين لن يغير حقيقة الواقع الدستورى بعدم مشروعيتة بل يعد خرقاً له في وقتٍ يسعى فيه الجميع نحو احترام الإرادة الشعبية التى وافقت عليه وإعلاء دولة القانون ويقطع الطريق على محاولات التشكيك في نزاهة الإجراءات أو وصفها بالبطلان.