لا تزال الحرب الإعلامية متواصلة من جانب الرافضين للتعديلات الدستورية حتى بعد خمسة من أيام من إجرائها، بعد أن خاب أملهم في شحن الشعب المصري للتصويت ب "لا"، على الرغم من حجم الدعاية الإعلامية التي مورست عشية الاستفتاء في محاولة للتأثير على اتجاه الرأي العام، ويأبي الفريق المعارض أن يعترف بخسارته المعركة حتى الآن، مواصلاً انتقاداته بلهجة يغلب عليها "الإقصاء" و"السخرية" من الفريق الذي قاد حملة التصويت ب "نعم". ووصف المحامي صبحي صالح، عضو لجنة التعديلات الدستورية، الأصوات التي هاجمت ولا تزال تهاجم نتيجة الاستفتاء على التعديلات التي جرى التصويت عليها السبت الماضي بأغلبية كاسحة تجاوزت أكثر من 77% من أعداد المشاركين بأنهم "دعاة فتنة"، وحثهم على التوقف عن المضي قدمًا في إشعال النار وافتعال أزمة، واحترام رأي الغالبية التي صوتت ب "نعم". وتابع قائلاً ل "المصريون"، إن "من يهاجم نتائج الاستفتاء علي التعديلات الدستورية هم "دعاة فتنه وينفخون في نار لا وجود لها سعيًا لتفجير أزمة، وكان يتعين علي الجميع إن كانوا ينادون بالديمقراطية وبالروح الوطنية أن يقبلوا بالنتائج ويحترموها"، داعيًا إلى الكف عن "ممارسة الوصاية على الشعب وصف الشعب بالجهل أو بالتبعية أو الرجعية أو السطحية، لأن كل تلك الأوصاف مضى أوانها وانتهى رجالها"، على حد قوله. وطالب تلك التيارات المهاجمة أن "تتنبه إلى حقيقة ما يقولون وإلى الفتنة التي يسعون إليها، وأنه من الأولى بهم أن يسعوا إلى كسب احترام الناس بدلاً من العمل على استفزازهم"، مطالبًا إياهم بأن يدركوا حجمهم في الشارع السياسي، بعد الأغلبية الكاسة التي أيدت التعديلات الاستفتاء وأن يتوقفوا عن محاولات إقصاء الآخرين. وتساءل صالح في رده على الذين يتحدثون عن الاستقطاب الديني: هل قالت الكنيسة نعم؟، وهل كل من صوت ب "نعم" والذين تتجاو نسبتهم أكثر من 77% إسلاميون فقط؟، وقال إنه حتى لو كانت تلك هي الحقيقة فيجب احترامها باعتبارها الأغلبية، فمن يتحدث عن نفسه باعتباره مؤمنًا بالديمقراطية يجب أن يعي معناها. ووصف عضو لجنة التعديلات الدستورية، ما اعتبرها "محاولة لممارسة الوصاية ممن يرفضون نتيجة الاستفتاء والتي قاربت على 0 % باستبدادية العشرين"، في إشارة إلى نسبة المصوتين ب "لا"، واصفًا تلك اللغة ب "الكريهة". وطالب بالتوقف عن ترديد هذه النغمة التي تهاجم رأي الأغلبية، و"يجب أن نعيش تجليات ثورة 25 يناير وإبداعات ميدان التحرير"، معتبرًا أن المخاوف من نتائج الاستفتاء ليس لها محل وستثبت الأيام صحة ذلك. بدوره، رأى المفكر والباحث الدكتور رفيق حبيب، أن النخب العلمانية أرادت من المعركة التي أثارتها حول التعديلات الدستورية وقيادتها جبهة التصويت ب "لا" كانت تهدف من ذلك لفرض رأيها من أجل إعداد دستور جديد لا يكون للحضور الإسلامي فيه وزنًا نسبيًا يماثل وجوده بالمجتمع، مما أدى إلى عراك سياسي بين القوي العلمانية والقوى الإسلامية في الاستفتاء. لكنه أكد في النهاية أن الفريق الذي اختار التصويت ب "نعم" فرض كلمته في معركة الاستفتاء واستطاع أن يحسمها في للصندوق الانتخابي، فيما اعتبرها "ممارسة ديمقراطية تمثل إنجازًا أول لمصر في كل الأحوال، لأنه ما دام هناك اختلاف سياسي، فالاحتكام يكون لصناديق الاقتراع وهذه هي الطريقة المثلي لإدارة الاختلاف في الرأي". واتهم وسائل الإعلام "العلمانية" بأنها أشعلت المعركة السياسية منذ البداية عندما صورت مسألة وضع دستور جديد من قبل لجنة تأسيسية يقوم باختيارها برلمان منتخب بأن ذلك سيؤدي إلى دور مهم للحركات الإسلامية، فأرادت أن تجهض التعديلات الدستورية وتبحث عن حلول أخرى، وهي إما مد الحكم العسكري لشهور أو حتى سنوات، أو بتعيين لجنة تأسيسة- دون الاعتماد على الانتخابات- من قبل المجلس، وهو ما كان سيجعل المجلس العسكري حكمًا بين التيارات السياسية ويورطه في صراعات السياسة. وقال إن إقرار التعديلات الدستورية يمثل بداية لنقل السلطة من العسكريين إلى المدنيين، ثم يتم وضع دستور جديد لاحقًا، وهو الرأي الذي كانت تميل إليه كل الحركات الإسلامية، لأنها ترى أهمية قصر فترة الحكم العسكري من ناحية، وأن يوضع دستور جديد في حكم مدني، وربما ذلك لأن تلك الحركات هي التي اختبرت الحكم العسكري بصوره المختلفة وتعرف أهمية الانتقال لحكم مدني منتخب. ولخص الجدل الذي أثير حول التعديلات الدستورية بأنه يرجع في الأساس إلى "مناخ الحرية" الذي تعيشه مصر بعد الإطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك، والذي يسمح لكل تيار أن يحشد جماهيرية بناءً على شعاراته، فكما حشد التيار الإسلامي مستخدمًا شعاراته فعل الشيء ذاته التيار الليبرالي مستخدمًا شعاراته الليبرالية. وشدد حبيب على أنه لا يمكن حرمان التيار الإسلامي من رفع شعاراته وعناوينه كما كان إبان النظام السابق الذي عانى الإسلاميون كثيرًا تحت حكمه، "لأننا بذلك نضع قيود على التيار الإسلامي ونعود إلي ديمقراطية مقيدة". ولم يتوقف الأمر عند الإسلاميين وحدهم في القيام بعملية الحشد، بل يقول حبيب إن الكنيسة قامت بالدور ذاته، وكأنها الإطار التنظيمي للمسيحيين، حيث حشدت الصوت المسيحي في اتجاه "لا" مع النخب العلمانية، وهو أمر كان له جانب إيجابي وسلبي، الأول يمتثل في أن المسيحيين حددوا رأيهم ومارسوا حقهم السياسي وذهبوا لصندوق الاقتراع ولأول مرة بهذا الشكل الفاعل في الحياة السياسية، حيث يخرجوا إلى الشارع ومارسوا دورهم. أما الجانب السلبي الذي يراه حبيب فإن هذا تم داخل إطار الكنيسة، وكان من الأفضل أن يتم خارج أسوارها، لكنه في النهاية يصف المعركة بأنها كانت معركة ديمقراطية جيدة وأنها فاتحة لمعارك ديمقراطية أخري ستكون أكثر ترشيدا مما حدث. وقال حبيب إن هجوم النخب العلمانية ووسائل الإعلام التي تعبر عن توجههم يعيد طرح مقولات النظام السابق، متمثلة في محاولات التخويف من "الإخوان المسلمين" ومن الحركة الإسلامية ومحاولة نزع الدين عن السياسة، ومحاولة فرض وصاية علي المجتمع والحديث بأن المجتمع لم ينضج بالقدر الكافي كما كان يقول دائما النظام السابق. ووصف ما يحدث بأنه محاولة تقوم فيها النخب السياسية العلمانية بفرض رؤيتها بوصفهم خبراء ومتخصصين يحاولون فرض رؤيتهم على الدستور الجديد وعلي النظام السياسي المصري، ومحاولة إنتاج شكل جديد للاستبداد، لأن أي نظام سياسي لا ينبع من الإدارة الشعبية الحرة هو شكل من أشكال الاستبداد.