كل الصراعات حتى الحروب بين الدول لا حل لها إلا: مبادرات الصلح. والتفاوض. وطرح الحلول. وتقديم التنازلات المتبادلة. والالتقاء في منتصف الطريق. كل الصراعات تحكمها مجموعة من المعادلات والعلاقات منها: استحالة إفناء الخصوم، والتخلص منهم نهائيا. واستحالة تبخرهم. واستحالة إلقائهم في البحر. كل الصراعات القابلة للحل هي الصراعات التي يتخلص أصحابها: من سيطرة الحلول المثالية. وسيطرة أنماط اليوتوبيا على التفكير والسلوك. والتحرر من العيش في ظلال الإطلاقات الفلسفية والأخلاقية. حالة الصراعات لا يمكن تصور انتفائها، إنما العمل الوطني الراشد هو الذي يقوم على إدارة ناجحة للصراع، وترشيد مساراته، وعقلنة متطلباته. والصراعات الاجتماعية الممتدة (مثل الصراع الحادث في مصر منذ 3 يوليو) ينبغي التعامل معها بنوع كبير من الحذر لأنه: لا يفلح فيها التسويات الجزئية على السطح؟ ولا ينفع معها اتفاقات الإذعان. ولا يصلح لها مبادرات الإملاء. حتى اذا استسلم فريق (تحت مطرقة القوة الجبرية) فلا يأمن من حقق انتصارا وهميا بخروج أجيال أخرى لا تقبل بالتسويات، ولا بنتائجها، ولا بما ترتب عليها من إخضاع، بل يمكن أن تتهم قادتها السابقين أنهم وقّعوا اتفاقهم وهم واقعين تحت حد السكين، وأسلحة الخصوم مشهرة على الرؤوس. الصراعات الاجتماعية الممتدة (مثل الصراع الحادث في مصر منذ 3 يوليو) لا يحلها حقيقة إلا حلول محترمة تنطوي على حد معقول من الإنصاف، تحقق لكل طرف حدًا أدنى من المطالب، وتتم بشكل فيه قدر كبير من الاحترام: تحفظ ماء وجه جميع الأطراف، حتى الطرف المنهزم منهما. الصراعات الاجتماعية الممتدة (مثل الصراع الحادث في مصر منذ 3 يوليو): لا انتصار فيها بالضربة القاضية. ولا انتصار فيها بالاستقواء بالخارج. ولا انتصار فيها بإحداث انقلابات وتغييرات قسرية في الطرف المهزوم (لا تتم حسب اجراءاته ولوائحه الداخلية). الصراعات الاجتماعية الممتدة (مثل الصراع الحادث في مصر منذ 3 يوليو): لا يصلح فيها اللعب بالتكوينات الكبيرة. ولا الزج فيها بهوية المجتمع الدينية والفكرية. ولا استخدام ما استقر في وجدانه الجمعي من حيث الاجابات الوجودية: من نحن؟ ومن العدو الحقيقي؟ وما هو سقف الصراع؟ الصراعات الاجتماعية الممتدة (مثل الصراع الحادث في مصر منذ 3 يوليو) لابد لها من مبادرات تعمل على حلها، وعلى كل طرف أن يمهد بيئته الداخلية لقبول المبادرة مهما كانت التضحيات، ولا يرفع لأفراده سقف الطموحات والأحلام، لأن هذا يسد عليه باب القبول وقد يتهم بالخيانة من الداخل قبل الخارج، بعد أن يفقد مصداقيته. الصراعات الاجتماعية الممتدة (مثل الصراع الحادث في مصر منذ 3 يوليو) تكلفة إنهائها أقل من تكلفة الاستمرار فيها. أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا، وأبغض عدوك يوما ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما. وهكذا في العلاقات الكبيرة والمعقدة لا حب يدوم ولا خصام: فلا تشيطن خصومك، ربما اضطررت لمصافحتهم. ولا تكثّر أعداءك، ربما اضطررت لعقد هدنة معهم. ولا تفتح معاركك على كل الجبهات، ربما اضطررت لصلح ولو فيه دخن. ولا تقطع على نفسك خط الأمل في تغيير الأوضاع. ولا تقطع عن نفسك الرجاء في تحسّن الظروف والأحوال. لا تقطع على نفسك سبيل الرجوع، ولا خط الرجعة. الحياة جولات، وإقبال وإدبار، ونصر وهزائم، كر وفر، ومن سرّه زمن ساءته أزمان. وكل الصراعات لابد لها في النهاية من تفاوض، حتى الحروب التي تروح فيها مئات الآلاف بل والملايين من أرواح البشر. مبادرة، وتفاوض، وحلول وسط، وتنازلات متبادلة، وتهيئة البيئة الداخلية لطي صفحة الماضي: بحلوها ومرها، وانتصاراتها وهزائمها، وصعودها وهبوطها، وبدء صفحة جديدة أيا كان المستوى الذي بلغته حدّة الصراعات، وأيا كان مستوى الخسائر، فوقف سيل الخسائر هو أول القرارات الصائبة لمن عرف خطأ بوصلته، والنتائج على الأرض حاكمة، وليست الأمور بالأماني ولا بالتمني، والمكابرة خداع للذات وللغير، وإنكار الحقائق الصلبة على الأرض جريمة، والإصرار على الخطأ خطيئة. كل الصراعات لابد لها في النهاية من تفاوض، حتى الحروب الحقيقية أو الحروب المشتعلة والتي تهدد الكيان الوجودي لكل طرف تتخللها فترات حرب باردة يطوي فيها كل طرف سلاحه، وتهدأ النيران المشتعلة، وتكفّ الأسلحة عن الكلام لتتكلم طاولات الحوار، والرسل ورسائلهم، وتتحدد سقوف الصراع والمقبول وغير المقبول، وليس الإيمان والكفر. المبادرات هي التطور الطبيعي للصراع إذا بلغ ذروته، فليست هناك صراعات لا منتهى له. والصراعات لها سقوف حتى لو بلغت عنان السماء، فلابد لها من حد، وليست هناك صراعات لا سقوف لها. والعاقل من القادة أصحاب الرؤى الملهمين هم من: يتجاوزون ببصيرتهم اللحظة ومقتضياتها، وأزماتها، وضغوطها، وآلامها، وجراحها. والعاقل من القادة أصحاب الرؤى الملهمين هم من: يطرحون الحلول ويستبقون المبادرات بتهيئة البيئة الداخلية لقبولها والتفاعل معها. والعاقل من القادة أصحاب الرؤى الملهمين هم من: تكون حلوله أكبر من مشاكله، وبدائله أكبر من أزماته، وخطوط حركته في كل الاتجاهات وليس في اتجاه واحد فقط هو اتجاه التصعيد والمطالبة بالثأر. والعاقل من القادة أصحاب الرؤى الملهمين هم من: تكون قدرته على نقل الصراع من معادلاته الصفرية، الى معادلة فوز- فوز أكبر من استسلامه لمقتضيات حالة الصراع وتفاعلاتها وما تجلبه على بنيانه الداخلي من توترات، أو تفرضه من مسارات. العاقل من يعرف متى يتوقف، ومتى يرجع؟