ربما يرى فريق 30/6 أن معهم ألف حق فيما فعلوه ويفعلونه, ربما يرون أن الإخوان والرئيس مرسي أخطأوا ويستحقون كل ما يحدث لهم , ربما يُشجع بعض من قادة الإقليم هذا المسار, ربما يدفع سياسيون وإعلاميون لاستمرار هذا التصعيد.. ربما يرى المعارضون لمسار 30/6 أن معهم ألف حق لمقاومة ومناهضة هذا المسار .. لكن, أين الوطن ومصلحته في كل ما يجري ؟ مهما اختلف الناس في تحديد المتسبب والمسئول, فيبقى الوطن في أزمة , والقدرة على إدارة الأزمة بخيارات أمنية واقتصادية واجتماعية وقانونية واقليمية قد ينجح بعض الوقت , لكنه يعني بإختصار شديد ( استمرار الأزمة) , فمن يوجه بوصلة الوطن من مسار (إدارة الأزمة) الى مسار (حل الأزمة) , فإدارة الأزمة يعني استمرارها, وحل الأزمة يعني نهايتها .. والفارق ضخم وكبير .. فإستمرار الأزمة يعني أن حال البلد ليس بخير, وهو ما يعترف به المؤيد والمعارض,وبدلا من توجيه الجهود والمساعدات لتنمية مصر وتطورها , نجدها تتركز في إدارة الأزمة, وهو ما ينعكس سلبا على جوانب متعددة, منها : الخطر الاقتصادي لقد بلغ تعداد سكان مصر 94 مليونا ,وهذا رقم كبير, وهو يقترب من خمسة اضعاف أغني بلد عربي " السعودية" وأكثر بكثير من سكان دول كبيرة اقتصاديا ذات تصنيف متقدم ( كألمانيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا وتركيا وإيران), وهذا يعني أنه لن تستطيع أي دولة أن تستمر في مساعدة بلد كبير بهذا الحجم مالم تقم الدولة نفسها بمسئولياتها, كأن تفي (مثلا) ب90% أو 80% من مسئولياتها, وتلجأ الى المساعدات لسد النقص أو العجز, لكنه من المستحيل أن نتصور أن أحدا يمكنه القيام ب 90% أو 80% من الاحتياجات, وتقوم الدولة بتوفير 20% فقط من احتياجاتها, لماذا ؟ : لأنها في أزمة !! الخطر الاجتماعي كما أسلفنا, ودون الدخول في تحميل المسئولية لطرف دون أخر, فإن النتيجة لا تتغير, حيث طالت الآلام عشرات الآلاف من الأسر المصرية ما بين المقتولين والمجروحين والمطاردين والمحبوسين, وهؤلاء لهم روابط من الأهل والأباء والأمهات والأشقاء والأقارب والجيران عدا المتعاطفين معهم داخليا وخارجيا .. قد يكون الخيار المُتخذ لمعالجة هذه القضية هو تحميلهم المسئولية, ووصمهم بالإرهاب, وإخافتهم وردعهم لاسكاتهم, لكننا عبر التاريخ كله, وفي أكثر من بلد, لم نجد أن مثل هذه المعالجة قد حسمت مثل هذه القضية .. قد يصمت هؤلاء, قد تخفت أصواتهم , قد لا تراهم العيون .. وحينئذ نقول : انتهت القضية ..لكنها ابدا لم تنته !! لأن ما في الصدور سيبقى في الصدور مدخرا ليوم أخر, وعدم رؤيتنا للعلل لا يعني عدم وجودها .. القدور تغلي إنك قد تأتي بإناء وتضعه فوق النار ويظل يسخن, فإن لم تبعده عنها فسينفجر الغطاء وقد يحترق ما بداخله, وإن كان ما به ماء ( وهو أبسط الأشياء) فإن وجوده على النار باستمرار يؤدي الى غليانه , وأي قدر مسكوب من هذا الماء المغلي يؤدي الى احراق جلد من ينسكب عليه, وقد يقول قائل : فليحترق الإناء لنتخلص منه .. لكنه حين ينفجر أو يحترق أو ينسكب فإن آثاراً منه قد تصيب ما ومن حوله, وسينتشر دخان الاحتراق ليصيب كثيرا من الناس, لم يكونوا بالقرب منه..لذلك, ما من أحد يضع إناء على النار, إلا ويسارع بعد وقت لإبعاده عنها, ليس خوفا على الإناء وما فيه (وإن كان الخوف عليه لا ملامة فيه) ولكن خوفا من تداعيات الحريق والدخان .. الخطر السياسي لقد بُذلت جهود سياسية واجتماعية وفكرية وأمنية لمحاربة التطرف والإرهاب, وتم فتح قنوات أمام التيارات المعتدلة لتقديم النموذج البديل, وقيل لأهل العنف والتطرف : لماذا لا تعملون داخل المسارات العامة للتعبير عن آرائكم بدلا من خيار العنف والسلاح ؟ لماذا لا تقبلون بقواعد اللعبة الديمقراطية ؟ ولماذا لا تتخذون المسار السلمي نهجا للتغيير؟ .. وقد اثمرت هذه الجهود, وأفضت الى تيارات اسلامية تؤمن بالديمقراطية وبالتغيير السلمي, ونهج الاعتدال,وهو ما أدى الى توجيه اللوم لها, ووصل الى حد تكفيرها من بعضهم (على سبيل المثال ,كتاب "الظواهري": الحصاد المُر للإخوان المسلمين "المفلسين" 60عاما) فما هي الرسالة التي نريد توجيهها للجميع, هل نريد أن ندعم وجهة نظر تيارات العنف ؟ هل نريد للتيارات المعتدلة أن تكفر بالنهج السلمي ؟ إنني أشعر بالفزع مما يكتبه بعض الشباب على مواقع التواصل الإجتماعي, وأرى مراجعات عكسية, لا من العنف الى الاعتدال , ولكن من الاعتدال الى العنف, مدعومة بمشاهد وأحداث تبرهن عى صحة توجههم الجديد ..فكم يشقى المجتمع , بل والإقليم كله , سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا, حين ندفع برصيد جديد يضاف الى تيارات العنف والتشدد, بعد أن كانت النتيجة خلال السنوات الماضية خصما من تيارات العنف لصالح تيارات الاعتدال. الأمر الأخر (والذي احسبه هاما), وهو ما حرص عليه ساسة من أكثرالكارهين للتيار الإسلامي, وهو التوازن المجتمعي, بحيث تتوازن طائفة مع طائفة وتيار مع تيار فلا يطغي احدهما على الأخر حين تخلو له الساحة ويطالب باستحقاقاته ,.. كأن تقول للأول : ألا ترى الأخر وحجمه وتأثيره ؟ وتقول للأخر : ألا ترى الأول وحجمه وتأثيره ؟ , وهنا يكون دور الدولة في إدارة التنوع لتحقيق التوازن المجتمعي ذاتيا دون أن تضطر الدولة الى الدخول في صراع مباشر مع أحد لتخفيض سقف تطلعاته أو تجاوزاته .. إن المخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية قد تضطر صناع القرار الى فعل ما يكرهون, كما قلت في مقال سابق عن "الخوميني" حين أضطر الى اتخاذ قرار وقف الحرب مع العراق , فقال : كأنني اتجرع السُم بقرار وقف الحرب !! فمن ينال من شرفي الدنيا والأخرة ويتخذ قرارا بإطفاء النيران ؟ ويُعيد للمجتمع توازنه وعافيته ؟ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.