إذا كانت القوانين البيولوجية قد قررت أن السمكة حين تفسد فإنها تفسد من رأسها ,فإن قوانين التطورالإجتماعى تخبرنا بأن المجتمعات تفسد من نخبها وجزء كبير من النخبة المصرية تعانى من فشل ثلاثى أى أنها لا أقول ذات قوة إفساد واحدة ولا اثنتان بل ذات قوة إفساد ثلاثية ....أما الأولى فإنها خاصمت عقيدتها وتنكرت لهويتها وتمردت على انتماء شعبها وأغرقتنا فى نظريات وافدة سواء فى مجال السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو الثقافة وانخدعت بمصطلحات خالية من أى مضمون حقيقى مثل الحداثة ومابعد الحداثة وظلت طوال عقود حرباً على مصر وشعبها وخضعت لسياسة الإلحاق والتبعية إلى أن أوصلنا بعض التافهين من هؤلاء إلى حضيض الإحتفال والاحتفاء بمناسبة الإحتلال الفرنسى لمصربدعوى أن الاحتلال كان سبباً فى نهضة مصر الحديثة التى لم نرها أبداً سوى دولة محتلة باستعمار خارجى أو مخطوفة بواسطة وكلاء محليين حولهم مجموعة من الأذناب والأزلام . أما قوة الفساد الثانية فهى تتمثل فى قدرة شخص عديم الموهبة محدود الثقافة "لم يقرأ كتاباً منذ 18 عام " يدين بالتبعية لأعداء الوطن ويجيد الإنبطاح وويؤمن بالدكتاتورية والاستبداد ويمارس التعذيب المنهجى فى سجون نظامه ويتوسع فى استخدام المحاكم الإستثنائية ضد خصومه السياسيين ويجعل أجهزة إعلامه تسير وفق نظريات جوبلزية بائدة ويرعى الفساد كيف يقبل مثقف يحترم نفسه أن يتعايش مع هذه المنظومة فضلاً عن أن يكون جزءاً منها يتم شراءه أحيانا بمجلة أو جريدة وأحياناً صفحة بل عمود أو جائزة أو يتفضل عليه وزير الثقافة بتعيينه مستشاراً ..لقد عجبت حين رأيت أحدهم يدافع عن فاروق حسنى باستماتة فى موقعة اليونسكو وبإصرار ويفرد له الصفحات ولما أبديت دهشتى أمام أحد أصدقاءه بطل عجبى على الفور فقد علمت أنه أحد الذين أغدق عليهم الوزير بالمستشارية مقابل خمسين ألف جنيه شهرياً دون أن يفعل شيئاً بالوزارة " متشال لوقت عوزة فقط " وما أكثر هؤلاء أتمنى أن ينشر وزير الثقافة الجديد قوائم أصحاب الحظوة الحائزين على لقب مستشاروكم الأموال التى أنفقت على جيش العاطلين من مدعى التنوير والثقافة من جيوب الشعب المصرى الفقير . أما ثالثة الأثافى التى جعلت هؤلاء ذوى قوة فساد ثلاثية فهى فوبيا الإخوان المسلمين التى فاقت كل الحدود برغم المرونة السياسية التى أبداها الإخوان وبرغم تميز دورهم فى حماية الثورة وشبابها وإنكارهم لذاتهم بعدم التحدث عن هذا الدور وأيضاً اعلانهم عدم التقدم بمرشح رئاسى وعدم الإشتراك فى الحكومة الإنتقالية بالإضافة إلى أخطر قرار اتخذه الإخوان والذى يعبر عن مثالية غير موجودة فى عالم السياسة هى قرارهم بالترشح على نسبة من مقاعد المجالس النيابية لا تعطيهم أغلبية ورغم كل ذلك فوجىء أغلب المصريين بإعلان موقف غاية فى العجب وهومطالبة شريحة من المثقفين والنخبة باستمرار العسكر سواء فى صورة المجلس العسكرى أو بتمثيلهم فى مجلس رئاسى وتعطيل الحياة النيابية بدعوى أن الإخوان هم التيار المنظم الجاهز لخوض معركة انتخابية ...ما هذا المنطق المعوج ؟ كيف نعاقب المجتهد ونكافىء البليد ؟ كيف نطلب تكتييف الإخوان وتقييدهم ونقوم بتعطيل الحياة النيابية لمدة عام أو عامين إلى أن يتم اختراع قوى جديدة تكون قادرة على منافسة الإخوان أو ضخ دماء جديدة فى عروق الأحزاب التى رفضت أن تدفع ثمن خروجها إلى الشارع لتلتحم بالجماهير لقد عمل الإخوان فى مناخ أمنى وإعلامى أسوأ بكثير من المناخ الذى عملت فيه الأحزاب وهم الوحيدون الذين قدمت قياداتهم إلى محاكم عسكرية ...لقد دأب هؤلاء على تبنى فكرة فصل الدين عن السياسة بدعوى أن الدين مقدس والسياسة مدنس فكيف نجمع بين المقدس والمدنس ؟ والآن يناقضون أنفسهم ويريدون إلباس الأمور ثوب القداسة والمثالية !!! أى دجل وأى دروشة هذه التى يريد مجاذيب الثقافة المصرية ترويجها ...هؤلاء المطبلاتية الذين لم يتبعهم سوى قلة من أصحاب المصالح الحزبية الضيقة والسيدة منى الشاذلى التى بدأت تؤسس لمرحلة جديدة تحل فيها القنوات الخاصة محل القنوات الحكومية حتى أنها تشعرك فى الفترة الأخيرة أن جميع الأسئلة قد تبخرت من رأسها سوى سؤال واحد إجبارى تلح به على كل ضيوفها ..ماذا لو أجريت الإنتخابات الآن وليست هناك تنظيمات أو أحزاب جاهزة لخوضها سوى الإخوان ..إن تبنى الإعلام الخاص لهذه الرسالة الإعلامية والإلحاح بها قد يعطى إيحاء يسىء إلى المجلس العسكرى ..فقد يشعر المتلقى للرسالة بأن الجيش يحتاج إلى مهلة ريثما يقوم بترتيب الأمور ولكن المطالبة ببقاءه فى الحكم يجب أن تأتى من مثل هؤلاء المثقفين ويتبناها الإعلام الخاص حتى تبدو وكأنها دعوة بريئة من أى غرض والرسالة الأخرى مفادها أن هناك من يعتبرون أنفسهم أوصياء على شعب أثبت بالدليل القاطع أنه أكثر من كل هؤلاء وعياً حينما صنع ثورته بعيداً عن محاضنهم الفاسدة الشعب المصرى شب عن الطوق ولم تعد تنطلى عليه أساليب الدجل وحفلات الزار السياسى وتحضير شمهورش ليخوف الناس من الإخوان الذين أنصفهم كل من كانوا فى ميدان التحرير حتى ساويرس برغم حجم اختلافه مع الإخوان إلا أنه قدم شهادة حق لدورهم الغير منكور فى نجاح الثورة وحمايتها ...دعوا الناس يختارون بحرية دون ضغوط إعلامية موجهه واحترموا مبادرة الإخوان بترك ما يقرب من 70% من المقاعد للتنافس من خلال انتخابات قيل أنها فردية وساهموا فى أن يفرز مناخ الثورة اللاهب بأنفاس الشباب البرلمان الجديد قبل أن يخبوا الحماس ويتطهر الفاسدون ويتكلم المال ودعوا العسكر يعودوا إلى سكناتهم كما وعدوا ...يبدو أننا فى حاجة إلى ثورة أخرى يقوم بها الشباب لتطهير المناخ الثقافى من الشللية فى دولة العواجيز كما سماها الأبنودى .