بعد أن وصفت المفوضة السامية لحقوق الإنسان القمع الدموي الجاري في ليبيا ب "جرائم ضد الإنسانية" وطالبت بفتح تحقيق مستقل بشأنه، انتقد مجلس الأمن الدولي حكام ليبيا لاستخدامهم القوة ضد المتظاهرين المسالمين ودعا إلى "محاسبة المسؤولين عن الهجمات على المدنيين" وإلى "إنهاء العنف فورا". يوم الثلاثاء 22 فبراير، خرجت الهيئات الأممية عن صمتها للتنديد بأعمال القمع الجارية في ليبيا التي أدت إلى سقوط مئات الضحايا (حوالي 400 حسب الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان وما لا يقل عن 1000 شخص حسب تصريحات وزير الخارجية الإيطالي). وبعد نافي بيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان التي دعت من جنيف إلى "وقف فوري لأعمال العنف"، واعتبرت أن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين العزل في ليبيا "قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية"، انتقد مجلس الامن التابع للامم المتحدة حكام ليبيا لاستخدامهم القوة ضد المتظاهرين المسالمين ودعا في بيان أصدره في وقت متأخر من مساء الثلاثاء إلى "محاسبة المسؤولين" عن الهجمات على المدنيين. وأعرب بيان وافق عليه المجلس المؤلف من 15 دولة بعد يوم من مناقشة الإشتباكات المتواصلة في الدولة المنتجة للنفط بشمال افريقيا عن القلق البالغ للوضع هناك ومقتل مئات المدنيين. ودعا البيان أيضا الى انهاء العنف فورا و"اتخاذ خطوات لتلبية المطالب المشروعة للسكان بما في ذلك الحوار الوطني". وفي باريس، حث الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أوروبا يوم الاربعاء 23 فبراير على تعليق جميع علاقاتها الاقتصادية مع ليبيا وتبني فرض عقوبات عليها في أعقاب القمع الوحشي للاحتجاجات هناك. وقال ساركوزي في بيان صدر عقب الإجتماع الأسبوعي للحكومة "أطلب من وزير الخارجية أن يقترح على شركائنا الأوروبيين تبني فرض عقوبات سريعة وملموسة حتى يعلم جميع المتورطين في أعمال العنف أنه سيكون عليهم مواجهة تبعات أفعالهم"، كما عبر عن الأمل في "تعليق العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية مع ليبيا لحين إشعار آخر". وأوضح الرئيس الفرنسي أيضا أن "الإجراءات المحتملة تشمل تقديم المتورطين إلى العدالة ومنعهم من السفر إلى الاتحاد الأوروبي ومراقبة تحويلاتهم المالية". وبغض النظر عن إعلانات النوايا هذه، ما هي الوسائل المتاحة لدى المجموعة الدولية من أجل وضع حد للقمع الدموي في ليبيا؟ وهل تتوفر العدالة الدولية على الوسائل الكفيلة بإدانة معمر القذافي وأعوانه؟ محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات مع بيير هازان، المتخصص في العدالة الدولية والأستاذ المحاضر في كلية العلوم السياسية بباريس. swissinfo.ch: في عام 2008 أرسلت الأممالمتحدة قوات عسكرية إلى دارفور لحماية السكان. ألا يمكن تصور تدخل مماثل في ليبيا؟ بيير هازان: من الناحية النظرية، يمكن أن يقوم مجلس الأمن بالعديد من الأشياء، لكن من الناحية العملية، سأكون مندهشا جدا لو حدث ذلك. المعادلة مختلفة تماما بين ليبيا والسودان والعديد من دول المنطقة ستكون قلقة من هجوم محتمل ضد ليبيا خوفا من استتباعات تأثير "الدومينو" على سيادتهم الوطنية. أما القوى الغربية، فليست لديها الإمكانيات للدخول في مغامرة من هذا القبيل بل إن العديد من العناصر تقف حائلا دونها. فديون الولاياتالمتحدة والبلدان الغربية الكبرى الأخرى معتبرة كما أن قواها العسكرية محدودة بحكم أنها منتشرة بعدُ في أفغانستان والعراق. إضافة إلى أن مبدأ هذا التدخل نفسه سيكون مثيرا للإشكال. هل تفسر الخشية من تدفق كثيف للمهاجرين قد ينجم عن انهيار نظام القذافي الحذر الذي يبديه الأوروبيون؟ بيير هازان: لا بل على العكس. فبقدر ما تسرع عملية سقوط النظام، بقدر ما يمكن الإسراع في إقامة حكومة جديدة بما يتيح مراقبة أفضل لتدفقات الهجرة. إن ظهر القذافي مُسند إلى الجدار تماما، فلم يعد لديه ما يخسره وبإمكانه استخدام سلاح المساومة بالهجرة الوحشية (بدون ضوابط). أما مع حكومة جديدة، قد تكون بحاجة إلى المساعدة الدولية، فإن المعطيات ستتغير. من جهة أخرى، فإن المعادلة السياسية على المستوى الإقليمي مختلفة أيضا. فالتضامن بين البلدان العربية التي كان يُلوح به قبل شهر، لم يعد مطروحا بعد أن أطلق القذافي حملة تعقب ضد الأجانب في بلده. وبعد أن ارتفعت أسعار النفط فإن مصلحة العديد من البلدان المستهلكة تتمثل في استعادة الإستقرار. إنني لا أعتقد أن العودة إلى ألأوضاع الطبيعية يمر – بالنسبة لهذه البلدان – عبر بقاء القذافي في السلطة. وفي المحصلة، فإن موازين القوى ستكون حاسمة. فإذا ما زال لديه جيش قوي بما فيه الكفاية ولا ينقسم وراء ظهره، فربما يكون قادرا على استعادة زمام الأمور وسط الدماء أما في الحالة العكسية فإن سقوطه سيكون أمرا محتوما. عمليا، يشن القذافي وميليشياته في الوقت الحاضر حربا أهلية ضد مواطنيهم. هل تتوفر العدالة الدولية على الوسائل الكفيلة بإدانة هذه الأعمال؟ بيير هازان: لقد وصفت نافي بيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان هذه الهجمات بجرائم ضد الإنسانية وطالبت بإنشاء لجنة تحقيق. كما يمكن للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق. كما يمكن لمجلس الأمن أن يتخذ من جهته عددا من الإجراءات حيث يمكن أن يفرض عقوبات وتحويل القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما من شأنه أن يُحدث أثرا أقوى بكثير. في حالة دارفور، تم الإلتجاء إلى المحكمة الجنائية الدولية عن طريق قرار اعتمده مجلس الأمن. وفي حالة ليبيا، يمكن لمجلس الأمن أن يقوم بالشيء نفسه. إن وسائل العمل موجودة، لكنها محدودة نسبيا. ما الذي يمكن انتظاره من التحقيق الدولي الذي تطالب به الأممالمتحدة؟ بيير هازان: إجراء جرد دقيق للوقائع، لكن هذا سيستغرق وقتا. وإذا ما تأكدت الوقائع، وإذا ما اتضح أنها ذات طابع إجرامي مثلما يُفترض، ستتم إدانة معمر القذافي. لكن هذه الإدانة لن تكون لها قيمة فعلية إلا إذا ما اعتبر جهاز قضائي أن المسألة تدخل ضمن اختصاصاته ويقوم باستلام الملف. وللقيام بهذا، لا أرى (مؤهلا للقيام بذلك) إلا المحكمة الجنائية الدولية. إضافة إلى ذلك، يمكن تحريك مبدإ الولاية العالمية القضائية (Compétence universelle)، وتبعا لذلك يمكن إيقاف المسؤولين عن هذه المذابح لدى عبورهم ببلد أجنبي يقوم أيضا بملاحقتهم قضائيا. أدين الرئيس السوداني عمر البشير بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وهي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا لرئيس مباشر. هل المحكمة مطلقة الأيادي للقيام بتحرك مماثل ضد القذافي؟ بيير هازان: الموقف الذي سيتخذه مجلس الأمن سيكون حاسما. فإذا ما قرر رفع الشكوى إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، فستكون الرسالة قوية بما فيه الكفاية. لكن لا بد من أخذ الحيطة مع التوصيفات. إذ أن بعض المعارضين الليبيين يتحدثون عن إبادة ولكننا ما زلنا – لحسن الحظ – بعيدين جدا عن ذلك بالرغم من أن أعمالا إجرامية ودموية قد حدثت فعليا حسبما يبدو. هل يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تلاحق الدكتاتوريين الآخرين المُطاح بهم في المنطقة، أي حسني مبارك وزين العابدين بن علي؟ بيير هازان: الحالات مختلفة جدا. فإطلاق الرصاص بواسطة الرشاشات على المدنيين من الطائرات والمروحيات يذهب إلى أبعد بكثير من القمع الذي مُورس في تونس ومصر. فالحكومة التونسية طلبت (من السلطات السعودية) تسليمها بن علي وهي تقيم الدليل بذلك على إرادة سياسية واضحة في ملاحقة الديكتاتور المخلوع. فالمحكمة الجنائية الدولية لا تتدخل إلا في آخر المطاف، وفي هذه الحالة لا يُوجد مبرر للقيام بذلك. أما بخصوص مبارك، فهو لا زال مقيما في بلاده. والسلطات المصرية هي المختصة بالدرجة الأولى بمحاكمته. في المقابل، فإن إصدار بطاقة توقيف بحق معمر القذافي سيكون رمزا قويا لفائدة العدالة الدولية. المصدر: سويس انفو