عرض حزب البديل الحضاري تحت التأسيس، مبادرة جديدة لإجراء مصالحة سياسية بين كل الأطراف المتنازعة على الساحة المصرية، وجاء في المبادرة التي أعلن عنها الحزب منذ قليل في مؤتمر صحفي ثلاثة محاور: الأول قانوني والثاني سياسي والثالث اقتصادي. وتقوم المبادرة على أساس فكرة الاستفتاء على خارطة الطريق وانتظار موقف الشعب منها، بحيث تأخذ شرعيتها من الشرعية الشعبية وليس بالفرض من قبل المتولين إدارة الدولة حاليًا. وأنه في حال الموافقة الشعبية على الخارطة يتم اعتمادها رسميًا وتشكيل مجلس رئاسي مدني مكون من كل الفصائل ومؤسسات الدولة، يقوم بإدارة الدولة والإعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد ستة أشهر من تاريخ توليه. أما في حالة رفض الخارطة من قبل الشعب، فيعني ذلك عودة الرئيس المعزول محمد مرسى إلى سدة الحكم، ويقوم هو بالإعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في مدة لا تتجاوز 6 أشهر. وشدد الحزب خلال المؤتمر الصحفي المنعقد حاليًا، على عدم انتمائه لأي فصيل سياسي بما فيه التحالف الوطني لدعم الشرعية، مشيرًا إلى أنه فقط يسعى لإعلاء مصلحة الوطن. وإلى نص المبادرة: نص مبادرة حزب البديل الحضاري، راقب الحزب البديل الحضاري عن كثب، بمرارات عميقة، ما وصل إليه المشهد السياسي في البلاد من تأزم وتدهور شديدين، وما انحدر إليه الوضع الاقتصادي من التدني البالغ الذي هوى بالاحتياطي النَّقدي وعجز الموازنة والدين العام الداخلي والخارجي إلى أرقام مفزعة تنذر بكارثة شاملة، لكن مكمن الأوجاع الأكثر إيلاماً من هذا كله، كان مستوى العنف وحجم الدماء المصرية الزاكية التي أريقت أنهاراً بضمائر متبلدة لا ترعى لحق الحياة حرمة ولا تبالي بحجم المرارات والثارات المتخلفة عن هذا الكرنفال الدموي البشع الذي لم تشهده مصر عبر تاريخها الحديث كله، والذي جعل من صلوات الجنائز عملاً يومياً نؤدِّيه في كل لحظة على عشرات تُراق دماؤهم الغالية يومياً بوتيرة متصاعدة أثرت بصورة جذرية على السلم الأهلي ودفعت بالوطن إلى مباراة صفرية مجنونة يدفع الجميع ثمناً باهظاً كُلفة لها، دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل أو بقية حكمة. ونحن إذ نوجه التحية، مجدداً، لكل شهداء ومصابي ثورة 25 يناير والموجات الثورية اللاحقة والتي لا تزال متفاعلة ممتدة تنشد الحريات المدنية وتطالب بالعدالة الاجتماعية، فإنما فضلنا باستلهام قيم هذه الثورة الإنسانية الكبرى أن نطرح هذا المقترح بمبادرة شاملة تمنح الوطن المختنق بضفيرة هائلة من الأزمات ضوءاً يسيراً في أفق معتم، ونؤكد ابتداء أن هذه المبادرة هي نتاج خالص لحزب البديل الحضاريّ ولا ترتبط بأي كيانات سياسية أخرى أو بأي مؤسسة من مؤسسات الدولة، حيث رأى الحزب أنه من واجبه في هذا التوقيت العصيب الذي تلوح فيه نذر الفاشية وتتدفق شلالات الدم بلا ترفق وتباشر فيه ماكينة الإعلام المنفلت أسوأ خطاب تحريضي عنصري لم يكف للحظة واحدة عن تسميم المشهد وشيطنة شريحة من المصريين بلا هوادة بل وتمهيد الأجواء الكالحة لإطلاق سيل الحقد العنصري الموتور وفتاوى الاستباحة التي تمضي حثيثاً في ترسيخ التقسيم وشرعنته بضوء أخضر من رأس المال السياسي الذي يصر على تحدي حقّ المصريين في الحياة والسلام الاجتماعي والحريات والعدالة الاجتماعية الشاملة، رأينا أنه من واجبنا في هذه الأجواء الملغومة القيام بدورنا المحتم في لم الشمل وإصلاح ذات البين وأداء الفريضة الإيمانية الملحة التي يحتمها الوازع الديني والوطني، حيث يتعين أن تظهر "الطائفة الثالثة" التي تمد الجسور بين أبناء الوطن الواحد وتجعل الخلاف مصدراً للتنوُّع، ومضبوطاً بالمسارات الآمنة للوطن، ومعززاً لما طبع عليه المجتمع المصري، من قديم، بمسلميه ومسيحييه، من التسامح وتماسك النسيج الاجتماعي. وتنسجم هذه المبادرة مع يقيننا بوجوب أن تنبع (الحلول) من الداخل دائماً لا أن تُفرض من (الخارج) حين تتعقد الأزمة إلى مدي تخرج الأمور معه في انفجارها عن حدود السيطرة، وهي نقطة ندعو الله في صلواتنا ألا تصل تداعيات الأزمة إليها مهما كان الثمن. وننوه، مرة أخرى، بالاستقلال الوطني والفكريّ لهذه المبادرة في رؤيتها السياسة الخاصة، مؤكدين أنه لا شأن لهذه المبادرة التي اختمرت في أروقة الحزب منذ أكثر من أربعة أشهر، بما طرح أخيراً من خلال بعض الحوارات والزوايا والأعمدة الصحفية من مبادرات. وإذ نؤكد اعتزازنا بقواتنا المسلحة، وهي درع الوطن وسيفه، فإنما نحذر، بدوافع وطنية خالصة، من مخاطر انغماسها في العمل السياسي وخطورة ذلك على صورتها الذهنية كحاضنة شعبية حاوية لجميع المصريين، على اختلاف ولاءاتهم وأطيافهم، كما نحذر من مخاطر استثمار بعض القوى السياسية هذه الوضعية لتصفية الحساب مع الخصوم السياسيين أو شيطنة ثورة 25 يناير، بقيمها ورموزها، إذ نؤكد ذلك فإنما نؤكد تجاوبنا المتفاعل مع المسار الثوري الممتد الذي تتصدره الموجات الشبابية المتوقدة، غيرة وحماساً، والتي تمثل في ضمائرنا رهانات المستقبل، ونشدِّد هنا على أن هذه المبادرة جزء من نبض هذا المسار وخطوة جادة في طريق أشواقه وطموحاته الثورية النقية. وإذا كان العمل على اكتمال المسار الثوري ثابتاً من ثوابتنا التي لا نحيد عنها فإن الإصرار على نيل حقوق الشهداء الذين تطهروا بضريبة الدم منذ ثورة 25 يناير حتى الآن كان ثابتاً آخر من ثوابتنا التي لا نترخص للحظة في صون حقوقها مهما تجشَّمنا من عناء. وبعد أن تدارسنا جيداً، بدقة وأناة، كل المبادرات التي طرحت بعد 3/7 حتى لحظة تقديم هذه المبادرة، وتدارسنا بالقدر ذاته كل نماذج العدالة الانتقالية في البلاد التي شهدت ثورات وسعت في المراحل الانتقالية لضبط العلاقات المدنية / العسكرية بعد مخاضات عسيرة، رأينا طرح هذه المبادرة على السلطة الانتقالية الحالية في مصر وكل القوى السياسية بلا استثناء، آملين أن ينظر الجميع إلى مواطئ أقدامهم ويقدرون بالمسئولية الواجبة المدى الذي وصل إليه المصريون من الملل والحزن ونفاد الصبر والتضييق في الأرزاق، واختناق صورة المستقبل ووعوده. ويقترح حزب البديل الحضاري أن يستبق هذه المبادرة بما يُعرف، سياسياً، ب"إجراءات بناء الثقة" التي توفر مناخاً ذهنياً ونفسياً ملائماً لإتمام المصالحات ونزع المقت الأسود من القلوب، وتتمثل في المسارعة إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين من كل التيارات والمحبوسين احترازياً أو المحتجزين دون تهم جنائية (موثقة) جادة، وفتح القنوات التي أغلقت وحدها دون غيرها برغم تورط (الغير) في كل جرائم المهنة، وإعادة المطبوعات التي تعطلت وإيقاف الملاحقات الأمنية علي الرأي السياسي، فضلاً عن إيقاف الإجراءات والقوانين الاستثنائية المكبلة للحريات، وتعزيز مناخ الحريات والثقة مجدداً، تمهيداً لتفريغ القوات المسلحة لمهمتها الوحيدة في حفظ الحدود وصيانتها من الاعتداء الخارجيّ ليصبح العمل السياسي عملاً مدنياً خالصاً تسوده روح المنافسات الديمقراطية الصحية التي تحفظ سلامة الأوطان ووحدتها، بما يقتضيه ذلك من رفض التكفير الديني أو الوطني من أي حزب أو جماعة أو مؤسسة من مؤسسات الدولة، وتغليظ حرمة الدماء المراقة من المتظاهرين السلميين أو أبناء الجيش والشرطة فالدم كله سواء، فلا بناء ولا مسعى للعمل الإنمائي وتحقيق أهداف الثورة إلا بالاصطفاف الوطني دون إقصاء، ولا نشك للحظة في أن الكيان الصهيوني هو أكثر الأطراف الإقليمية والدولية سعادة بما يدور في مصر وتربصاً للإيذاء ليحرق جزءاً من آمال المستقبل، ويصعب إلى أبعد الغايات من مهمة أي وسطاء في المستقبل المنظور أو البعيد. وتتفرع المبادرة في هيكلها العام إلى ثلاثة روافد ومسارات، فهنالك مسار (سياسي) ويتكامل معه مسار (قانوني) يتأسس على فكرة العدالة الانتقالية ونماذجها العالمية المعروفة التي وصلت إلى ثمانية وعشرين نموذجاً تخيرنا منها ما يلائم الحالة المصرية. وهنالك، أخيراً، مسار اقتصادي اجتهدنا أن يمنح الاقتصاد المصري المتهاوي أنفاس البقاء والمواصلة. أولاً: المسار السياسي يعتمد هذا المسار، في مسعاه لحلحلة الأزمة السياسية الخطيرة والمستحكمة، في جوهره، على إجراء استفتاء شعبي مصيري جاد يتمتع بالحيدة والنزهة في جو يتسم بالحرية ويخلو من الترويع لا تتدخل فيه سلطة بتوجيه أو فرض ولا يوجهه تيار بعينه بدعاياته على أن يخضع للإشراف القضائي الكامل ولإشراف المنظمات الدولية بدقة وصراحة، ويُطرح في هذا الاستفتاء على المصريين، بجميع أطيافهم سؤال وحيد: "هل توافق على خارطة الطريق المعلنة في 3/7"؟ مُذيلاً بخانتين (نعم(، و(لا). المسار الأول في حال الموافقة ب(نعم) تتوقف عمليات التنديد بخارطة الطريق وتُحقن دماء الشباب من المصادمات الدموية وتعود الحياة الديمقراطية كاملة. ويعقب ذلك الشروع الفوري في تشكيل (مجلس رئاسي مدني) من مختلف الأطياف والقوى السياسية ويُراعى فيه وجود ممثلين عن الأزهر والكنيسة، ممن يقفون على مسافة واحدة من كل القوى السياسية، فضلاً عن ممثل للمجلس العسكري، ويلتزم هذا المجلس الرئاسي الذي تتشارك فيه كل الأطياف بالتحضير لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في غضون ستة أشهر، مع مراعاة مطالب المتظاهرين في 25 يناير و30 يونيه بأسبقية الانتخابات البرلمانية، على أن تتاح فرص الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية على قدم المساواة للجميع دون حظر أو إقصاء. وفي حالة الموافقة على خارطة الطريق يقترح حزب البديل الحضاري، كرؤية سياسية تُعزز إزالة الاحتقان وإجراءات بناء الثقة، إقدام المؤسستين القضائية والعسكرية، وهما عماد المرحلة الانتقالية الحالية، على وقف كل إجراءات المحاكمات المتهم فيها د.محمد مرسي، حرصاً على استعادة حالة السلم الأهلي، وبالتأسيس على اعتبارين، أولهما أنه يستغرب أن يدان د.محمد مرسي وحده بفرض صدور حكم بإدانته فيما يُبرأ كل رموز فترة "مبارك" ورجالاته، وهو ما تُوج بتبرئة مبارك نفسه، وهو تناقض يخلو من المنطق أو التفسير! وأما الاعتبار الثاني فهو اعتبار قانوني مؤسس على ما جاء في الدساتير المصرية المتلاحقة، بما في ذلك دستورا 2012 و2014، وهي الدساتير التي نظمت إجراءات محاكمة رئيس الدولة واشترطت موافقة ثلثي أعضاء البرلمان المنتخب، وهو ما يمنحنا مسوغاً دستورياً لإخراجه من محبسه، حيث إن هذه الاشتراطات الدستورية لم تتحقق في محاكمته منذ البداية، إذ إن قرار إحالته إلى المحاكمة تم في غيبة المؤسسات التشريعية والنيابية للدولة المصرية بالكلية. ولا يخفي أن هذه الخطوة وحدها ستنزع كثيراً من رصيد الغضب المعلن والمكتوم. وستسهم بنصيب كبير في إحداث الانفراجة الكبرى التي تستعيد معها العملية السياسية أنفاس الحياة مجدداً وستحقق نقلة نوعية في تحسين صورة مصر في المجتمع الدولي في مجال الحريات والحقوق، حيث إن سجل البلاد في هذا المجال أضير بصورة كارثية في الأشهر الماضية بما عرضها لعزلة قارية ودولية غير مسبوقة في تاريخها الحديث. المسار الثاني في حال رفض خارطة الطريق بتأكيد الكثرة الغالبة من المصِّوتين علي علامة (لا)، وهو الرفض الذي تؤكده عمليات التصويت المنضبطة في استحقاق نزيه لا يصمه تزوير باستخدام (البطاقة الدوارة) أو (الناخب الدوار) أو تسويد البطاقات أو غيرها من وسائل تزييف إرادة الجماهير وترويع الرأي العام، فإن الرفض هنا يعني في جوهره رفض كل ما نجم عن خارطة الطريق من إجراءات وقوانين وممارسات، بما يحتم، بالضرورة، تلافياً لحالة الفراغ القيادي في الدولة إعادة د.محمد مرسي رئيساً مع تفويض صلاحياته لرئيس وزراء تتوافق عليه القوى السياسية والوطنية على اختلاف ألوانها وأطيافها، على أن يختار رئيس الوزراء المفوض بصلاحيات رئيس الدولة حكومة ائتلاف وطني موسّعة من كل الأطياف تتولى خلال ستة أشهر التحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية يكون من حق الجميع (بمن فيهم د.محمد مرسي نفسه) التقدم للترشُّح لها على قدم المساواة دون حظر أو إقصاء، شريطة استيفاء الشروط القانونية والدستورية للترشح. ودعماً لهذا المسار السياسيّ في مجمله، ينوه حزب البديل الحضاري إلى أنه لا معنى لمبادرات أو استفتاءات أو أي ممارسات ديمقراطية ما لم يتوقف فوراً ودون شروط خطاب التَّحريض الإعلامي الموتور الذي تجاوز كل الحدود، عنفاً وحضاً على الكراهية، ولا يرى الحزب سبيلاً لإيقاف هذا الإعلام التَّعبوي الذي يفتقر إلى الأسس المهنية تماماً ولا يكف عن التشهير والشيطنة وبث فتاوى الاستباحة والتفريق بين الزوجين على الرأي السياسي، بل والدعوة في بعض الحصص الإعلامية إلى حمل المواطنين للسلاح صراحة لتصفية الخصوم السياسيين! إلا بالمبادرة العاجلة إلى تشكيل لجنة إعلامية كبرى للمراجعة وتقييم الأداء تتشكل من الخبرات والكوادر الإعلامية ذات الاختصاص والتاريخ الإعلامي والأكاديمي المعروف، على أن تقف على مسافة واحدة من كل القوى ويناط بها المسارعة إلى وضع ميثاق شرف إعلامي يلتزم به الجميع ومراجعة الحصص الإعلامية وفق المعايير المهنية والديمقراطية ضماناً لخلو هذه الحصص من دعاوي العنصرية والكراهية والسباب المبتذل وفتاوى الاستباحة السوداء التي فرقت بين أبناء الأسرة الواحدة. ويقترح الحزب أن يشرف على هذه اللجنة الأستاذان الجليلان ، د.صفوت العالم ود.حسن علي. ثانياً: مسار العدالة الانتقالية يطرح حزب البديل الحضاريّ في الشق القانوني من الأزمة السياسية في البلاد، وهو الشق المتصل بالوضع الدستوري عموماً وحقوق الشهداء والمصابين والجرائم ذات الطابع السياسي الاستضاءة بنموذج (العدالة الانتقالية)، على غرار نماذج العدالة الانتقالية المماثلة التي نجحت في جنوب إفريقيا وتشيلي والأرجنتين، وطُبقت بفاعلية ونجاح في (بوليفيا) في الثمانينيات وجنوب إفريقيا في التسعينيات، بصفة خاصة. ويعتمد هذا النموذج على تشكيل ما يُعرف ب"لجان الحقيقة والمصالحة"، بحيث تتوزع مهامها على ثلاثة روافد واختصاصات: أولاً حماية الحقائق التاريخية في كل ما تلا ثورة 25 يناير، من الطمس والتزوير والإخفاء وحفظاً لحق الأجيال القادمة في معرفة حقيقة ما دار، ويكون من حق هذه اللجان الاستضاءة والتزود بكل تقارير لجان تقصي الحقائق المتلاحقة التي تشكلت في أعقاب ثورة 25 يناير. ثانياً: جبر ضرر الضحايا وذويهم بما يتناسب مع حجم ما لحق بهم من إيذاء. ثالثاً: ضبط الأوضاع الدستورية للبلاد وتكييف مساراتها الدستورية والقانونية بصورة صحيحة سليمة. ويقترح الحزب بهذا الصدد، تشكيل دوائر قضائية خاصة باتخاذ صبغة المحاكمات الثورية التي تتسم بالعدالة الناجزة، على أن تباشر هذه الدوائر التحقيقات القانونية وإجراءات المساءلة الجادة بشأن كل الضحايا والدماء التي أريقت منذ 25 يناير 2011 حتى لحظة طرح المبادرة، وما يستجد من أحداث، وسواء أكانت الوقائع محل المساءلة متصلة بدماء أزهقت من المتظاهرين السلميين من المدنيين أم من رجال الجيش والشرطة، تتشكل لجان الحقيقة والمصالحة داخلياً من عدد من اللجان الفرعية تتوزع في إطارها مهام اللجنة واختصاصاتها المختلفة، فهنالك "لجنة حقوق الإنسان"، وهي لجنة منوط بها تحديد هويات الضحايا ومصيرهم، وتبين أماكن رفاتهم لتحديد الحقوق والمسئوليات القانونية بدقة وضبط الدعاوى وعرائض الاتهام. وهنالك "لجنة جبر الضرر"، وتختص بمتابعة الضحايا ويصاحب عملها أو يسبقه تأسيس صندوق يمول من ميزانية الدولة لتقديم التعويضات الملائمة، ثم هنالك ما يُسمى ب"لجنة العفو والتكييف الشرعي والديات"، للتعامل مع أولياء الدم، وإقرار الصورة القانونية والشرعية النهائية للتعامل مع المدانين في جرائم الاعتداء على المتظاهرين أو قتلهم، قصاصاً أو تصالحاً (في حالة عفو أولياء الدم)، وهو أمر مرده إلى أولياء الدم أنفسهم. ويتعهد حزب البديل الحضاري في هذا الخصوص ببذل كل الجهود الممكنة في حوارات معمقة ممتدة مع أولياء الدم في قرى مصر ومدنها وحواضرها بمعرفة لجنة يشكلها الحزب، ويقترح أن يترأسها فضيلة الأستاذ الدكتور حسن الشافعي، وأن تضم شخصيات قيادية وفكرية، مثل د.محمد عمارة، فضلاً عن قيادة أو شخصية كنيسة تقف على مسافة واحدة من كل القوى السياسية. ويمكن للجنة أن تستند، شرعاً، إلى فكرة المصالحة مع أولياء الدم، بتقديم "الدية الشرعية" في حالة عفو ولي الدم، اعتماداً على المذهبين الشافعي والحنبلي في قبول المصالحة مع أولياء الدم "بالدية في حالة القتل العمد، مع فرض الدية المغلِّظة"، ويمكن هنا للجنة "العفو والديات" أن تشرف على استفتاء مصغر أو تصويت مصغر بين أولياء الدم بعد عقد جولات حوارية وندوات توعية دينية موسعة مع أولياء، الدم لشرح المردودات والفوائد الشرعية والوطنية ل"قبول الصلح مقابل الدية الشرعية" على استقرار البلاد وترسيخ حالة السلم الأهلي في المستقبل المنظور، ودون قهر أولياء الدم أو إجبارهم. ويظل قبول المصالحة بالدية الشرعية حقاً مطلقاً لأولياء الدم لا ينازعهم فيه أحد. ولا يمكن هنا، بحال من الأحوال، إسقاط الدية لأن "الدية على الجاني في ماله واجبة في حالة القتل العمد" باتفاق الفقهاء، وهنا يقول "ابن شهاب": "مضت السنة في العمد حين يعفو أولياء المقتول أن الدية تكون على القاتل في ماله خاصة"، وتختص لجنة "العفو والديات" بتلقي طلبات الرغبة في العفو والتصالح نظير الدية الشرعية من كل الشخصيات محل الإدانة والاتهام في هذا النوع من الجرائم للبت فيها بعد التواصل مع أولياء الدم الذين يؤكد حزب البديل الحضاري أنهم (طرف أساسي) في مبادرات المصالحة الوطنية، عموماً، ولا يمكن التغاضي عنهم، مطالب وحقوقاً. وغني عن البيان أن ولوغ الوطن في مزيد من الدماء مستقبلاً سيضيف لعمل "اللجان والوسطاء" درجات من الصعوبة البالغة، بل التعذر التام في حال وصول التوسع في حمامات الدم حداً معيناً على نحو يعكس استهتاراً بحرمة الدم الإنساني، وهو ما يدفعنا إلى المناشدة الصادقة بوضع حد لهذا المشهد الدموي الفاشي. ينبثق عن لجان الحقيقة والمصالحة لجنة قانونية تعرف ب"لجنة الدستور"، تتشكل على أعلى مستوى من الأقطاب القانونية والدستورية البارزة ذات التاريخ المشهود لمراجعة الوضع الدستوري في البلاد عموماً، شريطة أن تتسم بالحيدة والوقوف على مسافة واحدة من الجميع والنظر في إمكان التوفيق بين الدستورين الأخيرين أو تنقيحهما في ضوء ما تراه مناسباً، وفي ضوء ما أثير بموادهما من ملاحظات، وتخول اللجنة بالتنسيق مع المجلس الرئاسي أو رئيس الوزراء المفوض بصلاحيات رئيس الدولة باستصدار القوانين في الحالة الضرورية كقانون مباشرة الحقوق السياسية. ويقترح حزب البديل الحضاري أن تمثل اللجنة كل التيارات الوطنية الفاعلة، فضلاً عن الأزهر والكنيسة والمجلس العسكري، وأن يكون في قيادتها وعضويتها المستشار طارق البشري ود.سليم العوا ود.نور فرحات ود.إبراهيم درويش ود.ثروت بدوي، ويكون في صدارة مهام اللجنة، العمل على تلافي الازدواج في الوضع الدستوري والتشريعي للبلاد، على أن تنتهي من عملها في مدة غايتها شهران. يناط بلجان الحقيقة والمصالحة عقد جلسات استماع موسعة مع أسر الضحايا وذويهم، وكذلك مع المؤسسات والوزارات والأحزاب السياسية، على أن تكون جلسات الشهادة والاستماع علنية ضمانة للشفافية والنزاهة وتوخي العدالة. ويحصن ما يصدر عن لجان الحقيقة والمصالحة من قرارات بشأن جرائم الدماء، بالتنسيق مع المؤسسة القضائية في البلاد، في جميع مراحل عملها، وبالتنسيق تحديداً مع الدوائر القضائية الخاصة للمحاكمات الثورية التي اقترح الحزب إنشاءها. ثالثاً: المسار الاقتصادي عكف حزب البديل الحضاري على دراسة الأزمات الاقتصادية الكارثية للدولة المصرية في الأشهر الماضية بمعرفة اللجنة الاقتصادية به، ودراسة ما دأبت عليه الحكومات المصرية المتعاقبة من إجراء اقتصادي خطير يتمثل في خطوة مبادلة الديون بالملكية، وهي خطوة بالغة الخطورة ترتهن بالقرار الوطني للبلاد وتكبل استقلاله. وبرغم أن البنك الدولي لم يصدر حتى الآن تقرير التنمية العالمية لعام 2013، فإن مراجعتنا لإحصاءات وتقارير البنك المركزي والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تؤكد أن حكومة د.حازم الببلاوي قد دفعت البلاد اقتصادياً إلى قعر الهاوية بالتخبط والارتجال والعناد والمكايدة بما ينذر، بل يؤكد، في حال الاستمرار في هذا النهج غير المسئول بموجة ثورية هائلة قادمة يمكن أن تؤشر به بوضوح الإضرابات والاعتصامات العمالية المتتالية في عدد كبير من مواقع الإنتاج، بل تعدى الأمر إلى الفئات الأخرى، مثل الأطباء والمهندسين وأمناء الشرطة وغيرهم أو يقود الموجة الثورية الجياع وحدهم! وتتأسى مبادرتنا في هذا الخصوص على تفعيل الوسائل الاقتصادية والإنمائية والحمائية العاجلة لوضع حد للعجز في الموازنة العامة للدولة، والخلل الهيكلي بين الصادرات والواردات، وكذلك الخلل بين الاستهلاك والإنتاج وإعادة التفعيل والتنشيط لقطاعات السياحة والزراعة والري والصيد. وتضع رؤية الحزب في حسابها ضبط الخلل بين الأجور والأسعار وتعظيم صافي الاحتياطات الدولية، وكذلك رؤية الحزب فيما يسمي بعمليات "الريبو"، أو اتفاقيات إعادة الشراء واستمرار الحكومة في استخدام أذون الخزانة كإحدى أدوات الدين الداخلي لتغطية العجز الدائم في ميزانية الدولة. وفي إطار الرؤية الشاملة لتكوين وأدوار البنك المركزي والبنوك التجارية وسوق الأوراق المالية، فقد أعدت اللجنة الاقتصادية للحزب برئاسة المفكر الاقتصادي البارز د.سمير عبد الحميد رضوان في إطار مبادرتنا الشاملة رؤية اقتصادية للإنقاذ العاجل قصير الأمد، وكذلك الحلول طويلة الأجل في خمس وعشرين صفحة للمساهمة في التخفيف من كارثية الأزمة الاقتصادية وخطورتها باستلهام فكرة "هيئة الخدمات المالية " " the financial service authority " " F.S.A " ، وهي الفكرة التي طبقت في بريطانيا بنجاح بالغ. ويبدي الحزب استعداده التام للتعاون مع أي مؤسسة أو جهة اقتصادية داخل مصر بمبادرته الاقتصادية لوضع حد للتدهور البالغ والكارثي في الوضع الاقتصادي، مع التأكيد بأنه من المحال إصلاح المسار الاقتصادي وإنقاذ الموقف المالي للبلاد في غياب المصالحة الوطنية وعودة السلم الأهلي. وأخيراً فإن حزب البديل الحضاري لا يعتبر هذه المبادرة نسقاً نهائياً مغلقاً، بل يراها نسقاً مفتوحاً قابلاً للتعديل والإضافة باستمرار الحوار المخلص الصادق وإيقاف التخوين بين الأطراف والقوى السياسية المختلفة. ويعتزم الحزب في أعقاب تسليم المبادرة لكل الأطراف والقوى السياسية والسلطة الانتقالية والمؤسسة العسكرية القيام بجولات مفاوضات مكوكية بين الأطراف كلها بلا استثناء لمناقشة بنود المبادرة أو تعديلها متى لزم وتقريب الفجوة بين طرفي أو أطراف الأزمة. ويقترح الحزب هنا تشكيل لجنة للمصالحة الوطنية لمعاونته في هذا الأمر، تتشكل من القيادات الفكرية والقانونية والدينية في البلاد، لتنهض بمهمة الوساطة في إطار رؤية المبادرة. كما يعتزم الحزب الشروع الفوري في إنشاء "لجنة المصالحة والسلم الأهلي"، المنبثقة عن الحزب تجوب القرى والمحافظات لتهيئة الأذهان لفكرة المصالحة وحقن الدماء بالتوعية الدينية والوطنية. وأخيراً نذكر القوى السياسية وكل العقلاء في البلاد بالحكمة القائلة: "عندما تتصارع الأفيال الضخمة فإن العشب وحده هو الذي يموت".