هذه ثورة ، فريدة ، فريدة في كل شيء ، في أسبابها وتداعياتها ونتائجها. وهي الثورة الأعظم في التاريخ المعاصر؛ إنها أعظم ثورةٍ مصرية على الإطلاق وهي أعظم من الثورة الفرنسية والثورة البلشفية والثورة الإيرانية، فهي أولاً ثورة سلمية تمامًا قامت على أكتاف الشعب، ولم تكن تستند إلى مؤسسة حزبية أو دينية، ومنها كانت ثورة فريدة، فلم تستند إلى حزب سياسي مثل الحزب الشيوعي الذي فجّر الثورة البلشفية، ولم تستند إلى مؤسسة دينية مثل الثورة الإيرانية؛ لأن مصر سنية، والسنة لا يوجد لديهم مؤسسة دينية، بل علماء دين، وهي ثورة بلا زعيم فالخوميني كان زعيم الثورة الإيرانية ويستند إلى مؤسسة دينية ذات أموال وميزانيات ورجال دين كبار وصغار وحوزة علمية، وفلاديمير لينين كان زعيمًا للثورة البلشفية ولديه حزب سرّي وعلني يعتمد عليه في التحريض والدعاية وإدارة الثورة. والثورة الفرنسية كانت ثورة دموية حتى النخاع، أما الثورة المصرية، فكانت سلمية تمامًا، بل هي رحلة الدم الذي هزم السيف، فالذين قاموا بالثورة، ومارسوها وشاركوا فيها لم يقوموا بأي أعمال عنف، بل إنّ التخريب والترويع والبلطجة، كان من عناصر إما محسوبة على الشرطة أو محسوبة على الحزب الوطني الحاكم. وهي فريدة لأنها سبقت كل الأحزاب والقوى السياسية الموجودة على الساحة المصرية، وهي الأحزاب والقوى التي إما فشلت في تحريك الشارع، أو كانت عاجزة عن ذلك. وهي فريدة لأنها لم تكن تمتلك شخصيات كاريزمية ولا حزبًا علنيًا أو سريًّا ولا مؤسسة تستند إليها، بل كانت تستند فقط إلى جموع الشعب كله. وهي فريدة؛ لأن كل طبقات الشعب شاركت فيها؛ الأغنياء الشرفاء، والفقراء، والطبقة المتوسطة، والرجال والنساء والأطفال، بل كنت تجد أسرًا كاملة تشارك في الاعتصام في ميدان التحرير، الرجل وزوجته والأطفال، بل أحيانًا كان الذي يقود التظاهرات أطفال، وكنت تجد السيدة المنقبة والمحجبة بجانب التي ترتدي أحدث الأزياء ويتعاون الجميع ويقتسمون الرغيف وقطعة الجبن دون حساسية وكذا الرجل الملتَحِي وغير الملتحي والفنان والعامل، الرسام وعازف الموسيقى والفلاح والمثقف والأديب. وهي فريدة؛ لأنها تعرضت لأساليب شيطانية مضادة، الإشاعات حول الأجندات الأجنبية ووجبات الطعام الفاخر والتحويل بالدولار واليورو، وسقطت هذه الاتهامات في الوحل، وكذا التخويف من سيطرة تيار سياسي معين مثل الإخوان المسلمين عليها، وسقط هذا الاتهام أيضًا، شارك فيها علماء الدين المسلمين، وشارك فيها أساتذة جامعة وشخصيات علمانية، شارك فيها المسلم والمسيحي. وهي فريدة في آثارها المتوقعة، من حيث موقع مصر وأهميتها الاستراتيجية ذات الأثر على التوازن العالمي والإقليمي، وهي فريدة في كونها ستكون بداية لتحرّر كل الشرق الأوسط، بل العالم العربي والإسلامي، وسيكون لها آثارها على الكثير من الملفات الدولية والإقليمية، وهي فريدة؛ لأنها فاجأت كل أجهزة المخابرات في العالم التي لم تتوقع أي منها اندلاع تلك الثورة فضلاً عن نجاحها. وأكثر من هذا أنها كانت مفاجأة حتى لمن فجّروها، والحمد لله رب العالمين. المصدر: الاسلام اليوم