على طريقة "الأمر الواقع" فرضت حكومة الحزب الوطنى علينا غلاء فاحشا، تسعى لزيادته وتكريسه، من أول التليفونات التى رفعت فاتورتها أكثر من 20% وبأثر رجعى، إلى "القوت الضرورى" الذى صدرت مؤخراً دراسة رسمية من وزارة "التضامن الاجتماعى" تؤكد زيادة أسعاره، حيث ارتفع سعر الأرز 7.6% والمكرونة 4.36% والفول 1.54% والعدس 3.33% والسكر 33.33% والزيت 39% ومنتجات الألبان33.45%. كما ارتفعت أسعار اللحوم والأسماك والخضراوات بنسب مختلفة، وهى زيادة لن تقف عند حد، فقد أعلن "د.أحمد نظيف" أن الحكومة بصدد رفع الدعم عن الوقود خلال هذا الصيف، ما يعنى زيادة رهيبة فى الأسعار، لأن كلفة "النقل" ستزداد الأمر الذى سيرفع أسعار جميع السلع التى يعتبر "النقل" بنداً أساسياً فى تكلفتها. وحسب تصريحات "د.نظيف" فإن الحكومة تدعم الوقود فى الميزانية الحالية ب3 مليارات جنيه، ينتظر أن تصل إلى 7 مليارات فى ميزانية العام القادم، وإلغاء الدعم يعنى ببساطة نقل عبء هذه المليارات من الدولة إلى الأفراد، أى أن هناك عبئا إضافيا مباشرا قدره 100 جنيه سيتحمله كل واحد من أفراد الشعب المصرى بسبب إلغاء دعم الوقود، ناهيك عن الأعباء غير المباشرة الناتجة عن ارتفاع أسعار السلع متأثرة بارتفاع سعر الوقود. ومن المعروف أنه كانت هناك نية حكومية مبيتة لرفع سعر الوقود منذ حكومة "نظيف" الأولى، لكن اعتبارات سياسية جعلتها تؤجل اتخاذ هذه الخطوة وتنتظر حتى نهاية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. من ناحية أخرى فإن الغلاء الفاحش الذى تشعله الحكومة حاليا يناقض كل الوعود الانتخابية التى تضمنها برنامج الرئيس "مبارك"، أو تضمنها برنامج مرشحى الحزب الوطنى للانتخابات البرلمانية، وقد تضمن كلاهما وعوداُ مباشرة بمراعاة محدودى الدخل والإبقاء على الأسعار مستقرة عند معدلاتها، بل إن مسئولين كباراً فى حكومة الحزب وحزب الحكومة خرجوا يؤكدون صراحة أنه لا صحة على الإطلاق لكل ما يتردد عن رفع أسعار الوقود، وطالبوا المواطنين بعدم تصديق هذه "الشائعة" التى تدخل فى باب "المزايدات الانتخابية" ضد مرشحى الحزب الوطنى. ثم ها هى الأيام تمر، لتصارحنا الحكومة على لسان رئيسها شخصيا لا بأنها سترفع أسعار الوقود فحسب، بل بأنها كانت تعد العدة لرفعها منذ وقت طويل، لأن "دعم الوقود" تحول إلى عبء أكبر من طاقتها. وقد يرى البعض فى هذا التناقض فى التصريحات كذباً لا يليق بحكومة محترمة، لكن الحكومة لا تعتبر الأمر تناقضاً من حيث المبدأ، بل هو "مواءمة" ومراعاة للاعتبارات السياسية، ولو قلت لأحد المسئولين: كيف تذكرون فى برنامجكم الانتخابى أنكم تضمنون استقرار الأسعار ثم تخلفون وعودكم وترفعونها؟ لقال لك: وما الذى كان يمكن أن نفعل؟ إن البرنامج الانتخابى ليس إلا شكلاً من الدعاية، فهل كنت تريدنا أن نقول فى دعايتنا الانتخابية "انتخبونى لمزيد من الغلاء؟"! .