في حديثه أول أمس إلى الصحفيين المصريين قال اللواء عمر سليمان أن البديل للحوار هو الانقلاب ، ثم أجاب عن سؤال عن جهة الانقلاب المفترض بأنها : إما الجيش وإما الشرطة وإما الإخوان ، ونائب الرئيس قال هذا الشرح على سبيل الجد وليس المزاح ، رغم أن الكثيرين يستغربون من تصور الانقلاب الذي تقوده الشرطة المصرية أو ذلك الذي يقوده الإخوان ، بطبيعة الحال رجل المخابرات كان يراوغ لتخفيف فلتة لسانه التي تكشف عن خلاف عميق بين مؤسسة الرئاسة وبين الجيش الذي ما زال يرفض التضحية بالشعب من أجل سليمان ورئيسه . غير أن تهديد سليمان بالجيش يعني أنه ما زال عاجزا عن فهم الشعب وقناعاته والثورة وعواطفها ، الشعب المصري لا يمكن تهديده بالجيش لأن الشعب هو الذي استقبل ضباط وجنود الجيش بالأحضان في ميدان التحرير والاسكندرية وغيرهما ، وحمل الضباط على أكتافه وطاف بهم في الميدان ، والشعب المصري يعرف أن جيشه الوطني ليس ألعوبة بيد شخص ، سواء كان مبارك أو سليمان أو غيرهما ، وعمر سليمان سمع بوضوح المناشدات التي أطلقتها رموز وطنية كبيرة تنادي الجيش بالتدخل وحسم الأمور وانتزاع القيادة وتدشين عصر جديد لمصر بتشكيل حكومة انتقالية وحل البرلمانات الصورية المزورة وتعليق العمل بالدستور المفصل على مقاسات الديكتاتور وأسرته ، والإعلان عن جمعية وطنية لصياغة دستور جديد للبلاد ، والانتقال بمصر الدولة إلى مستوى الدول المتحضرة ، بعد أن أثبت الشعب المصري أنه أكثر حضارة من دولته ، وأنه بالتالي يستحق دولة مؤسسات حقيقية ونظام حكم ديمقراطي وحضاري . الأمور تتبلور يشكل أكثر وضوحا مع الوقت ، عمر سليمان فشل هذه المرة كما فشل في جميع الملفات التي تعامل معها من قبل ، في فلسطين وفي العراق وفي لبنان وفي السودان ، لم يعد لديه ما يقدمه للشعب سوى التهديد ، وهو يعني أنه وصل إلى مرحلة الإفلاس السياسي ، وبالتالي أصبح الرجل الآن جزءا من الأزمة وليس حلا لها ، ومرارات الظلم والغضب التي تراكمت في جميع ربوع مصر على مدار السنين تتفتح اليوم وتخرج للعلن وتتزايد ، اضرابات واعتصامات بلا نهاية ، بما ينذر بالانفلات الشامل للبلد ، وهذا ما يعني أن مصر أصبحت مؤهلة تماما للخطوة الأخيرة ، الجيش ، أن يتدخل ويعلن نهاية حقبة وعهد ونظام بكافة رجاله ، الجيش ليس هو الحل قطعا ، ولكنه الضمانة ومفتاح التحول ، وتستطيع مصر في ظل حماية جيشها الوطني أن تبني دولتها الحديثة الديمقراطية التي تليق بها وتقنع ملايين الثائرين في الشوارع ، وترضي الملايين غيرهم الذين يراقبون ويحلمون في البيوت ، خلال عام واحد على الأكثر . العالم كله ينظر إلى مصر بإكبار ويعرف قدرها ومكانتها ، ويعرف قيمة طاقات العطاء المبهرة والتفوق والإبداع عند المصريين ، وحدهم قادتها المستبدين لا يفهمون ذلك ، وحدهم أولئك الذين مردوا على تهميش الوطن وقمع الشعوب وإذلالها لا يعرفون قدر هذا الشعب وتلك الأمة الرائعة ، مصر مترعة بالمواهب والكفاءات في شتى العلوم والفنون ، ملايين المصريين الذين ضاقت بهم مصر الأسيرة للديكتاتورية كانوا وما زالوا يساهمون في بناء وتطوير حضارات الأمم الأخرى ويصنعون أروع النماذج في الإدارة والهندسة والقانون والطب وغيرها ، وكل هؤلاء مع أمثالهم من المهمشين داخل الوطن ، يستطيعون بكل اقتدار أن يبنوا نموذجا للدولة المتحضرة التي تعرف للإنسان كرامته وتدير شؤونها بقواعد العدل وتحترم مواثيقها مع مواطنيها ومع المجتمع الدولي أيضا وتدفع بقدراتها التنموية خطوات واسعة وضخمة تحقق الرفاه لشعب طالما عانى غالبيته من فرض الفقر والبؤس والحرمان عليه ، بفعل توسيد إدارتها ومقدراتها للعجزة والمنافقين واللصوص والفاسدين وحملة المباخر من معدومي الكفاءة ، مصر بلد عظيمة يا سيادة النائب ، وقريبا جدا ، سترى وتشهد طفرة هذا البلد العظيم الذي طالما احتقرته وأهنته وقزمته أنت ورئيسك . [email protected]