الدين والاكراه لا يجتمعان ، ومتى ثبت الاكراه بطل الدين ؛ فالاكراه لا ينتج ديناً ، بل نفاقاً وخداعاً . الاكراه باطل فى التصرفات والمعاملات والحقوق المالية والدنيوية والحياتية ، فلا يصح معه زواج ولا طلاق ولا بيع ولا بيعة ، ومن باب أولى فلا يصح معه عقيدة ولا دين . احتج بعضهم ببعض الآيات لاظهار الاسلام بصورة مختلفة على غير الحقيقة ، ومنها قوله تعالى : " يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين " ، وقوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة " ، وقوله عز وجل : " ستدعون الى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون " . لكن الأمر بجهاد الكفار والمنافقين قد يكون بوسائل أخرى غير الحرب والقتال ، والمنافقون لا يُقاتلون أو يُقتلون لمجرد نفاقهم انما لأسباب أخرى . والقتال فى الاسلام يكون لأسباب عديدة كالدفاع عن النفس ورد العدوان واحباط التآمر واستعادة الحقوق المغصوبة ، والسياق التاريخى لكل حالات القتال الواردة فى السيرة النبوية يكشف ذلك بجلاء . جميع الآيات التى احتجوا بها مخصوصة بحالات معينة وبقوم مُعينين من غير المسلمين تنطبق عليهم شروط القتال والمواجهة المسلحة . الاسلام اعتمد سياسة ردعية وعقابية صارمة ضد العرب المشركين وضد اليهود فى المدينة ، وتطلب ذلك سن القتال وخوضه فى معارك عديدة ، لكن ذلك لم يقع الا بعد صبر طويل على أعمالهم العدوانية والتآمرية التى أصابت المسلمين فى أرواحهم واموالهم وسائر حقوقهم ، ومع ذلك ففى خضم هذه المواجهات وفى ظل انتصارات المسلمين فيها نزل قوله تعالى : " لا اكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى " . يحتجون أيضاً بقوله تعالى : " واقتلوهم من حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل " ، وهذه الآية مرتبطة بما قبلها حيث يقول الله عز وجل فى الآية التى تسبقها مباشرة : " وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين " . كذلك استدلوا بقوله تعالى : " يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير " ، وحديث " أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله .. " ، فيجب حمل مثل هذه الآيات والأحاديث على معنى خاص وهو حالة الحرب والقتال لا فى حالة السلام ؛ فرسول الله لم يقتل ولم يقاتل كل كافر وكل منافق وكل من لم ينطق بلا اله الا الله . الغزوات فى الاسلام لم تقع بسبب اختلاف الأديان بل بأسباب أخرى ، وغزوة بدر كان سببها رفض المشركين رد أموال المسلمين وأراضيهم وبساتينهم وبهائمهم التى تركوها بمكة بعد الهجرة ، وعندما عاد المشركون من الشام أرسلوا فى طلب المدد فأرسل لهم مشركوا مكة ألف مقاتل فكانت المواجهة فى بدر جنوبالمدينة ، وكذلك فيما يخص اليهود فلم تكن غزوة بنى قريظة – على سبيل المثال – الا بسبب نقضهم العهد مع المسلمين ، وكانت غزوة تبوك فى العام التاسع الهجرى بسبب جمع الروم لنصارى العرب بغرض مهاجمة المسلمين . صهر الرسول صلى الله عليه وسلم هو اليهودى - سيد بنى قريظة - حيى بن أحطب والد أم المؤمنين صفية بنت حيى ، ورهن الرسول درعه لدى أبى الشحم اليهودى ، ولم يقتلهما بسبب اختلاف الدين . وفى المقابل فقد أمر الاسلام رئيسَ الدولة أن يقاتل البغاة من المسلمين الذين خرجوا عن طاعته كما فى قوله تعالى : " وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ الى أمر الله .. " ؛ والاسلام هنا لم يأمر بقتالهم لكونهم مسلمين انما بوصفهم بغاة ، وكذلك الحال فى قتال مانعى الزكاة . السلطة فى دولة الاسلام ليست للاكراه على اعتناق الدين ، انما أرسل الاسلام الجيوش لرفع الاكراه على اعتناق دين بعينه أو على المنع منه ، بما يمثل فتنة للناس عن الاختيار والارادة الحرة . بمعنى أن الاسلام يضحى بأبنائه ويرسل الجيوش وينفق على هذه المواجهات من مال الدولة ومن أموال المسلمين ويعرض أرواحهم للخطر لضمان حرية الناس جميعاً ، ولتبقى حرية الفكر والاعتقاد مكفولة بدون وصاية ولا قهر ولا خوف . وللحديث بقية ان شاء الله .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.