المبادرة التى نشرها الكاتب الكبير والصديق العزيز الأستاذ جمال سلطان ، مؤكداً أنها مُعبرة عن قيادات داخل تحالف دعم الشرعية ، ما هى الا صورة ممسوخة من المبادرة التى كنتُ قد أطلقتها قبل سبعة أشهر قبل استقالتى فى شهر أغسطس 2013م من حزب البناء والتنمية والجماعة الاسلامية بسبب رفض تفعيلها فى ذلك الوقت ، وهى منشورة فى حينها ومن السهل جداً المقارنة بينهما . تم التعديل فى صياغتها مع تنازلات جديدة تشير الى حجم الأزمة التى يواجهونها . التنازلات الجديدة أنهم لم يشترطوا حكومة جديدة توافقية قبل انتخابات الرئاسة ، وكنت اشترطتُ تطعيم الحكومة بشخصيات اسلامية مستقلة متوافق عليها لضمان نزاهة وحيادية أكبر فى الاستحقاقات الانتخابية ، وكذلك أقروا الدستور المُعدل – أو الجديد - دون اشتراط موافقة مجلس النواب القادم على التعديلات ، وكنتُ قد اشترطتُ عرض التعديلات على مجلس النواب المنتخب لاقرارها ونفى أية شبهة عدم مشروعية عنها ، ووافقوا على تولى شخصية عسكرية منصب الرئيس ، وكانت مبادرتى تنص على اشتراط عدم ترشح شخصية عسكرية مقابل عدم ترشح شخصية اسلامية لمنصب الرئاسة لفترتين رئاسيتين . باقى البنود الستة عشر مع المقدمة التى تشحن العواطف وتصف جميع المصالح خلف مصلحة الوطن ، كما هى مع اختلاف طفيف فى الصياغة فقط . لا أشك فى أن هذه المبادرة قد خرجت من تحالف الاخوان ومن أحزاب تسعى منذ فترة لخروج مشرف وغيرَ مخز وبأقل الخسائر الأدبية من الأزمة . هناك عدة ملاحظات مهمة ؛ فالفاصل الزمنى الكبير شهد تطورات ضخمة واطلاق المبادرة وتبنيها فى شهر أغسطس 2013م يختلف عن تبنيها اليوم حتى ولو أضيف اليها تنازلات جديدة ؛ لأن موقف التحالف التفاوضى كان أفضل بكثير من اليوم وكانوا يتحركون من موقع قوة ولم تهتز جماهيريتهم بعد ولم تتمكن السلطة من اضفاء المشروعية على استحقاقات المرحلة الجديدة ولم تُترك الساحة لتنامى وتطوير قدرات ونفوذ التنظيمات التكفيرية المسلحة . الحديث عن مبادرة بهذا الشكل اليوم معناه البحث عن حل لأزمة التنظيم وقياداته ومحمد مرسى وليس أزمة الوطن ؛ والا فما معنى هذه التنازلات المؤلمة ولماذا لم يقدموها قبل تدهور الأوضاع وسقوط مزيد من الضحايا وتعريض أمن مصر القومى للخطر ؟ الرهان على الوقت أضاع كل شئ ؛ ففى أغسطس كان مرسى لا يزال محتجزاً فى مكان مجهول ولم يقدم للمحاكمات بعد وكانت القيادات لا تزال على الأرض ويحظى التحالف بجماهيرية وتعاطف واسع ، أما اليوم فالوضع اختلف كثيراً ، ومبادرة بهذا الشكل اليوم توجب محاكمة قيادات تحالف الاخوان من قبل أتباعهم وأسر الشهداء على حجم التفريط ومقدار الغباء الذى تصرفوا به . الكاتب أحمد فهمى سارع لاتهام الأستاذ جمال سلطان بالعمالة للأمن وتلقى تمويلات ومحاولة انقاذ السلطة .. الخ ، وهذه عادة " مُحللى " هذه الأيام ؛ فتفكيرهم منصب لتحليل الفشل وتبريره وليس تحليل الواقع وتقصى حقائقه بانصاف حتى ولو بذكر أخطاء وتفريط قيادات الاخوان وحلفائهم ، وليس معنى أننى كاتب اسلامى أن أدارى على فشل الاسلاميين وخيبتهم باتهام الآخرين بالعمالة والخيانة وتلقى التمويلات . السلطة الحالية ليست فى موقف ضعف لتبحث عن مخرج ، وهذا ليس دفاعاً عنها انما توصيف لواقع حيث هناك نجاح فعلى فى تمرير أول استحقاق جماهيرى ، وهناك استحقاقات مُرتقبة يُتوقع نجاحها لتكتمل المؤسسات المنتخبة بدون مشاركة فعلية من الاسلاميين ، ليخسروا كلية خلال أشهر أهم قضية كانت بحوزتهم وهى الشرعية التى كان من الممكن تقليل خسائرها بالمبادرة المبكرة والتحرك الايجابى السريع . انشغل أحمد فهمى فى مقاله بصحيفة المصريون وبسياستها التحريرية منبشاً فى النوايا وقارئاً لما فى الصدور منتقلاً من تحليل الواقع الى تأويل الغيب ، فى محاولة لتبرئة ساحة الاخوان وحلفائهم تماماً بالصاق كل الخطايا برئيس تحريرها ، زاعماً أن المبادرة مصدرها الأمن لتحسين وضع السلطة التى لم تجد وسيلة تحفظ ماء وجهها الا بتمرير مبادرة تلصقها بالتحالف عبر " سلطان " لاعطاء انطباع بأن الانقلاب يتمنع والتحالف يتزلف – بزعمه - . الأنتى فيروس الذى تحدث عنه فهمى لابد أن يكون ضد التسطيح والهزل والعبث والاستخفاف بالعقول ؛ والشواهد التى يتعامى عنها من محاولات محمومة – سبقت نشر المبادرة – من أحزاب التحالف للخروج الآمن من المأزق التاريخى تصب كلها فى صالح حقيقة واضحة ، لا تعكس فقط مأزق الاخوان والاسلاميين ، بل مأزق كثير ممن يدعون الاحترافية والقدرة على قراءة الواقع والتحليل . لماذا لم يسأل هذا الكاتب نفسه : ماذا لو كانت المبادرة بالفعل حقيقية وأن مصدرها أحزاب من تحالف الشرعية ، وأنهم بالفعل مرروها للأستاذ جمال قبل تبنيها بصورة مباشرة ومعلنة لجس النبض ، فاذا لقيت قبولاً وترحيباً من السلطة فهى مبادرتهم – العاقلة الحكيمة ! - ، واذا رُفضت فلا شأن لهم بها ليظلوا هم الأشاوس الثابتين على الثورة ، الذين لا يفرطون أبداً فى دماء الشهداء ! قليلاً من الفهم – يا فهمى – جعلنا الله واياك من أهل الحمد .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.