الأخطر من بلطجية "الوطني" ورجال أعمال النظام على ثوار ميدان التحرير، لجان الحكماء التي تسقط من السماء كقطع الثلج البارد، في محاولة محمومة لاحباط الشباب الثائر الطاهر وتلويث حركته والإيحاء بأنهم سيضيعون ما بقي من مصر. حكماء يديرون حكمتهم من منازلهم، لا يرون شيئا مما يدور في ميدان التحرير وأرجاء البلاد. يتهافتون على مائدة النظام بوساطة من أعضاء بارزين في لجنة سياسات الحزب الحاكم التي خططت عملية اقتحام البلطجية للميدان على ظهور الخيل والجمال. هؤلاء الحكماء أو هكذا يسمون أنفسهم، لا يفعلون شيئا سوى الحديث للفضائيات عما توصلوا إليه أو ما سيتوصلون، يزعمون أنهم مدوا حبالهم إلى الثائرين في الميدان وينقلون مطالبهم، وهذا ليس حقيقة على الإطلاق. الحكماء لا يفعلون ذلك فقط بل يشوهون الشباب الذين يدعون أنهم يحملون مطالبه، فيصفون عبر الفضائيات تمسكهم برحيل رأس النظام بأنه خنق لمصر واختناق! بل صوروا سعيهم للحصول على تعهد من النظام بعدم اعتقال الثائرين، على أنه رأس الأمر وعموده، كأن هؤلاء الشباب الذين وضعوا أوراحهم على أكفهم وليس حريتهم فقط بخروجهم يوم 25 يناير، لا يهمهم الآن سوى ضمان أعناقهم! أي هزل وسذاجة يتكلم بها من يزعمون الحكمة وهي منهم براء! الذين هتفوا بقوة "مش حنمشي.. هو يمشي" عندما زارهم أمس قائد المنطقة المركزية لا يخشون يا "حكماء".. زبانية النظام وسجونه ومعتقلاته. من خرج طالبا حريته وكرامته وعودة كبرياء وقيمة وطنه، لا يرهبه سوط جلاط ولا حبل عشماوي ولا سكاكين ومطاوي البلطجية وأمن الدولة. "الحكماء" يروجون مثل "النظام" نفسه لنظرية الفوضى. يا للعجب هم يتحدثون لغته ويأكلون من نظرياته.. بدأوا ييبثون عبر الفضائيات التي يتهافتون عليها لركوب الثورة، أن التعديلات الدستورية لابد أن يديرها الرئيس مبارك، وأن الدستور لا يسمح بأي تعديلات في حالة خروجه من الحكم. نفس الرؤية التي تبناها بعدهم فرانك ويسنر المبعوث الأمريكي للقاهرة قائلا إنها بصفته صديقا شخصيا له وليس كمبعوث لأوباما. لا أفهم كيف يمكن لرئيس لم يحترم الدستور مرة واحدة خلال ثلاثين عاما من حكمه، أن يدير تعديلات بنزاهة وفق ما يريده الشعب.. كيف يمكنه ذلك وقد بدأت أسرار ثروة أسرته تنشر في وسائل الإعلام العالمية! من أين جاء بثروة تتراوح بين 40 و70 مليار دولار تضعه في طليعة أغنى الشخصيات في العالم؟!.. كيف نطمئن وقد ظهر أنه المستفيد الأول من زواج المال بالسلطة، أنه سيسمح بتعديلات تصل بنا إلى حكومة ديمقراطية عادلة، لن تتركه خارج المتابعة القضائية التي تسأله "من أين لك هذا"؟! لقد كان الرئيس ضابطا عاديا براتب معروف حتى قبل وصوله لمنصب النائب، وكان ولداه علاء وجمال طفلين، أي لم يكن لأي منهما عمل يجلب كل ذلك الثراء، ولم نكن نعرف شيئا عن السيدة قرينته سوزان مبارك، ومعلوماتي أنه قبل تعيينه نائبا، كان يقطن مع أسرته شقة عادية. ما نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية أمس ونقلته عنها وسائل إعلام عالمية، جعل الكثيرين يتساءلون عن ثروة الأقارب المحيطين.. عائلة راسخ التي تزوج منها علاء مبارك، وعائلة الجمال التي تزوج منها جمال، وعائلة حسين سالم المقربة من السيدة الأولى والمسئولة عن تصدير الغاز لاسرائيل بأبخس الأسعار العالمية، مما عرض مصر لخسارة ثلاثة مليارات دولار سنويا، أي ضعفي المساعدة الأمريكية لمصر. هل يمكن ترك رأس النظام ينجز المرحلة الانتقالية وهو يجلس على تلك الأبار من الثروة واستخدام النفوذ ومكاسب زيجات المال بالسلطة؟! أيهما أكثر حكمة إذن.. الذين يدعونها.. أم الشباب الذين لم يرهقهم البرد والتعب رغم اعتصامهم بميدان التحرير منذ 25 يناير؟! [email protected]