التغييرات الاجتماعية تأتي تدريجياً، لا دفعة واحدة ،ولكنها قد تأتي متسارعة، أو ببطء، والعالم العربي بخاصة مرت به أزمان تغيرت فيه المجتمعات تغيراً ملحوظاً وكبيراً، على جميع مستويات الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي. و التغير في المجتمعات العربية كان في غالب أمره قسرياً،وبمؤثر خارجي، وأحياناً دون مقاومة تذكر! و التغيير عادة ما يرتبط بأشياء تؤثر عليه سلباً أو إيجاباً، وشدة و ضعفاً، مثل مدى تقبل المجتمع للأمر، ومدى قوة تأثير الواقع، ومامدى تأثير أصحاب القرار، وموقفهم من القادم الجديد، مع ما يصاحب ذلك من مؤثرات داخلية وخارجية، و من يدرس الواقع العربي منذ وجوده ،و لو من قبل الإسلام، إلى اليوم الحالي يجد فيه تغيرات كبرى صاحبت تكوين هذه المجتمعات، و سيجد كيف كانت التحولات في هذا المجتمع العربي، فعلى المستوى السياسي مثلاً كانت الخلافة هي المركز الذي تدور حوله، ثم انفصمت عرى الدين،بانفصال الخلافة عن الأمة، فأصبحت دويلات و أسرع فيها التغيير، وبدأ منذ ذلك الحين، وبعد التمزق تسلط الحكم وبدأت دكتاتوريات العالم العربي تمارس دورها التسلطي العنيف،و لم يكد بلد عربي يسلم من ذلك إلا من رحم الله تعالى! و مامن شك أن التغيير إنما هو سنة كونية، و هي من الأمور التي جعلها الله تعالى قانوناً عاماً، فمامن شيء يثبت على حال واحدة أبداً، مهما كان، وكان أن أصاب التغيير هذه الأمة العظيمة، فدخلت في أمور وخرجت من أُخر، و لولا هذا الدين لضاعت ملامح هذه الأمة كغيرها، ولكنه الدين هو الذي حافظ على هويتها العامة. هذا الأمر التغييري الكبير الذي حدث في عالمنا العربي، يجرنا اليوم إلى التساؤل نفسه، هل نحن على أعتاب مرحلة تغييرية جديدة؟ أم هي طفرة أو جذوة من قبس ستخبو؟ جلست أتأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم(تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكا عاضا ، فيكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم يكون ملكا جبريا ، فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، ثم سكت .)....و ما من شك بأن هذه الأمة قد مرت بالنبوة والخلافة و الملك العاض ، ونحن الآن لا شك أننا في مرحلة الملك الجبري، الذي يأتي بعده الحكم الخلافي، فهل مايحدث الآن إرهاصات ومقدمات للخلافة القادمة؟ في الحديث الآخر (عن أبي نضرة قال : كنا عند جابر بن عبد الله قال : يوشك أهل العراق أن لا يجبي إليهم قفيز و لا درهم ، قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل العجم يمنعون ذلك ، ثم قال : يوشك أهل الشام أن لا يجبي إليهم دينار و لا مد ، قلنا : من أين ذاك ؟ من قبل الروم يمنعون ذاك ، قال : ثم أمسك هنيهة ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثوا لا يعده عدا )، فهذا الحديث دلالته بعد العراق والشام، و هو من أحاديث الفتن والملاحم، ولا نريد أن نؤكد شيئاً أو ننفيه، أو نسقط الأحاديث على واقع معين محدد، ولكن نريد إثبات شيء واحد، أنها هذه كلها تغييرات تحدث في الوطن العربي يتلو بعضها بعضا، وهي أمور بتنا نلمس شيئاً منها أو قريباً. إن الأحداث العظام التي تمر بهذه الأمة، لا شك أنها ستصنع شيئاً فيها ومن لا يراقب أو يلاحظ التغيرات الكبرى، فإنما هو يغطي الشمس بمنخال! إن أقدار الله لا يوقفها شيء، و هذه الأمة أمة مرحومة في الدنيا والآخرة، فلا يظنن ظان أنها ستهلك، فذلك ممتنع بنص حديث صحيح،ففي حديث ثوبان « إِنَّ اَللَّهَ زَوَى لِي اَلْأَرْضَ, فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا, وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا, وَأُعْطِيتُ اَلْكَنْزَيْنِ اَلْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ » فهذا الحديث يؤكد أن لها دوراً تغييراً كبيراً لا بد لها أن تؤديه في هذا العالم، فمهما تكالبت الأمم عليها، ودب فيها الخور والضعف، فهاهي تنتفض لكرامتها، وتواصل مسيرتها، فلربما تدرك أنها على أعتاب مرحلة خطيرة بحاجة إلى رجال من نمط آخر! و القضية مهمة بحاجة إلى وعي ودراسة، لا تؤخذ هكذا جزافاٍ، ولنا عودة مع الموضوع مستقبلاً. • رئيس منتدى المفكرين المسلمين الكويت