أعلن المعهد القومي للديمقراطية الذي ترأسه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت أنه اختار القاهرة لتكون مقرًا لمركز يعتزم إنشاءه بهدف نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط. وستقوم أولبرايت بزيارة إلى القاهرة أواخر الشهر القادم للقاء كبار رجال الدولة وفي مقدمتهم الرئيس مبارك لطرح مبادرة المركز بشأن نشر الديمقراطية في مصر من خلال دعم منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. وكانت إحدى النشرات الصادرة عن المعهد مؤخرًا قد كشفت عن نيته التوغل خلال المرحلة المقبلة داخل المنظمات الأهلية المصرية من أجل خلق جيل جديد يؤمن بالأفكار الأمريكية، وللعمل على تأهيل قادة سياسيين يتبنون الأفكار الليبرالية في مواجهة الجماعات الإسلامية التي زاد تأثيرها مؤخرًا ، وخاصة "الإخوان المسلمين". وبحسب المصادر فلن تقتصر جهود أولبرايت على القاهرة فقط، وإنما ستتوغل في أعماق الريف المصري الذي وصفته بأنه يعاني من تفشي الفساد المالي والإداري وتتزايد فيه احتمالية ازدهار التطرف الديني مع عجز أفراده عن التعبير عن أنفسهم، على حد قولها. وقد اختارت أولبرايت أن تبدأ نشاطها في المنصورة من خلال جمعية المساعدة القانونية للحقوق الدستورية وغيرها من المنظمات ، والتي ستكون مهمتها بالدرجة الأولى محاربة الأفكار الإخوانية الأكثر انتشارًا في الريف المصري. وتحمل أولبرايت في زيارتها أجندة خاصة تجاه مصر أسمتها "اربح مع النساء" ، وهي مبادرة تستهدف تفعيل المشاركة السياسية النسائية في مصر من خلال مساعدة المركز المصري لحقوق المرأة على التدريب في مجال العمل السياسي والحزبي . يذكر أن مؤسسة أولبرايت تحصل سنويا من الكونجرس على دعم يزيد على ملياري دولار لدعم الديمقراطية في العالم. من جهته، شكك الدكتور أحمد ثابت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة في نوايا وأهداف هذه المعاهد المسماة بالديمقراطية، محذرًا من اختراقها للمنطقة وتشكيل جماعات عميلة لها في مصر والمنطقة بهدف الترويج للأجندة الأمريكية في نشر ما يطلق عليه عولمة الديمقراطية. ووصف هذه المعاهد بأنها طابور خامس تستغله الجهات الاستخباراتية الأمريكية للبحث عن معلومات مهمة واستراتيجية في مصر ، ومعرفة إمكانيات الدول وقدراتها تمهيدا لاستغلال هذه المعلومات إذا تصادمت هذه الدول مع واشنطن. وشدد على أن أمريكا لا تشغلها قضية الديمقراطية بقدر ما يهمها استغلال هذا الأمر لإعادة هيكلة الأوضاع في مصر والمنطقة لخدمة مصالحها، معتبرا أن هذه الدعاوى تحكمها الشكلية ولن يكون لها أثر في تحسين المناخ السياسي أو الديمقراطي في مصر. واتفق معه في الرأي الدكتور رفعت سيد أحمد مدير مركز "يافا" للدراسات السياسية، الذي اتهم واشنطن باستغلال هذه المعاهد لاستبدال الفوضى الخلاقة التي تنفذها آلاتها العسكرية بالفوضى التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني ، واستخدامها لاختراق المجتمع وإعادة تشكيل الأولويات لديه؛ فمثلاً إذا كانت الأولويات تتركز حول تحرير فلسطين وإنقاذ العراق والقضاء على الاستبداد السياسي ، فدور هذه المراكز هو تغييرها إلى الاهتمام بالعلاقة بين المسلمين والأقباط وقضايا الشواذ. وأشار إلى أن هذه المعاهد ما هي إلا أدوات لتنفيذ الاستراتيجية الأمريكية بشكل سلمي وتحقيق ما عجزت واشنطن عن تحقيقه عبر الآلة العسكرية ، مشددًا على أن واشنطن استخدمت هذه المؤسسات في كل من يوغوسلافيا وجورجيا وأوكرانيا لتغيير الأنظمة وإعادة هيكلة أولويات هذه المجتمعات ، وهو ما يخشى تكراره في مصر. واعتبر أن اختيار الريف كهدف لهذه الجمعيات والمراكز يعكس رغبة أمريكا في التقارب مع القواعد الشعبية التي تراها خطرا داهما عليها ، وذلك من أجل تذويب هوية هذه الفئة وإخضاعها للأجهزة الأمريكية وخلق عملاء حضاريين لواشنطن في الأوساط الشعبية. وقلل من الأقوال التي ذهبت إلى أن واشنطن تدشن هذه المراكز لمواجهة "الإخوان المسلمين" و "الجهاد" و "الجماعة الإسلامية" ، الذين رأى أنهم لا يشكلون أي خطر حاليا على مصالح واشنطن ، والتي ترى بدورها أن الخطر يتمثل في جماعات مثل "التوحيد والجهاد" في سيناء و"حزب الله" في لبنان و"حماس" و"الجهاد" في فلسطين ، فهؤلاء هم من يهددون مصالح واشنطن.