قبل وصول وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى إحدى قاعات الجامعة الأميركية بالقاهرة، لإلقاء محاضرتها حول الموقف الأميركي من الديمقراطية في الشرق الأوسط، يوم الاثنين الماضي, كان تقرير مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية السابقة الذي انبنى على جولتها بمصر وعدد من الدول العربية منذ شهور قد نشر. أثار تقرير أولبرايت وتوصيته الرئيسية غضباً مكتوماً في أوساط المعارضة المصرية إلى درجة أن إحدى صحف المعارضة الرئيسية التي اشتهرت بمعارضة التدخل الأميركي في قضية الإصلاح الديمقراطي المصري، صدرت وعلى صدر صفحتها الأولى عنوان يعكس خيبة الأمل من التقرير. العنوان يقول: إن واشنطن باعت قضية الإصلاح في مصر. كان هذا العنوان نموذجاً لحالة الازدواجية التي تعيشها بعض عناصر المعارضة المصرية والتي تتحدث علناً عن رفض أجندة الإصلاح المفروضة من الخارج، وفي نفس الوقت تتمنى أن تواصل الولاياتالمتحدة ضغوطها لتحقيق الإصلاحات التي تعجز المعارضة الداخلية عن الوصول إليها. التوصية الرئيسية في تقرير أولبرايت تركز على ضرورة استعمال منطق التطور الديمقراطي وليس الثورة الديمقراطية. والتطور هنا يعني التوصل إلى الإصلاح الكامل من خلال خطوات متدرجة على عكس مصطلح الثورة، الذي يعني تغيير النظام في خطوة ثورية واحدة على غرار ما حدث في جورجيا بالإطاحة بشيفرنادزة من خلال ثورة ديمقراطية حوصر فيها مبنى البرلمان واعتصمت الناس في ساحته، إلى أن أعلن الرئيس شيفرنادزة تخليه عن الحكم. بعد نشر تقرير أولبرايت تعلقت الأنظار بزيارة كوندوليزا لتبين موقف الإدارة الأميركية الرسمي من مسألة السرعة المطلوبة من وجهة نظرها لإحداث التحول الديمقراطي في مصر ودول العالم العربي. قبل يومين من بدء زيارتها إلى منطقة الشرق الأوسط عقدت رايس مؤتمراً صحفياً في واشنطن أوضحت فيه أن الديمقراطية عملية متطورة ولا يمكن أن تتم في يوم واحد، وهو تصريح قدم مؤشراً على أن الإدارة الأميركية اقتربت من منطق تقرير أولبرايت. مع ذلك فقد أرسلت رايس إشارات إلى أن الإدارة لا تعتزم بناء على تبنيها لمنطق التطور أن تغض الطرف عن ضرورة التقدم في دفع الحريات العامة أو عن ضرورة إجراء انتخابات رئاسية تنافسية حرة. وفي محاولة واضحة لإزالة أي لبس ينتج عن تبني منطق التطور الديمقراطي، قالت رايس إنه من المهم أن تدرك الحكومة المصرية أن الكثير من الناس تتابع ما يحدث في هذه الانتخابات، وسيراقبون ما إذا كان المرشحون قد عوملوا معاملة عادلة بما في ذلك حرية الوصول إلى الصحف التي تسيطر عليها الحكومة. وكررت ما سبق أن طالب به الرئيس بوش حول وجود مراقبين دوليين لمراقبة العملية الانتخابية مع ضرورة خلق مناخ يشعر المرشحون من خلاله بحرية المنافسة على منصب الرئيس. الأهم في هذا السياق هو تأكيد كوندوليزا على أن خطوة تعديل المادة 76 من الدستور المصري ليصبح اختيار الرئيس بالانتخاب الحر المباشر لا يجب أن تكون الخطوة الأخيرة. عندما واجهت رايس نخبة المثقفين والسياسيين المصريين في الجامعة الأميركية بالقاهرة، طرحت عليها عدة أسئلة حول الموقف الأميركي الرسمي الذي تعرض للتغيير، فأصبح يتحدث عن ضرورة أن ينبع الإصلاح من الداخل بعد أن كان يضغط منذ شهور على ضرورة تحقيق الإصلاح بما يوحي بالضغط من الخارج. وهنا أكدت رايس اقتناعها بأن أجندة الإصلاح لا يمكن أن تفرض من الخارج وأن بلادها لا تفرض شيئاً، ولكنها تدعم توفير المناخ السياسي اللازم لتطور العملية الديمقراطية وإرساء الحريات. وعندما سئلت عما إذا كانت تحدثت مع الرئيس المصري حول ضمان حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، أكدت أنها فعلت ذلك, كما أكدت أن وزير الخارجية المصري أوضح لها أن الانتخابات الرئاسية ستكون حرة ونزيهة. إن ما يمكن استخلاصه من حصيلة جولة أولبرايت وجولة كوندوليزا يشير بوضوح إلى أن اعتماد منهج التطور الديمقراطي لا يعني بأي حال التوقف عن توجيه النصائح لنظم الحكم الحليفة لواشنطن عن التقدم المستمر في توسيع الحريات وبناء المناخ اللازم للتحول الديمقراطي. ---- صحيفة الاتحاد الاماراتية في 23 -6 -2005