الافتراء علي الله في بلاده وعباده بالقتل والنهب والظلم والافساد والاستبداد جرم كبير ، وذنب عظيم ، والافتراء علي الله في شريعته وقرأنه بالتكذيب والتزييف والتحريف والصد والعناد جرم اكبر وذنب اعظم ..!! اية كريمة، جميلة المعنى، بديعة المرمي ، رائعة المسعي " وقد خاب من افتري" (طه) جاءت في سياق قصة موسى مع فرعون الذي قضى حياته افتراء على الله وسحرته الذين هداهم الله، يقول سبحانه وتعالى عن فرعون: " قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى * قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى * فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى" ( طه: 56 – 62 ) يوم الزينة ، يوم الجمع ، يوم الحشد ، تنسج فيه الفتن ، وترفع فيه الاخلاق والقيم ، انه يوم التفويض لا من اجل ابلاغ الحق بالاستعانة بالله وكتبه ورسله بل من اجل تمرير الباطل ، بتوزيع الاموال وتقريب العمال " وإن لكم لاجرا ان كنا نحن الغالبين " لكن هيهات هيهات ، الحق ابلج كفلق الصبح والباطل لجج كظلمة القبر ، لقد افتروا إما الكذب، أوالشرك، أوالظلم، وكلها أدوات وافتراءات اهل الباطل ، وقد جاء القرآن بهذه المعاني الثلاث، وكلها تتعلق بالفساد والإفساد قال ابن القيم: لقد ضمن سبحانه أنه لا بد أن يخيب أهل الافتراء ولا يهديهم وأنه يسحتهم بعذابه أي يستأصلهم . واقعنا الذي نحياه في امة القران للاسف يعج بالافتراء ويتخبط في الفتن ، له نصيب وافر، وحظ عامر من المفترين والفتانين ، كيف ؟ يكذبون فيطمسون الحقيقة ، ويخفون الحق ، ويقلبون الوضع " " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ...( الأنعام: 93) ، وكذا الذين يفتون بغير علم لهوي شخصي أوموقف نفعي أومطلب قمعي ، هم من جملة المفترين على الله سبحانه وتعالى " وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ( النحل: 116) . انظر إلي ما قاله فرعون وما أشار به الملأ من قومه , وما دار بينه وبين السحرة من تشجيع وتحميس ووعد بالمكافأة , وما فكر فيه وما دبر هو ومستشاروه . يجمله القرأن في جملة" فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى . وتصور تلك الآية الواحدة القصيرة ثلاث حركات متواليات:ذهاب فرعون , وجمع كيده , والإتيان به .
والمصلحون دائما ينصحون ، وهذا موسي عليه السلام يحذرهم عاقبة الكذب والافتراء على الله , لعلهم يثوبون إلى الهدى ، قال لهم موسى:ويلكم ! لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب , وقد خاب من افترى . رغم بروز الافتراء في كل الاجواء إلا ان الكلمة الصادقة تلمس القلوب الصافية وتنفذ فيها ، ويبدو أن هذا الذي كان ; فقد تأثر بعض السحرة بالكلمة المخلصة , فتلجلج في الأمر ; أما القلوب القاسية المتحجرة التي اعتراها الصدأ أني لها ، لقد اخذ المصرون على الباطل يجادلونهم همسا خيفة أن يسمعهم موسى، فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى. .
فما بالكم بالذين هم قابعون في الجرائد والمجلات وامام الكامرات في الفضائيات وفي المؤسسات والهيئات يكذبون ويتحرون الكذب حبا في الباطل وحزبه وكرها للحق واهله ينشرون الكذب و يهيجون الناس ويوجهون البسطاء عيانا بيانا ، صباحا ومساءا ، ضحي و وظهرا ، بعضهم يحمس بعضا , وراحوا يبثون في المترددين الخوف من المصلحين موسى وهارون , اللذين يريدان الاستيلاء على مصر وتغيير عقائد أهلها ; مما يوجب مواجهتهما يدا واحدة وشعب واحد بلا تردد ولا نزاع ، وما أشبه الليلة بالبارحة ..!! التخويف من المصلحين هو نفسه والتنديد بالمؤمنين نسخ تتكرر في البلاد والعباد وعبر الاجيال والازمان " قالوا:إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى . فأجمعوا كيدكم ثم أتوا صفا . وقد أفلح اليوم من استعلى.. انظر الي فاجمعوا كيدكم ..!! يسوقون الحقد والكيد والمكر بينهم لينفسوا سمومهم في العباد والبلاد ..!! لكن افتراءهم سيفشل وسعيهم سيخيب ، بل قد خاب بالفعل " وقد خاب من افتري " و قد حرف يفيد التحقيق في لفة القران الصدق اقوي وانجي والكذب اخزي وافعي الصدق في أقوالنا اقوي لنا والكذب في أفعالنا أفعى لنا وفي الناحية الاخري تنزل الكلمة الصادقة الخالصة كالقذيفة في معسكر المبطلين وصفوفهم , فتزعزع اعتقادهم في أنفسهم وفي قدرتهم , وفي ما هم عليه من عقيدة وفكرة . وتحتاج إلى مثل هذا التحميس والتشجيع . وموسى وأخوه رجلان اثنان , والسحرة كثيرون , ووراءهم فرعون وملكه وجنده وجبروته وماله . . ولكن موسى وهارون كان معهما ربهما يسمع ويرى !!
ولعل هذا هو الذي يفسر لنا تصرف الطغاة المفترين , موقف السحرة ومن ورائهم فرعون ، فمن موسى ومن هارون من أول الأمر حتى يتحداهما فرعون ، ويجمع كيده ثم يأتي ، ويحشر السحرة ويجمع الناس ، ويجلس هو والملأ من قومه ليشهدوا المباراة .. موسى فرد من بني إسرائيل المستعبدين المستضعفين تحت قهره ? . . إنها الهيبة التي ألقاها الله على موسى وهارون وغيرهم من المؤمنين في كل وقت وحين ، والله كذلك معهما يسمع ويرى !!
يقول بن كثير رحمه الله : لما جاء السحرة وقد جمعوهم من أقاليم بلاد مصر، وكانوا إذ ذاك أسحر الناس وأصنعهم، وكان السحرة جمعاً كثيراً وجماً غفيراً، قيل: كانوا اثني عشر ألفاً، وقيل: خمسة عشر ألفاً، وقيل: غير ذلك، واللّه أعلم بعدتهم. واجتهد الناس في الاجتماع ذلك اليوم، وقال قائلهم: " لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين" ، ولم يقولوا نتبع الحق سواء كان من السحرة أو من موسى، بل الرعية على دين ملكهم " فلما جاء السحرة" أي إلى مجلس فرعون، وقد جمع خدمه وحشمه، ووزراءه ورؤساء دولته، وجنود مملكته، فقام السحرة بين يدي فرعون يطلبون منه الإحسان إليهم إن غلبوا فقالوا: " أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين" أي وأخص مما تطلبون أجعلكم من المقربين عندي وجلسائي، فعادوا إلى مقام المناظرة " قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا" وقد اختصر هذا ههنا فقال لهم موسى: " ألقوا ما أنتم ملقون * فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحنالغالبون" وهذا كما تقول الجهلة من العوام إذا فعلوا شيئاً هذا بثواب فلان ( يحسبون الاقوي والابقي لانهم نسوا اوتناسوا قوة الذي خلقه وبقائه ) ، ( فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون) أي تخطفه وتجمعه من كل بقعة وتتبلعه فلم تدع منه شيئاً. وزال باطلهم وافتراءهم ، كيف ؟ قال اللّه تعالى " فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون" فكان هذا أمراً عظيماً، وبرهاناً قاطعاً للعذر، وحجة دامغة، وذلك أن الذين استنصر بهم وطلب منهم أن يغلبوا غُلبوا، وخضعوا وآمنوا بموسى في الساعة الراهنة، وسجدوا للّه رب العالمين الذي أرسل موسى وهارون بالحق وبالمعجزة الباهرة، فغلب فرعون غلباً لم يشاهد العالم مثله، وكان وقحاً جريئاً عليه لعنه اللّه والملائكة والناس أجمعين، فعدل إلى المكابرة والعناد ودعوى الباطل، فشرع يتهددهم ويتوعدهم، ويقول: " إنه لكبيركم الذي علمكم السحر" ، وقال:" إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة" الآية. كيف خاب من افتري ؟!! ألقي السحرة ساجدين ..!! ونجي الله موسي وقومه اجمعين ، واغرق الله فرعون وجنوده الملاعين ، " ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين ولقد اخترناهم على علم على العالمين وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين "( الدخان ) هكذا نتعلم أن القوة مهما بلغت لم ولن تُترك على الأرض لتدير الكون كيفما شاءت أو تتحكم في الخلق كلما أرادت.. كلا "فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بأياتنا يجحدون " ( فصلت :15 – 18) ، والباطل إلى زوال وانحسار "قل جاء الجق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" )الإسراء: 81(. والحق إلى بقاء وانتصار "وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ" )يونس: 82 وما نراه من مكر الماكرين وعبث العابثين وظلم الظالمين واستبداد المستبدين وافتراء المفترين حتى لو لعبوا علي الحبال أو زلزلوا الجبال أو قمعوا الأجيال ، فان كل ذلك حتما سيفسد ويخيب " وقد خاب من افتري " (طه) خميس النقيب عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.