انتهج الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، في دعوته إلى منهجه ودستوره وشريعة الإسلام نهجاً دعوياً سلمياً لم يتطرق فيه إلى القوة ولا العنف من قريب أو بعيد، لأن من صفاته اللين والرفق ليس بالإنسان فحسب، ولكن بكل كائن حي، حتى إن الكائنات الحية وغير الحية كانت تشهد له بأنه رسول الله. كما أنه لم يستند أو يعتمد على قوة قبيلته وسلطانها أو يحشد فرسانها ويستنفر فتواتها لنصرته أو حمايته هو ومن آمن معه، أو ليجبر الآخرين على سلوك منهجه أو اتباع دينه، ولكنه كان يتخذ أسلوباً إعلامياً راقياً، لا ابتذال فيه ولا تكذيب ولا تضليل، وذلك بأنه كان، صلى الله عليه وسلم، يجتمع مع القبائل أو أفرادها في موسم الحج ليعرض عليهم دينه ومنهجه، حيث يأتون كل عام من كل صوب وحدب، وحيث كانت تقام سوق عكاظ (وزارة الإعلام)، التي كانت بمثابة مؤتمر سنوي أدبي لتعرض كل قبيلة ما لديها من إبداع أدبي من شعر ونثر، تتنافس من خلاله وتتبارز بما برع فيه أدباؤها ويعجز كل منهم أنداده بأن يأتوا بمثله، إلى أن جاءهم النبي (الأمي) فأعجزهم بما لم يستطيعوا أن يأتوا بسورة أو آية من مثله. فكان معجزته إلى يوم الدين، وتولى الله بحفظه، ورغم هذا الإعجاز إلا أنهم ران على قلوبهم وغشى أعينهم كفرُهم وجحودُهم بأن يؤمنوا له، ولكن من صفا قلبه آمن، سواء من العبيد أم السادة. ولما ضاقت به السبل في مكة وحورب من أهلها خرج إلى القبائل والبلدان والمدن الأخرى المجاورة، سالكاً طرقاً وعرة وطارقاً قلوباً صلدة لا تقل وعورة عن بيئاتها، ولكن رغم ذلك كان يلقى من بين الأعداد الغفيرة قلة تستجيب له وتؤيد منهجه وتدعو له، إلى أن نصره الله ودخل الناس في الدين أفواجاً. فلم يلجأ، صلى الله عليه وسلم، إلى العنف والقوة، بل آثر هو ونفذ مشيئة رب العزة بأن يكون الإسلام الدين الخاتم منتشراً باللين والموعظة الحسنة والحكمة وليس بالقوة والإجبار و(البلطجة). فكل حضارة جاءت بالجبر والقسر كان مصيرها الزوال. لجأ إلى هذا الأسلوب رغم أن لديه من القوة الكثير، من قبيلته وأهله الذين لو لجأ إلى قوتهم لنصروه، ليس إيماناً بدعوته ولكن للعصبية القبلية. كما أنه كان لديه من القوة الإلهية السحرية التي لو لجأ إليها لأطبقت الجبلين على بعضهما فأهلكا كل من عاداه وخالفه ولم يؤمن به. ولكن لأنه رحمة مهداة للعالمين وليس فظاً غليظ القلب، ألف الله سبحانه حوله القلوب من مختلف القبائل ليرسي شريعة الرحمة الخاتمة للبشرية التي سترعى حقوق الجميع. فنشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ودستورك من عند الله جاء رحمة لعالمين ونوراً للحياة.