عندما تأتى ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم كل عام يستعيد المسلمون مجددا تلك المواقف الخالدة فى سيرته والتى تعد نبراسا وهاديا يضئ لهم طريق حياتهم,وهدى يرشدهم إلى ما ينفعهم فى دينهم ودنياهم ,ففى سيرته العطرة الخير كله, ومن أجل ذالك جعله الله الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين القدوة العظمى والمثل الأعلى. إن المقصود بذكرى هذا اليوم, ذكر إسداء التوجيه والنصح والدلالة على الخير فى حياة المسلم كما قال تعالى "لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة"" جوانب إنسانية الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتسع المقام لذكرها والتعريج عليها جميعا تميزت سخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالكثير من الجوانب المضيئة والهادية لكل إنسان يريد التميز لنفسه, والترقى لأخلاقه , والتعمق لفكره ,والبساطة لمعيشته ,والصدق لحديثه ,وحسن الخلق مع بنى الإنسانية جمعاء. المسلمون أحبوا النبى صلى الله عليه وسلم حبا عظيما لم يحفظ التاريخ فى سجله أن جندا أحبوا قائدهم, أو مجتمعا أحب زعيما,كما فعل المسلمون مع نبيهم العظيم,لقد سما حبهم له على حبهم لأنفسهم وأبنائهم وأولادهم.لماذا؟ لانه رسول الله الهداية وصاحب الشريعة الغراء, ومع ذالك فلقد كان يعامل أصحابه معاملة فيها ظرف المعاملة, وحسن المنطق,ودماثة صحبته,لا يفضل لنفسه عليهم, ولا يتعالى على أحد . لقد بدأ النور المحمدى حين حملته أمه آمنة بنت وهب,ووضعته,ورأت هذا النور يخرج منها,وينتشر حتى يضئ قصور بصرى والشام . ظهر محمد ابن عبد الله فى البيئة العربية, وفى هذه الظروف المواتية,ومن بين الرجال,تلك القبيلة التى تعظمها العرب,ظهر ذالك المصطلح الذى كانت تتطلع إليه النفوس,ففى مكة ومن قريش ظهر محمد ابن عبد الله, يدعو إلى رسالة جديدة, جوهرها الإقرار بالألوهية لله وحده, وتحريرالبشر من عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده,,هو الخالق المبدع الذى تنزه عن الشرك والوالد. لقد شارك محمد ابن عبد الله فى الحياة العامة فى مكة منذ طفولته مشاركة عامة كان لها أثرها فى حياته,فقد اشترك فى الحياة السياسية فى حلف الفضول,وكان هذا الهدف سياسيا لم تألفه القبائل المعتزة بعصبيتها,هذا الهدف هو نصر المظلوم,بصرف النظر عن قرابته وقبيلته,ومن قبل, كان قد اشترك مع أعمامه فى حرب الفجار,فاكتسب إلى جانب خبرته السياسية خبرة حربية, ثم إنه اشترك فى تنظيم القوافل التى كانت قريش تسوقها للتجارة فى الشام,كما مارس التجارة فى مال السيدة خديحة. كما أن رسول الله استحدث نظاما ودستورا عقب الهجرة من مكةإلىالمدينة, ليغير به مسار البشرية , ينظم علاقات الرعية, ويحدد الحقوق والواجبات,وفى هذا الدستور يستطيع المتأمل أن يرصد الكثيرمن المبادئ والقواعد,التى مثلت على درب تطور وتقدم وتطور وتحضرإنسان ذالك العصر,علىإثر هذا الدستور, حددت ذاتية الفرد ومسؤوليته,وحدد الدستور على أنه" لا يكسب كاسب إلأعلى نفسه",كما أنه استن سنن التكافل والتعاضد بين رعية الأمة وجماعتها,كما أن هذا الدستور ينص على المواطنة بين الحقوق والواجبات,ولم يستبعد غير المسلمين الذين ارتضوا الحياة داخل هذه الدولة الواحدة معززين مكرمين. لقد سعدت نساء النبى بحسن صحبته,وكريم معاشرته, كما كان فى خدمة أهله,وهو كثيرا ما أوصى بالنساء خيرا,كما سعدت الإنسانية كلها,بميلاد هذا النبى الذى جعل الله رسالته رحمة للعالمين,لقد كان من لطفه إذا دخل عليه أحد وهو يصلى فخفف من صلاته فورا وأقبل على القادم, وقال له ألك حاجة؟ولقد كان من أدبه الجم أنه يعطى من جلس إليه نصيبه من وجهه الشريف,فيه يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه ,وكان يوجه خطابه إلى الناس برفق ولين,ولا يشافه أحدا بما يكره,وكان يوصى أصابه بحسن المجاملة اللطيفة ويرشدهم إلى مكارم لأخلاق,ما أحوجنا فى عالمنا اليوم ,إلى أن نتعلم هذه المبادئ,ومن أراد الخير لنفسه ولأسرته ولمجتمعه ,فليتعلم من مكارم أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كان قرانا يمشى بين الناس . ربى سيدنا رسول الله ثلى الله عليه وسلم أتباعه على طهارة اليد , ونظافة القلب, والعمل بالاخلاص,والبعد عن كل ما نهى الله عنه ,ورباهم أيضا على أن يشيعوا بين الناس الكلمة الطيبة,وأن يتعودوا فى حياتهم على الصدق,وعلى اجتناب النطق بغيبة أو نميمة,وأن يتعاونوا فيما بينهم على البر والخيروالتقوى ,لا على الاثم والعدوان,ورباهم على أن يكونوا من الذين يبنون ولا يهدمون,يعمورون ولا يخربون,يصلحون ولا يفسدون,يجمعون ولا يفرقون,يعمرون دنياهم بالعمل الصالح, وبكل ما يعود عيلهم وعلى المجتمع بالخير,سواء أكان ذالك عن طريق الكلمة الطيبة,أو عن طريق التعليم أو عن طريق الزراعة,أو عن طريق الصناعة,أو بأى وسيلة يمكن أن يسهم بها فى إسعاد مجتمعه . لقد رسخ محمد ابن عبد الله العلاقات بين الدول والأفراد والجماعات على أساس السلم وليس على أساس الحرب, ولا بأس أن نذكربما تعيشه هذه الأيام بعض الشعوب من المحن والاضطرابات وهضم الحقوق فى حق الحياة ,وما ذالك إلا لتراخى الأمم والتخلى عن دورها فى حل هذه المشاكل المستعصية,ولأن الأمة الاسلامية أصبحت أثرا بعد عين , لايعمل لها القريب ولا البعيد أى حساب, ولا تملك من أمرها شيئا كم يبدو,وأصبح مصير الانسان العربى المسلم معرض للصفقات,أى صفقة التجارة والمصالح بين المعنيين بالأمر عن المجازر التى ترتكب فى حق الانسان. لقد كان ميلاد رسول البشرية صلى الله عليه وسلم حدثا فريدا غير مجرى التاريخ , وحفل بكل بشائر الخير والنور, وبحرا فياضا بالدروس والعبرالتى تصاحبنا فى مسيرة حياتنا, وتضئ لنا طريق هذه الحياة, ومن التاريخ الحضارىللإسلام ,الدروس والعبر, والقيم الدافعة الى التقدم والنهضة لتلحق الأمة مركب العصر,وتستعيد أمجادها ومكانتها ودورها الذى أسهمت به فى الماضى التليد فى صنع الحضارة التى كانت بمثابة مشعل النور الذى استضائت به أوروربا فى عصر نهضتها .هذه الذكرى فرصة كبيرة للتأمل فى أحداث الماضى ودراسة وقائع الحاضر, واستشراف تطلعات المستقبل, من خلال هذا الموروث النبوى الشريف الذى جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ,لا يسع المسلمين فى أى مكان إلا أن تتظافرجهودهم لوقف هذا النزيف وهذا العبث وهذه المهازل التى تحصد الآلافمن البشر الأبرياء يوميا على مرأى ومسمع من العالم أجمع ولا أحد يحرك ساكنا, وضرورة نشر الوعى فى مجتمعاتنا العربية حول أهمية وقيمة التعايش السلمى ونبذ العنف والتخريب والتدمير, وترسيخ ثقافة حقوق البشر . إننا عاجزون فى نهاية هذه السطورعن استيفاء جانب واحد من جوانب شخصية رسول الله وهو الجانب الإنسانى, ,وذالك لأننا بصدد الحديث عن شخصية جمعت ألوانا الكمالات فى ذاتها,وهى أكثر من أن تعد أو تحصى ,وبركة الكلام ليست فى كثرته,وإنما بركة الكلام فى العمل بما نقول, وفى العمل بما نسمع, وفى نقله من الواقع النظرىإلى الواقع التطبيقى, وحسبنا أن نردد معإلإمام البوصيرى ما قاله فى شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاق النبيين فى خلق وفى خلق ولم يدانوه فى علم ولا كرم
* أستاذ التعليم العالى بالجامعة الحرة الهولندية بأمستردام