هناك شيء ما غامض ومقلق في موضوع اختفاء الرئيس المعزول محمد مرسي ، وهو غموض يسمح لخيال كثيرين تصور أن الرجل لم يعد موجودا بالفعل وأنه ربما أصابه مكروه ، والبعض الآخر يرى أنه غير موجود في السجن على الأقل ، وأتت وقائع المحاكمة التي تمت اليوم الأربعاء لكي تزيد هذا الغموض وتوسع من نطاق الشكوك ، فالرئيس مرسي لم يحضر المحاكمة ، الجميع حضروا إلا هو ، وتورطت الجهات الأمنية في طرح تبريرات لعدم حضوره لا يمكن تصديقها ويسهل جدا تكذيبها ، لأن الحديث عن أن الظروف الجوية وسوء المناخ عطل حركة الطائرة التي من المفترض أن تنقله ردت عليه قنوات فضائية بنقل حي من الاسكندرية يوضح المناخ وهو في أفضل حالاته والشمس ساطعة ولا يوجد شبورة ولا حتى أمطار والناس تتجول في الشوارع بسهولة واسترخاء ، وأيضا لم تتخلف طائرة واحدة عن الإقلاع أو الهبوط في مطار برج العرب ، وكان ذلك من الكسل والسطحية والارتباك الذي تتصرف بها الجهات الأمنية ، لأنهم اختاروا تبريرا يسهل دحضه وإثبات كذبه ببساطة ، كما أن المحكمة أجلت نظر القضية لمدة طويلة نسبيا بدون أي داع مفهوم ، والحقيقة أن محمد مرسي منذ ظهر في جلسة المحكمة الأولى قبل أكثر من شهرين وهو لم يظهر على الإطلاق بعدها ولم يتصل به أحد ولا يعرف أحد عنه شيئا ، ولا حتى إن كان حيا يرزق أو ميتا ، وكل طلبات المحامين لمقابلته قوبلت بالرفض أو المماطلة والتسويف ثم الرفض في النهاية ، رغم الإلحاح على النيابة ، وكذلك طلبات أهله بزيارته ، كلها رفضت لأسباب واهية ولا تعقل ، وجميع طلبات المنظمات الحقوقية المحلية والدولية لمقابلته في محبسه قوبلت بالرفض ، وحتى طلب المنظمة الحقوقية الرسمية المعتمدة والمعقمة "المجلس القومي لحقوق الإنسان" رفضوا طلبها مقابلة مرسي ، ثم بدأت سلسلة تسريبات أمنية لصحف خاصة تثير القلق أكثر مما تبعث على التفهم أو الاستيعاب ، فالرجل لم يظهر نهائيا في سجن برج العرب الذي قيل أنه محبوس فيه ، وحتى في مناسبات لا بد له من الظهور فيها بداهة ، مثل صلاة الجمعة ، لا يظهر ، ويبررون ذلك بأنه يصلي في زنزانته ، وفي بعض الأحوال قالوا أنه صلى معه في زنزانته بعض الضباط والجنود ، وهي حكاية مضحكة وأسطورية ، والشاهد أنه لا توجد أي جهة قضائية ولا محايدة ولا حقوقية يمكنها أن تقول أنها رأت محمد مرسي وتؤكد على أنه حي يرزق . مما يثير القلق أكثر أن هناك تسريبات أمنية متعددة لصحف وقنوات مقربة من أجهزة سيادية وأمنية روجت أكثر من مرة أن هناك مخاوف على حياة مرسي وأن الجهات رصدت محاولات لاغتياله وتصفيته ، ممن ؟ لا ندري ، ومن هي الجهة التي تستطيع تصفيته داخل السجن ؟ ، وتم الترويج لسيناريوهات غريبة عن محاولات لاقتحام السجن وتفجيره لتهريب مرسي وهي حكايات خطيرة جدا وتطرح تساؤلات جدية عن مسؤولية السلطة عن حياة الرجل ومصيره وأي مكروه يمكن أن يتعرض له . لماذا تحرص السلطات القائمة على أن تعيش في كل هذا الجو من الغموض والشكوك والاتهامات والمخاوف ، ولماذا تجعل الوطن كله يضع يده على قلبه مما يمكن أن يحدث بعد أيام قليلة وليس سنوات ، لماذا يزرعون في خيال الوطن الاستعداد دائما للمفاجآت والمخاطر والمخاوف ، لماذا يصرون على انتهاك أساليب وإجراءات وسلوكيات تضعف الثقة بمستقبل الوطن ، رغم الانعكاسات شديدة السلبية لذلك على الاقتصاد بكل فروعه من استثمار لسياحة لغيرها .