أكثر من 32 عاما على معاهدة الصلح لم تزحزح مصر شبرا واحدا عن ترتيبها عدوا أول لإسرائيل. لم تتغير استراتجية صناع السياسة والحرب فيها. لم يطمئنوا للقاهرة لحظة واحدة ولم يسترخوا أو يناموا القيلولة أو يرتاحوا لليل طويل أو قصير. لم يصدقوا ما قاله الراحل السادات عندما زارهم بأن حرب أكتوبر آخر الحروب. إسرائيل قامت وستظل كيان حرب إلى أن تُكتب نهاية ذلك الكيان قريبا أو بعيدا. قواعدها أن تتمدد وتتمدد، وبالتالي فلا حقيقة أنها تريد سلاما أو تطبيعا مع جيرانها. نحن ننخدع ونتفاوض، لكنهم جادون جدا، وميتقنون للغاية بأن ما قامت به دولتهم في أوله لن يتغير أبدا. لهذا لن تكف عن التجسس على مصر وتجنيد عملاء لضرب القوة الأكبر في المنطقة. قوة أكبر ليس بنظامها أو بسياستها الحالية أو بهؤلاء الذين يسيرون بها من بؤس إلى بؤس ويمتهنون أهلها ويحطمون مجاديف شبابها ويستبيحون نساءها كما فعل "الملازم الأول" مع أستاذة الجامعة. قوة أكبر بإنسانها الصبور. الذي يبرد كالثلج لكنه سرعان ما يتحول إلى صاعقة حارقة لا ترحم. لو لم يكن له هذا القدر من القوة الخفية ما احتاجت اسرائيل أن تجند له شبكات التجسس التي ضبط رجالنا الأوفياء الماسكون بأمننا القومي إحداها وتم الإعلان عن ذلك أمس. لن تكون هي الشبكة الأخيرة ولا ينبغي الاطمئنان بأنها الوحيدة التي تعمل على أرضنا. وهذا يحفزنا على مراجعة أنفسنا، فبلادنا مفتوحة على مصراعيها لمن يتجسسون علينا لأنهم يعتبروننا العدو المستمر والباقي والأخطر. نمدهم بخيرات بلدنا ومنها الغاز بأبخس الأسعار فيما يقومون بتجنيد العملاء وخلق الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويلعبون دورا دوليا في غض طرف الرأي العام العالمي عن انتكاسات الحريات والديمقراطية التي تحطم رؤوس المصريين. يريدوننا دائما أن نظل أمة الرجل الواحد والزعيم الأوحد.. وبهذه الصفة قدم لهم السادات تنازلاته الكبيرة التي مكنتهم من العالم العربي كله دون أن يستشير سياسيا واحدا من الوفد الذي كان معه في كامب ديفيد، حتى أن بطرس غالي يقول في أحد كتبه إنهم – أي الوفد – كانوا يحاولون الوصول إلى ما كان يدور في مفاوضاته الثنائية مع كارتر وبيجين عن طريق الإتصال بالوفدين الأمريكي والإسرائيلي. مصر كبيرة جدا وخلاقة للغاية ومبدعة ومبهرة وقوية إذا تخلصت من ديكتاتوريتها وعواجيز الفرح والحزن.. ولهذا السبب ستظل اسرائيل تتجسس عليها لأنها في الحقيقة تتجسس على المارد الذي سيخرج يوما من قمقمه. [email protected]