الشيطان يكمن في التفاصيل ، مقولة صحيحة .. ولي عليها تعليق ولكن بعد أن أذكر المناسبة التي أسوق الكلام التالي بسببها. أخطر مكامن الشيطنة تلك التي تلبس عليك الحق بالباطل ، وذلك من خلال كلمات معسولة ، ظاهرها الحكمة وعندما تنظر في التفاصيل تجدها ملغومة ومفخخة ، لا تلبث أن تنفجر في المجتمع ويجرى تناقلها علي الألسنة ، وتصبح مع الزمن جزء من الثقافة العامة لا تستطيع الخلاص منها إلا بمقاومة عنيفة مصحوبة باتهامات كثيرة من ضمنها التشدد والتطرف وأشياء أخرى. "لا تحدثني كثيراً عن الدين ، ولكن دعني أرى الدين في سلوكك" ، بهذه الجملة اللطيفة يعترض عليك بعض الذين تتجرأ وتتكلم معهم في المعاني الإسلامية البسيطة ، أو تذكرهم بالآداب أو الواجبات الدينية العادية. بمجرد أن يواجهونك بهذه الكلمات .. تبدأ علامات الخشوع تظهر عليك أنت ، وتظن أنك تجاوزت المنهج الإسلامي في النصيحة ، ثم تلوم نفسك بعدها لأنه كان يكفي -في ظنك - أن تقدم القدوة لهؤلاء بدلاً من أن تؤذي مشاعرهم بكلمات التوجيه والوعظ. لا يا صديقي .. لا تخضع لأساليب الترهيب الناعمة التي تهدف لإسكات الأصوات عندما تتناول مواضيع ذات صبغة إسلامية ، ولا يجب أن تنطلي عليك خطة الشيطان لجعلك تشعر بالحرج من لسانك عندما ينطق بالحق ليذكّر الآخرين. سأفترض حُسن النية في هؤلاء ، ولن أذهب بعيداً في اتهام أحد ممن يواجهنا بالجملة السابقة بأن -كل الحكاية- أنه يضيق ذرعاً بالتذكِرة والنصيحة فيلجأ إلي رفض ذلك بأسلوب "دبلوماسي" يوقعك أنت في حرج ، بينما يظهر هو وكأنه لقنك درساً في آداب النصيحة قبل أن تقدم له درساً في الدين. ولو تأمل قليلاً لعَلِم أنه يعاني من مشكلة في فهمه للعلاقة بين الكلام والسلوك ، بين القول والفعل. المحظور هو أن يخالف قولك فعلك ، أو أن تدعو الناس للمعروف بينما لا يبدو عليك أنك تلتزم بذلك. ولم يقل أحد أبداً في الأولين والآخِرين أن الكلام في الدين ممنوع بزعم أن ذلك يجب أن يظهر في السلوك وحسب. المفترض أن نعيد صياغة الجملة السابقة لتكون "حدثني أكثر عن الدين .. وأحب أن أرى ذلك في سلوكك". الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان فريضة إسلامية ، يلزم ممارستها بغزارة لأنها تؤكد على ارتباط السلوك الحسن بالإسلام ، ولا ينبغي أن تندثر أو يجرى تشويهها عمداً بالتدليس على الناس بمقولات خادعة ، يدسها المنافقون وأصحاب الهوى اعتماداً على ضعف الفهم أو الحياء عند أصحاب الحق. الشيطان يكمُن في التفاصيل ، ولكنه صار مؤخراً يظهر علانيةً في كل مكان ، ويجهر هو وأنصاره من الإنس بدعوة الناس للانحراف دون خجل. وربما تسمع يوماً من يقول لك "لا تحدثني أبداً عن الدين ، ولا أحب أن أرى الدين حتى في سلوكك". طلحة الجزار عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.