كان العام الماضي 2013 الأكثر عصبية وتوترا في حياة مصر وشعبها منذ عقود طويلة ، ومنذ بداياته وكان الهياج الشعبي والاضطراب هو سيد الموقف السياسي ، بين الإخوان وأنصارهم وحلفائهم من جهة وبين خصومهم من جهة أخرى ، وهو اضطراب شمل كل شيء ، الرئاسة والوزارة والشرطة والقضاء والمؤسسة العسكرية والمخابرات وغيرها ، وهو الهياج الذي انتهى بتظاهرات 30 يونيو الحاشدة والتي كانت تمهيدا للإعلان في 3 يوليو عن انتهاء حكم الإخوان والإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي ، ونظرا لأن هذه الأحداث غير مسبوقة في تاريخ مصر ، وبالتالي لا يمكن القياس عليها مهما تكلفنا ، فقد غابت الخبرة وضعف الرؤية عن الضالعين فيها ، واضطربت حتى على الأجهزة الرفيعة في الدولة ، وكان خبراء الجيش والأجهزة السيادية يظهرون على الشاشات بعد 3 يوليو لكي يؤكدوا أن كل شيء انتهى ، وبشر الفريق السيسي الشعب المصري بأنه سيرى بلدا آخر "بكره تشوفوا مصر" ، ومصر "قد الدنيا وها تكون قد الدنيا" ، وأعتقد أنه كان صادقا جدا مع نفسه عندما قال ذلك ، ولكن المشكلة أنه كغيره من الأجهزة والأحزاب وحتى الإخوان أنفسهم ورطه سوء التقدير والخطأ في حسابات النتائج وغياب البدائل للسيناريوهات المختلفة لتوابع الحدث ، فانتهت الأوضاع إلى ما هو أسوأ مما كان قبل الإطاحة بمرسي ، وبعد الفض الدموي لاعتصامات أنصاره في ميدان رابعة والنهضة والمذابح التي ارتكبت خلال الشهر الأسود في الحرس الجمهوري والمنصة وميدان رمسيس ، خرج نفس الخبراء الأمنيين والاستراتيجيين على الشاشات لكي يبشرونا بأن موجة الغضب ستستغرق من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع ثم تنتظم الحياة ويتم السيطرة على كل شيء ، ثم مضت الأسابيع والشهور لنكون اليوم في الشهر السابع على التوالي والاحتجاجات اليومية تعصف بالشارع وتربك الحكومة وتعطل مسار الدولة بشكل كبير وأصدرت الحكومة قانونا لتقييد التظاهر لم يوقف شيئا ولكنه ورطها فقط في صدامات مع حلفائها من القوى الثورية ، هو عام العاصفة والغضب والقرارات الخطيرة ، وقد ودع المصريون عامهم هذا بالأمس دون أن يودعوا العواصف والغضب والرؤية الضبابية ، وها هم يدخلون العام الجديد ليس بأمل في التصالح أو التوافق الوطني أو إنقاذ الوطن وإعادة السلام الاجتماعي والتسامح إلى ربوعه ، وإنما باحتشاد أكثر خطورة مما سبق لحسم المعركة ، حسبما يرى كل طرف ، بإزاحة الطرف الآخر والقضاء عليه نهائيا ، فهل يكون العام 2014 هو عام الحسم فعلا . الإخوان وحلفاؤهم وقطاع غير محدد من قوى ثورة يناير الغاضبة من عودة ممارسات دولة مبارك كما يقولون يتوعدون السلطة الحالية بيوم 25 يناير المقبل كثورة جديدة تطيح بهم وتعيد الشرعية أو تؤسس لشرعية ثورية جديدة ، حسب تقديرات كل فصيل من المشاركين فيها ، والسلطة تراهن على أن 16 يناير سيكون موعد ميلاد الشرعية الجديدة بالاستفتاء الشعبي على الدستور بما يعني نسخ كل الشرعيات التي كانت قبله بممارسة ديمقراطية وليس بمغالبة الشوارع والميادين على النحو الذي حدث في 30 يونيو ، وهو استحقاق سيعقبه الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية ، وبذلك تكون السلطة الجديدة قد حسمت المعركة في وجه الإخوان وحلفائهم وربما في وجه أنصار ثورة يناير جميعا ، هكذا يطرح كلا الطرفين الرؤية بشكل وافر الحماس واليقين ، أي أننا سنكون أمام صدام الثقة بالحسم من كلا الطرفين ، وفي تقديري أن مسألة الحسم ستكون غائبة أيضا عن العام الجديد كما كانت غائبة عن العام الفائت ، فمن جانب الإخوان وأنصارهم ربما كان 25 يناير يوما مريرا ويشهد حشدا غير مسبوق ، وهو قد يؤدي إلى إحراج السلطة الجديدة بشكل كبير خاصة وأنها ستكون لتوها خارجة من استحقاق الدستور والابتهاج به وهو ما يطفئه هذا الحشد لو نجح ، ولكن أن ينجح حشد 25 يناير في إطاحة السلطة الجديدة بالضربة القاضية فهو مستبعد ، لأن أي عمل شعبي مهما كان يحتاج إلى ظهير عسكري لحسم المواجهة ، ولولا تدخل الجيش في 30 يونيو لما نجح الحشد في تحقيق الإطاحة بمحمد مرسي ، ولولا تعاطف الجيش أو على الأقل عدم صدامه مع ثورة يناير لكان صعبا الإطاحة السريعة بمبارك ، وعلى الجانب الآخر فإن نجاح الاستفتاء على الدستور سيعطي قوة دفع معنوية للسلطة الجديدة باعتبار أن هذه هي أول شرعية دستورية وديمقراطية يحصل عليها ، وهي تفتح الباب أمام استكمال خارطة الطريق بدون شك ، ولكنها لن تستطيع أن تنهي المواجهات سواء في الشارع أو في المحافل الدولية ، وهذا يعود إلى الخطأ الكبير الذي ارتكبته السلطة الجديدة في بداية تدشين أعمالها بالإفراط في استخدام إجراءات قمعية صارمة أمنية وقضائية وإعلامية وسياسية ضد أنصار مرسي ، الأمر الذي جعلهم في وضع من لم يعد لديه ما يخسره ، ضهره للحيط كما يقول العامة ، وهذا يجعل من أدائهم السياسي أكثر شراسة وإصرارا . في المحصلة ، أتصور أن معركة الاستنزاف سوف تستمر في العام الجديد ، النظام سيحاول الاستمرار في سياسة تكسير العظام للجماعة وأنصارها ومحاصرتها اقتصاديا وأمنيا وسياسيا ، والجماعة وأنصار مرسي سيحاولون استنزاف السلطة وجرها إلى مواجهات أكثر شراسة في الشارع والجامعات مراهنين على أخطائها وارتباكها وأيضا على انضمام قطاعات أخرى بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية ، إذن ، لا حسم في 2014 ، إلا أن يكون في غيب الله مفاجآت لا نعلمها ولم تكن في الحسبان .