أثارت المذكرة التى تقدم بها المستشار حسنى السلامونى، رئيس هيئة مفوضى الدولة بالإسكندرية، لرئيس مجلس الدولة، يدعوه فيها إلى رفع مذكرة لرئيس الجمهورية بعدد الأحكام القضائية التى أهدرتها الحكومة فى الانتخابات الأخيرة، وإلى إعفاء القضاة من العمل إذا استمر الامتناع عن تنفيذ أحكامهم، جدلا واسعا فى أروقة مجلس الدولة. كان المستشار محمد عبدالغنى، رئيس مجلس الدولة، تلقى أصل المذكرة، وصورا ضوئية منها وصلت إلى المستشارين أعضاء المجلس الخاص، ورؤساء الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع، ومحاكم القضاء الإدارى والتفتيش القضائى، وهيئة مفوضى الدولة، كما حصل الأمين العام وعدد من كبار المستشارين على نسخ منها، واختلفت آراؤهم فيها بين مؤيد ومعارض. وقالت مصادر قضائية إن عددا من المستشارين بدرجة نائب رئيس مجلس الدولة تحمسوا لما جاء فى المذكرة من وجوب إطلاع رئيس الجمهورية على «إهدار السلطة التنفيذية المتواصل لأحكام القضاء، الذى تجلى بشكل واضح بعدم تنفيذ أحكام القضاء والإدارية العليا خلال انتخابات مجلس الشعب»، بحسب المذكرة. وكشفت المصادر أن هؤلاء القضاة المؤيدين للمذكرة قرروا الانتظار لحين معرفة رأى رئيس المجلس فيها، وما إذا كان سيستجيب لها بإعمال سلطاته بالدعوة لجمعية عمومية طارئة تناقش موضوعا واحدا هو «التصرف إزاء إهدار أحكام القضاء الإدارى والإدارية العليا» وإرسال تقرير بهذه الأحكام المهدرة لرئيس الجمهورية وفق المادة 69 من قانون مجلس الدولة. وأشار القضاة المؤيدون إلى أنه «إذا لم يتخذ رئيس المجلس قرارا بشأن المذكرة، فسوف يبدأون حملة لجمع توقيعات أعضاء المجلس بالقاهرة والمحافظات لعقد الجمعية العمومية الطارئة، نظرا لوجود حالة من الاستياء بين القضاة بسبب عدم تنفيذ أحكامهم التى أصدروها بإدراج أسماء المرشحين وتحويل صفاتهم ووقف الانتخابات فى بعض الدوائر». بينما تحفظ عدد آخر من القضاة على دعوة المستشار السلامونى لإعفاء القضاة أنفسهم من العمل إذا استمر عدم تنفيذ أحكامهم، على أساس أن التقاليد القضائية الراسخة خاصة فى مجلس الدولة تقصر مهمة القاضى على إصدار الحكم وكتابة حيثياته وتأييد الأحكام المتوافقة مع نص القانون، لكن دوره لا يمتد إلى متابعة تنفيذ هذه الأحكام، لأن عدم التنفيذ يترتب عليه جزاء عقابى منظم فى قانون العقوبات، وتنفيذه مسند إلى محاكم الجنح. وأوضح القضاة أن المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار مجدى العجاتى كانت أول من لفت النظر إلى خطورة ظاهرة إهدار أحكام القضاء بشأن الانتخابات عندما شددت فى حيثياتها أكثر من مرة على «عدم جواز أن تقف اللجنة العليا للانتخابات حائلا أمام تنفيذ أحكام القضاء، سواء بالتجاهل أو قبول الاستشكالات المدنية عليها، لأنها استشكالات فى حكم المعدومة وفق قانونى مجلس الدولة والمرافعات ومبادئ المحكمة الدستورية العليا». وقال المستشار محمد عبدالبديع عسران، نائب رئيس المجلس ورئيس محكمة القضاء الإدارى، إن المستشار السلامونى صاحب المذكرة «زميل متحمس ومتأسِ من تجاهل أحكام القضاء» لكن مسئولية تنفيذ هذه الأحكام «سياسية وليست قضائية، ولا يعنى بها قضاة مجلس الدولة، حيث تنقطع صلتهم بالدعاوى القضائية عند النطق بالحكم فيها، ولا يجوز لهم التدخل فى مسألة التنفيذ». وأضاف عسران ل«الشروق» أن «متابعة تنفيذ الأحكام مسئولية مشتركة بين الحكومة المنوطة بالتنفيذ، وأصحاب القضايا المتضررين من عدم التنفيذ، لكن القضاة ليس لهم شأن بذلك». وأشار عسران إلى أن مجلس الشعب، باعتباره السلطة التشريعية، هو المنوط بمراقبة أداء السلطة التنفيذية، ويمكنه سحب الثقة من الحكومة إذا ارتكبت أخطاء قانونية أو إدارية جسيمة، لكن «الواقع هو أن مجلس الشعب ذاته يهدر الأحكام، ولا ينفذ أحكام بطلان الانتخابات فى بعض الدوائر، ويجب هنا على وسائل الإعلام وجمعيات حقوق الإنسان التصدى لهذه الظاهرة بعيدا عن القضاة».