منذ أيام وردني مقطع فيديو مؤلم على صفحتي بالفيس بوك (Facebook)؛ وهو جزء من إحدى حلقات البرنامج الشهير والمستفز (من سيربح المليون؟)، والذي أذيع في إحدى دول المغرب العربي؛ كما يبدو من لغة المتحدثين!. وفيه يسأل المذيع فتاة يتراوح سنها بين العشرين والثلاثين؛ بعض الأسئلة السهلة؛ التي تأتي في أول الحلقة للتسخين، ولجلب الثقة في نفس المتسابق، ولكسب نقاط سهلة وبأرباح قليلة؛ قبل أن يُصَعِّبَها. ثم سألها السؤال القنبلة: أين يقع المسجد الحرام؟!. فتلعثمت وتوترت وتخارست وعرقت؛ والمصيبة أنها فشلت في ترجيح أي من الخيارات الأربع!؟. ثم كانت المصيبة أكبر؛ عندما استعانت بمساعدة الجمهور من الحضور!؟. أما الكارثة؛ أن هذا الخلل المعلوماتي العقدي؛ لم يك حالة فردية بل ظاهرة عامة وخطيرة؛ حيث كانت نسبة الجمهور التي رجحت (مكة)؛ كانت 65% فقط، وتوزع الباقي على دمشق والقدس والمدينة!!!؟؟. ولن أركز على هذه الظاهرة المجتمعية التي تمثل خللاً عقدياً؛ لأنها سأترك حسرتها في قلوب القراء!؟. وسأترك للقراء الرسائل السلبية في نفس كل مسلم يحترق على أجيال تفرزها أمم لا تفقه أولويات دينها!؟. الحصاد المر ... للمناخ السياسي!؟: ولكن هذه الفتاة والجمهور؛ ما هم إلا عينة عشوائية من مجتمع عربي مسلم موحد بالله!. وهذه العينة كما تعكس الحالة العقدية لجيل؛ فأنها تعكس الحالة الثقافية المعلوماتية له!؟. وهذه الحالة الثقافية بدورها؛ تعتبر مرآة أو معيار ومقياس للمناخ السياسي السائد للأمة!؟. ثم تذكرت كيف تجرأت هذه القيادات السياسية على اغتصاب سلطة بلادها لعقود من القهر والتضييق ومنع كل من لا يسير بركب النظام!؟. وطبعاً هذه القيادات تعتبر إفرازاً طبيعياً، وثماراً حتمياً لحقبة القيادات الحنجورية التقدمية والثورية (التوريثية)؛ التي ضيعت جيلنا؛ جيل الأحلام المسروقة؛ جيل شعارات (من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر لبيك عبد الناصر)، والتي دغدغت عواطفه بالشعارات التقدمية والاشتراكية الرنانة؛ فلا ثار الخليج ولا هدر المحيط؛ بل دمروا بلادهم، وأفقروا شعوبهم، والتصقوا بالكرسي لعقود طويلة؛ فغدوا ملكيين أكثر من الملوك الرجعية!؟. فملكوا بلادنا من المحيط الساكن إلى الخليج الهادي؛ ثم طمعوا فكسروا خطوط أمتنا الحمراء؛ فتجرأوا أكثر على ديننا وعلى عقائدنا؛ حتى أن أحد قادة المغرب العربي دعا إلى منع صيام رمضان للعاملين، ومن بعده جاء من يمنع الحجاب، ويفتح المساجد لذوي الكارنيهات فقط!؟. بل انعكس ذلك على المهاجرين في بلاد العم سام؛ حيث نادى أحد شيوخ المهجر ليقترح أن تعقد صلاة الجمعة في يوم آخر؛ حتى يمنع الزحام ويكون الناس في أجازة؛ حتى رد عالمنا الجليل د. القرضاوي معلقاً بسخرية مريرة؛ فقال: وهل سيسمونها صلاة الأحد أم صلاة الجمعة؟!. لذا فنحن لا نستغرب أن تكون هذه الفتاة وهذا الجمهور؛ بل وهذا الجيل الذي فقد هويته؛ ما هو إلا الحصاد المر لحقبة ثورية كئيبة كابوسية كارثية على أمتنا، ولم تزل!؟. حصاد الفكر الجديد ... ورسائله السلبية!؟: ولكن ما أقلقنا في مصرنا المحروسة؛ مما يدل على أننا (في الهوا سوا)؛ هو أن الظاهرة الثورية تتفاقم، وتجعلنا أكثر قلقاً، وأعظم فزعاً لأننا نعتبر أنفسنا بلد الريادة أو كما هو مفروض، ودورها محوري في كل التغييرات الحضارية في المنطقة!؟. وما حدث في مهزلة الدراما الانتخابية يوم الأحد الدامي وما رآه رجل الشارع العادي من تجاوزات تعطينا انطباعات نفسية ورسائل سلبية أهمها: 1-كما جاء بصراحة في خطاب الافتتاح؛ أن الانتخابات أكدت أن الأولوية للالتزام الحزبي. والرسالة السافرة؛ كما قال بوش (معي أو ضدي)؛ وأن أي مواطن خارج الحزب لا بواكي عليه. 2-الاجماع هو الحل؛ وهذا عنوان مقال فهمي هويدي؛ وهو يعلق على فوز سرور بمجموع (505) من (506)، لمنافسه؛ والذي حصل على صوته فقط. والرسالة المفجعة؛ أننا أمام بولدوزر الإجماع السياسي والحزبي؛ الذي يطحن كل من يخالف ويعارض؛ لأنه لا قيمة له. 3-لا اعتراض من العم سام، ولا صوت للعم يورو. أي أن الواقع الحالي وتوابعه وكوارثه هو الحل أمام العالم؛ لأن البديل هو الارهاب وعدم الاستقرار. 4-نحن نملك كل أسلحة استقرار وتسويق الدكتاتورية؛ وهي السلطة والمال والاحتكار والإعلام والبلطجة والتزوير!. والرسالة السلبية الخطيرة لنا جميعاً؛ أن المستقبل قاتم والطريق مسدود أمام أي تغيير!؟. ونحن لا نملك أمام هذا الجبروت لأصحاب الفكر الجديد؛ الذي طبقوا شعارهم الذي يخصهم ويخص أولادهم وذويهم فقط؛ والذي لم ندرك معناه التوريثي إلا الآن؛ وهو (علشان تطمن على مستقبل ولادك)!؟. فقولوا لي بربكم؛ ما هو مصير وأفكار وشخصيات الجيل الذي تربى في حضن هذا الحزب الأوحد؟!. وتذكروا حال تلك الفتاة المسكينة وما آل إليه جيلها المسكين في بلدها المسكين، وما سيؤول إليه شبابنا المسكين كحصاد لهذه الحقبة وفكرها الجديد!؟. حجتي ... الحزبية!؟: وبعد؛ فهل سيقنع أساطين الفكر الجديد بهذه النجاحات الكرتونية؟!. إن صمت الشعوب وسكونها وسلبيتها تطمع أي مغامر ليكسر المزيد من خطوطها الحمراء؛ كما فعل إخوانهم في تونس؛ الذين تجرأوا على ثوابت الأمة العقدية؛ فضاعت هوية أبنائها!؟. وكما سمعت أن جبال من الحزن والغيرة القاتلة؛ قد نغصت على أصحاب التجربة العزية الحديدية؛ وذلك لأنهم رأوا تجمعاً آخر قد خطف أنظار بعض الفضائيات من تجربتهم الانتخابية الكارثية!؟. لقد آلمهم رؤية الحجيج وهم يسيرون ملايين تلو ملايين إلى مناسك الحج خاصة يوم عرفة؛ حتى جاء إليهم إبليس في صورة أحد رجال لجنة السياسات الأشاوس؛ وأسر إلى المخرج العظيم ببعض الكلمات الشيطانية!؟. فماذا قال إبليس لجنة السياسات للمخرج العظيم؛ لقد اقترح عليه: ما رأيكم لو نظمتم واحتكرتم موسم الحج؟!. فلمعت الفكرة الاحتكارية في رأس (مثلث الرعب: عز وصفوت وهلال)؛ وطرحوا الفكرة على الترابيزة؛ ثم انهمرت أفكار حواريهم كالسيل؛ والتي ترتكز على محاور الاستقرار الأساسية؛ وهي السلطة والاحتكار والتزوير والبلطجة والمال؛ والتي منها: 1-أن نجعل الحجاج من أعضاء الحزب فقط؛ حسب قاعدة الأولوية للالتزام الحزبي. 2-من أجل اكتمال الديكور؛ نسمح ببعض الشخصيات التاريخية المدجنة من الأحزاب الأخرى الكرتونية المروضة؛ ليحجوا ويكونوا ممثلين رمزيين فقط؛ بحيث لا تضيع الأغلبية من حزبنا. 3-يمنع منعاً باتاً حضور أي شخصية معارضة ومشاغبة من الممكن أن توظف الزحام لأفكارها المناوئة للفكر الجديد؛ مثل بعض الشخصيات ذات الكاريزما البارزة في أحزابها وتجمعاتها؛ أمثال حمدين صباحي، وعبود وعبد العليم، أو د. جمال زهران، أو أعضاء جمعية التغيير. 4-هذا المنع يوضع على قمته بالطبع أولئك المحظورين أبناء المحظورة. 5-يسمح لبعض التمثيل الضيق من حجاج دول الاعتدال، ويحرم على حجاج دول الممانعة!. 6-أما ما أحرجهم؛ هو استحاله التمثيل القبطي في هذا التجمع!؟. 7-وما أحرجهم أيضاً؛ هو غياب أو استحالة الدور المحوري في تجاربهم؛ وهو البلطجية!؟. 8-أما ما أحزنني؛ لأنني رأيته يمس قدسية هذه الشعيرة العظيمة؛ فاسمحوا لي أن ألغي بعض مقترحاتهم حول التعديلات العزية على حركة وسير حجاجهم داخل المناسك!؟. 9-أما أخطر الاقتراحات الجهنمية؛ فهي أن يقوموا باستنساخ هذه الشعيرة الجليلة ومناسكها بعيداً، وفي مكان آخر ليصيغوها على مزاجهم، وبعيداً عن اعتراضات الشيوخ واتقاءً لغضب المسلمين؛ فاقترحوا مكان أشبه بما تم في مشاريع لجنة السياسات العملاقة والمشبوهة؛ مثل (مدينتي)، وهو (حجتي)!؟. وبعد؛ فهذه بعض التداعيات النفسية للتجربة العزية الحديدية الانتخابية الاحتكارية؛ وهي التي آلمت الحالم المسكين: د. حمدي شعيب E-Mail: [email protected]