رغم التقدم العلمي الكبير في توفير العلاج لأمراض العيون خاصة التي تمس الأطفال، إلا أن بعضها مازال قادرا على ترك آثاره لبقية الحياة، ومنها مرض غمش العيون أو العين الكسولة، وهي حالة انخفاض في الرؤية أو في حدة الإبصار نتيجةً عدم استخدام العين، وقد يجعلنا مصطلح العين الكسولة نفهم الغمش بشكل خاطئ، حيث أن المشكلة في الغمش تكمن في الدماغ وليس في العين. ضعف الإبصار في أحد العينين أو في الاثنين معا مرض يصيب آلاف الأطفال سنويًّا، في كل أنحاء العالم، ويؤكد الأطباء أنه مرض يمكن علاجه بشرط اكتشافه مبكرا. وتضم عملية النظر لدى الأطفال عدة مراحل حيث أن المواليد الجدد يمكنهم الإبصار إلا أنهم يحتاجون إلى تعلم كيفية استخدام العينين، ويكون ذلك أولا من خلال إتقان التركيز أولا ثم تنسيق حركة العينين ثانيا، ويستمر تطور الإبصار خلال السنوات الست الأولى من عمر الطفل، وبعدها يكتمل نظامه البصري وتزول أية إمكانية لإحداث أي تغيير فيه، من هنا تتأتى ضرورة الكشف المبكر عن أي خلل يصيب العين أو النظام البصري لعلاجه بنجاح في السنوات الأولى. وتجدر الإشارة إلى أن الصورة التي يراها الطفل أو الإنسان تتكون على شبكية العين قبل أن ترسل إلى مركز التحام الصورة المرسلة في المخ؛ ويمكن تشبيه الأمر بعملية تكون الصورة على الفيلم في آلة التصوير التقليدية بحيث تؤدي القرنية والسائل الأمامي، وعدسة العين والجسم الزجاجي دور عدسة الكاميرا، في حين تؤدي القزحية دور حاجب الضوء. والشبكية دور قبل التصوير. علاج الغمش بعد عمر الست سنوات يخفض نسبة استعادة حدة الإبصار إلى 30 بالمئة لأن النظام البصري يكون قد اكتمل ومن هنا، فإن أي عيب أو خلل يصيب أحد هذه الأجزاء يؤثر في النمو الطبيعي للإبصار عند الطفل، لا سيما في أولى مراحل نمو العين، أي قبل عمر الست سنوات ما يؤدي بالتالي إلى الإصابة بالغمش أو كسل العين. وفي حال وجود الخلل، تبدأ العين المصابة بإرسال صورة سيئة وغير واضحة إلى المخ، فيرفض الدماغ استخدامها ويلجأ إلى حفظ الصورة الجيدة الآتية من العين السليمة، ما يؤدي تدريجيا إلى ضعف حدة الإبصار في العين الكسولة. أسبابه: وتتعدد أسباب الإصابة بالغمش، إذ ثمة احتمال أن يكون الطفل مصابًا بالحول أو بقصر النظر (ميوبي)، أو بمد النظر (هيبر ميتروبي) وهو ما يطلق عليه الغمش الوظيفي الذي يمكن علاجه بسهولة، ونادرا ما يؤدي أحد الأمراض التي تصيب عين الطفل، مثل تكثف عدسة العين، أو ما يسمى بالعتامة إلى ظهور الغمش، وهو ما يطلق عليه طبيا الغمش العضوي، الذي يحتاج إلى علاج أكثر تعقيدا من النوع الأول، وأحيانًا أخرى يصاب الطفل بالغمش المزدوج الناتج عن خلل وظيفي وعضوي، وهو ما يحتم علاجا طويل المدى ودقيقًا. أكثر المصابين به: ويعتبر الأطفال الخدج أكثر عرضة للإصابة بالغمش من الأطفال العاديين، خاصة إذا كان أحد الأبوين يعاني مشكلات في النظر، ويخضع الخدج لفحوصات الجهاز البصري بشكل منتظم، للكشف المبكر عن أي خلل محتمل. أما بالنسبة إلى الأطفال العاديين، فانتباه العائلة لبعض الأعراض والمؤشرات ضروري مثل طرف العينين باستمرار، أو فرك الطفل عينًا معينة، أو وضع يديه على عينيه، والشد عليهما في أغلبية الوقت، ويلاحظ أن الطفل المصاب بالغمش كثيرا ما يرتطم بالأثاث، أو يتعثر بأرصفة الطريق، أو بدرجات السلالم، أو يسقط على الأرض، إضافة إلى شكواه من ألم في الرأس وانزعاجه من النور القوي. في حال وجود الخلل، تبدأ العين المصابة بإرسال صورة سيئة إلى المخ، فيرفض استخدامها ويلجأ إلى حفظ الصورة الجيدة الآتية من العين السليمة ويكمن لطبيب العيون أن يتابع حالة الطفل المصاب بالحول ابتداء من عمر الأربعة أشهر ويمكن أن يتم اكتشاف الإصابة، أثناء خضوعه للفحص الدوري العام الذي يتضمن الاطلاع على تاريخ العائلة الصحي، وعلى فحص كامل للعين يبدأ من فحص الجفون والتأكد من تناسق العينين. اكتشاف المرض: ويمكن إخضاع الطفل، وحتى عمر السنة ونصف السنة، إلى اختبار النظر أو اختبار آخر يعرف باختبار “القرصان الصغير” الذي يقوم على تغطية العينين الواحدة تلو الأخرى، بقطعة من القماش أو من الورق السميك، وهو ما يسمح لطبيب العيون بمراقبة الفعل البصري لديه. نسبة الشفاء: ويمكن أن يستعيد الطفل نسبة 95 بالمئة من حدة الإبصار في حال تم علاجه في وقت مبكر، أي قبل بلوغه الثلاث سنوات، أما في حال علاجه بعد عمر الست سنوات فإن نسبة استعادة حدة الإبصار تنخفض إلى 30 بالمئة لأن النظام البصري يكون قد اكتمل عنده في هذه الفترة وهو ما يحول دون إحداث أي تغيير فيه، بالتالي فإن التشخيص المبكر للغمش يعني علاجًا أسهل ونتائج مضمونة تؤدي إلى استعادة شبه كاملة لحدة الإبصار