قد يبدو الموضوع قديماً نسبياً ، أن نشير إلى معنى كلمة الصمد التي جاء ذكرها في كتاب الله الحكيم في قوله تعالى : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ) ، بسورة الإخلاص التي يحفظها كل مسلم ومسلمة، لكن التذكرة جاءت عن طريق طفل صغير يحفظ القرآن استوقفني ليسألني عن معنى الكلمة ، فأجبته باختصار واختزال شديدين ، وعند عودتي للمنزل ظل سؤال الصبي الصغير يحاصرني بأسئلة مفادها هل ما قلته قد أصاب عين اليقين ، لكنه القرآن سيبقى كعادته إلى أن تقوم الساعة ، يدفع المرء طوعاً إلى استقراء معانيه ودلالاته ، وسبر أغواره التي لا تنضب بجمال التعبير وقوة المعنى ، وسحر التأثير . ورغم أننا نعلم جميعاً فضل سورة الإخلاص التي جاء ذكر الصمد فيها ، إلا أنه من باب فرض العين أن نشير على عجل إلى فضلها من خلال حديثين شريفين للنبي الأكرم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كما جاءفي صحيح مسلم للحافظ زكي الدين المنذري ، فعن أبي الدرداء ( رضي الله عنه ) ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن ؟ " ، قالوا : وكيف يقرأ ثلث القرآن ؟! ، قال : " ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) تعدل ثلث القرآن " . ( أخرجه مسلم 811 ، ص 789) . وعن عائشة ( رضي الله عنها وعن أبيها الصديق ) ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث رجلاً على سرية ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم ، فيختم ب (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) ، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : " سلوه ، لأي شئ يصنع ذلك ؟ " . فسألوه . فقال : لأنها صفة الرحمن ، فأنا أحب أن أقرأ بها . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " أخبروه أن الله يحبه " . ( أخرجه البخاري : 7375 ، ومسلم : 813) . والصمد في اللغة يعني القصد ، نقول : صَمَدَه يصمِده صمداً ، وصمد إليه أي قصده . وقد قال معاذ بن عمرو بن الجموح يوم قتل أبا جهل : " فصمدت له حتى أمكنتني منه غرة " ، أي قصدت إليه وله تهيأت وانتظرت غفلته . والصمد أيضاً كلمة تعني السيد المطاع الذي لا ينقضي أمر دونه ، والذي يقصد إليه في الحوائج والنوائب والشدائد والحوادث الجلل . والصمد في معاجم العرب تعني أيضاً الذي لا يطعم ، ومن دلالاته الدائم ، ولقد قال علماؤنا وشيوخنا في التفسير أن الصمد في قوله تعالى بسورة الإخلاص الذي يصمد إليه في الحاجات ، وقال آخرون أنه يعني الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزال . أما الإمام علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه وأرضاه وأكرم الله وجهه ) فقال إن الصمد هو السيد الذي انتهى إليه كل أنواع الشرف والسؤدد . أما مقاتل فأشار إلى معنى لفظة الصمد بقوله : إنه الكامل الذي لا عيب فيه . ولم يرد هذا الاسم إلا في سورة الإخلاص فقط ، وقال ابن كثير في تفسيره أنها نزلت لما قال اليهود : نحن نعبد عزير ابن الله ، وقالت النصارى : نحن نعبد المسيح ابن الله ، وقالت المجوس : نحن نعبد الشمس والقمر ، وقال المشركون : نحن نعبد الأوثان ، فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآيات المحكمات . ودلالة الاسم تعني أن الله هو المقصود دوماً بالعبادة ، والصمد وجه الحق ، ومن نعم الله تعالى أنه جعل ذاته مقصد الناس جميعا في الحوائج ، وعن الاسم قال أنشد أحد الصالحين شعراً : ألجأت ظهري إلى ركني ومسندي ، إلى المهيمن رب الناس والصمد .. وقلت يا منتهى الآمال أجمعها ، لك التحكم في الأدنى وفي البعد .. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.