ربما صارت سوريا بمثابة وجع الرأس للإدارة الأمريكية. وربما تتركز اليوم المعركة الأمريكية للسيطرة على المنطقة في سورية. وربما يعتقد صقور الإدارة الأمريكية، خاصة المحافظين الجدد، أن دمشق تملك مفتاح تأمين الإستراتيجية الأمريكية من ناحية إخضاع المنطقة للنفوذ الأمريكي، وأما التركيز على سورية، فلأنها الحلقة الأضعف في المنطقة، ففي الوقت الذي كان فيه حافظ الأسد خبيرا في لعبة التوازنات السياسية، مستبدا من طراز رفيع، فإن نجله بشار، عانى من إخفاقات دبلوماسية، وبطء في عجلة الإصلاح الداخلي. وتبدو اليوم تصرفات الرئيس السوري مثير للحيرة، فليس واضحا إن كان إصلاحيا أو عرضة للتلاعب من قوى لها مصلحة في الإبقاء على الوضع كما هو، أو أنه أصبح حاكما مستبدا ورث عن أبيه صنوف إذلال وقهر الشعب وقمع الأصوات المطالبة بإصلاحات حقيقية، تعيد للمجتمع حقه المسلوب والمغتصب في التعبير والمشاركة والاختيار. وعليه، فالاعتقالات الأخيرة ضد المعارضة رسالة إلى الجميع أن النظام لا زال يسيطر على الأوضاع. والفجر الكاذب للإصلاحات التي يسوق لها نظام الأسد، لعله أشبه ب"الديمقراطية الأمريكية الزائفة" في العراق، فالحكم في دمشق يعتمد بشكل شبه مطلق على نظام المخابرات، والمبادرات الإصلاحية، التي قدمها الأسد في بداية حكمه، كبلها النظام الأمني الجامد، والعلاقات المتضاربة لجماعات المصالح المرتبطة بالنظام الأمني جعلت من ربيع دمشق أمرا بعيد المنال. وليس أضر على الشعب بعد الاحتلال من الاستبداد والطغيان، وربما هما وجهان لعملة واحدة، فهو يستهدف إنسانية الإنسان وكرامته، وليس أوقع على النفس من أن تشعر بالعدمية وأنها بلا قيمة، كم مهمل، لا يسمح لها بالتعبير، فضلا أن يسمع لرأيها. وكيف لجهاز أمني أو شخص مسئول أيا كان، أن يقرر مصير بلد وشعب؟ الذي يحدث في سوريا اليوم، هو خيانة لهذا البلد وشعبه. وبنفس المنطق الذي أدارت به المجموعة الحاكمة في سوريا ملف لبنان، باعتباره ملكية خاصة وشركة ذات أسهم محدودة، يُحكم اليوم الشعب السوري. والأسوأ في كل هذا، هو تبرير مجموعة من المثقفين العرب والأحزاب "القومية" لاستبداد النظام في سوريا، بل والسكوت عنه ابتداء، بدعوى الصمود والتحدي، وهذا وفاء لتحزبهم غير الواعي، وتعصبهم المقيت، ومس هؤلاء في هذا ما مس حكامهم، الخوف والضعف، ونقلوا أمراض أنظمتهم الفتاكة داخل كياناتهم الهشة، فلا تسمع إلا رأيا واحدا، ولا ترى إلا زعيما "ملهما" واحدا، ويقابل ذلك تقدم الوعي عند القوى الشعبية الفاعلة المصدر : العصر.