وعد فوفى ، السيد جمال مبارك ، كما أوفى بوعده أيضا أحمد عز وصفوت الشريف ومفيد شهاب ، الذين أعلنوا "بقلب جامد" قبل شهر من إجرائها ، أن ما حدث في انتخابات 2005 لن يتكرر مرة أخرى ، كما أضاف بعضهم عدة شروح وتفسيرات كان من أهمها قولهم أن المقاعد التي حصل عليها الإخوان المسلمون لن تتكرر مرة أخرى ، ولكن نظرا لأن التزوير لا يتحوط كثيرا في مثل هذه الظروف فإن الإطاحة كانت ببقية الأعضاء المستقلين الذين كانوا في البرلمان السابق ، حتى وإن حاول "جراحو" الحزب الوطني تصحيح بعض الأوضاع في جولة الإعادة بإعادة هندسة الصورة حتى يخففوا من مستوى وحجم الفضيحة . لم يكن أحد ينتظر انتخابات نزيهة في مصر أبدا ، وبأي مقياس ، لكن بالمقابل لم يكن كثيرون وأنا منهم يتصورون أن تكون الطبخة بمثل هذا الفجور بعد أن حاول النظام السياسي تحسين صورته كمتطور ديمقراطيا طوال العقود الماضية ، هل يعقل أن الإخوان المسلمين الذين حصلوا على 88 مقعد في البرلمان السابق رغم التزوير والتلاعب ، لا يفوزون بأي مقعد في الانتخابات الحالية ، كيف يمكن أن يتصور عاقل أن محافظات بكاملها ، مثل السويس والإسماعيلية وغيرها ، عاقبت الحزب الوطني في الانتخابات الماضية بإسقاط جميع مرشحيه حتى فشل في الفوز بأي مقعد فيها ، فيتم أمس سحق إرادة مواطنيها واغتصاب الوطني لجميع مقاعد تلك المحافظات بالكامل . هل يمكن أن نتصور أن أحدا أو جهة ما ورطت المجموعة الجديدةالشابة التي تهيمن على الحزب الوطني الآن في ممارسات مشينة على هذا النحو تمهيدا لخطوات حسم تجعل الشعب المصري لا يأسف عليهم بعدها مهما جرى ، حتى لو تم معهم ما تم مع "البرامكة" في الدولة العباسية ، إذ أن ما حدث أمس لا يعطي أي مؤشر على أن هذا سلوك مجموعة تبني مستقبلا للدولة أو حتى مستقبلا لها هي كقيادة سياسية جديدة ، هو نزق سياسي وتنظيمي غير مسؤول ويمثل انهيارا لكل القيم والهوامش الإيجابية القليلة التي بناها مبارك نفسه طوال فترة حكمه السابقة . الطريقة البدائية التي تم بها تزوير الانتخابات الأخيرة ليست فقط تدل على ضعف خبرة المجموعة الجديدة التي اختطفت الحزب الوطني في إدارة حياة سياسية في بلد بحجم مصر ، وإنما أيضا وأعتقد أن هذا هو الأهم تعطي انطباعا عن أن المرحلة المقبلة ستشهد البلاد فيها مخاضا سياسيا قاسيا للغاية ، وبالتالي كان لا بد من التمهيد له بمثل تلك الفجاجة والغطرسة ، وأتصور أن النسخة الحالية للانتخابات البرلمانية مجرد مشروع تدريبي للنسخة النهائية التي سوف تتم بها انتخابات رئاسة الجمهورية ، وإذا كان من المنطقي أن الرئيس مبارك في نهايات عهده وولايته يفترض أن يكون أكثر تسامحا مع الآخرين ، وأكثر حرصا على ترك انطباعات إيجابية عن تاريخه وفترة حكمه ، ثم يحدث العكس تماما ، فإن ما حدث يعني أن "الخيارات" المطروحة الآن للانتخابات الرئاسية المقبلة قد لا تكون بالضرورة الرئيس مبارك نفسه ، وربما تشي بأن أشخاصا آخرين لا يحظون بأي قبول شعبي ولا مؤسسي يمكن أن يتم فرضهم على الشعب المصري من خلال عملية انتخابات قيصرية عنيفة كتلك التي تمت تجربتها في انتخابات مجلس الشعب ، عنوانها أن قرار "التنصيب" لا يتصل بالشعب ، وإنما بإرادة "القصر" . [email protected]