بزغ شعاع الفجر، وعلا صوت الحق، فشق الآفاق، واخترق الأذان، وبلغ القلوب، التي تفاعلت مع النداء، وهرعت إلي رب السماء، ففرحت باللقاء، هي كانت حاضرة بين يديه، لكنها تشتاق أكثر إلي بيته، هناك تدعوه وتناجيه وتبث إليه حاجتها وشكواها ورجاها..!! كنت حاضرا مع هؤلاء في صلاة الفجر..!! في بيت الله..!! خير البقاع، وأفضل المراتع، واسمي الأماكن..!! جمع طيب (جمهور الفجر) ووقت طيب (صلاة الفجر) ومكان طيب (بيت الله)..!! أقيمت الصلاة فامتثل الحاضرون قول الإمام اعتدلوا..استووا..!! فتصافحت قلوبهم، وتعانقت أرواحهم، واستوت صفوفهم،، وتوحدت غاياتهم، وبدا الإمام – بارك الله فيه وأحسن الله إليه - بصوته الندي الرائع يلمس الأرواح الظمأى، ويشفي القلوب الجرحى، ويروي النفوس العطشى، بآيات من نبع الإحسان، وكلمات من نور القران، وحروف من فيض الإيمان ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ* قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ* وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [القصص: 71-73] جمال الصوت، وصفاء النفس، روعة القران، وبركة الزمان، وهدوء المكان.. يشعرك وكأن كلمات الله تتنزل علي قلبك الآن..!! وأنت وحدك المعني بها دون بني الإنسان..!! إنها روح جديدة تأتي مع بزوغ كل فجر جديد..!!، إنها حياة جديدة تولد مع ميلاد كل يوم جديد..!! حياة جديدة تمر علي القلب المكدود، تجري فيه الدماء، وتبعث فيه الروح، وتجدد فيه الحياة، وتشعل فيه الأمل..!! وصل الإمام في هذه اللوحة البديعة..!! وهذه الفرحة ألكبري..!! وهذه الدوحة الوارفة الرائعة من سورة القصص إلي فرحة من نوع أخر..!! ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: 76]، وكأن هذا الطاغية ومن علي شاكلته نشاز في هذه اللوحة الغناء..!! فاستوقفتني هذه الآية وخاصة نصيحة القوم المغلوبين علي أمرهم للطاغية قارون لأنه يفرح بظلمه للبشر..!! ﴿لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: 76] بقدر ما هي إنذار للظالم من ظلمه..!! وترهيب للطاغية من طغيانه..!! إلا أنها لمسة حانية، ونظرة وادعة لكل مظلوم لا يرضي بظلمه علي وجه الأرض..!! أنهيت الصلاة بفضل الله وعدت إلي بيتي بسلامة الله..!! فأمسكت قلمي وبدأت اسطر ما جال بخاطري حول هذه الآية..!! وكأن الفرح أنواع..!! فرحة النجاح، فرحة الزواج، فرحة الإنجاب، فرحة النجاة، فرحة الطاعة، فرحة العودة بعد طول غياب، كلها أفراح بالحق تبعث الشجون، وتريح المحزون، وتحرك السكون، وتغيظ إبليس الملعون، لكنما هناك فرحة بالباطل، فرحة ممقوتة، فرحة يبغضها الله ويكره صاحبها..!! هي فرحة من ظلم الفقراء، من خداع البسطاء، من البطش بالضعفاء...!! ﴿لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: 76] إن الله لا يحب الفرحين أمثالك يا قارون..!! إن الله لا يحب الفرحين علي شاكلتك - وهم كل يوم يزدادون ..!! هل دام هذا الفرح الزائف ؟ كلا !! هل استمر هذا الظلم الجارف ؟ كلا ثم كلا !! بل كل فرح زائف يوما سينكسر ، وكل ظلم جارف قريبا سينكشف ، وسينتصر العدل علي الظلم " فخسفنا به وبداره الارض وما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين "( القصص ) وسيرتقي الحق علي الباطل " بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون " (الانبياء : 18) " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " الشعراء :227)
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.