فى غمار الحزن الذي نعيش فيه حسرة على ما نراه من تردى الأوضاع بالمحروسة على أيدي نخبتها و مثقفيها وإعلامها الخرب وللأسف كثرة من هؤلاء ربما يحملون شهادات الدكتوراة أو يحظون بلقب الخبير أو المتخصص والكثير منهم على اتصال بالخارج بل ومنهم من عاش بالخارج ردحا من الزمان ومنهم من هو من ذوو الجنسية المزدوجة كالإنجليزية مثلا بالإضافة إلى المصرية وما اعنيه أن هؤلاء عاشوا وتعلموا بالخارج ورأوا كيف يعيش الناس بالخارج وكيف تمارس الديمقراطية وكيف ينعكس إثرها على الناس فى تحسين أحوالهم المعيشية وكيف يحترم هؤلاء حقوق الإنسان فعلا لا قولا ولكن للأسف إذا نظرنا إلى هؤلاء وجدنا أن معظمهم لم يتعلم إلا شيئا واحدا لم يتغير داخله وهو " أنا وبس من افهم واملك الحكمة" وللأسف إذا سقط فى خضم تلك المقولة بعض متواضعى التعليم لكان تواضع المستوى الثقافي حجة لتقبل هذا التردي الاخلاقى الذي يجعل كل منهم لا يرى إلا نفسه وطموحاته وما يراه هو فقط هو الحقيقة بينما ما يراه الآخرون أن هو إلا أضغاث أحلام إنما أن يأتي ذلك ممن تعلموا واحتكوا بالتجارب الديمقراطية الناجحة فتلك هي المصيبة. للأسف هذا هو الموقف الذي نراه من نخبتنا وإعلاميينا الذين تخصصوا فى نشر الفتن و الأكاذيب واستغلال منابرهم الإعلامية ليس لتقديم الخدمة الخبرية الإعلامية كما تعلموا وإنما للترويج لما يريده الممولون حتى وان أرادوا بمصر عدم استقرار أو سوء فلا بأس طالما الممول مستمر فى الدفع و بالتالي وجدنا أنفسنا إذا تدبرنا أمام مشكلة أخلاقية نادرة الحدوث إلا فى جمهوريات الموز فمن كانوا سدنة الإعلام من أيام المخلوع أصبحوا صوت الثوار عليه ومن كانت تبكى على المخلوع صارت اشد ثورة من الثوار أنفسهم ثم بدأ هؤلاء مع الإخوان يتحسسون الخطى وعلى استعداد لتقديم ما اعتادوا على تقديمه فلما جاءهم الضوء الأخضر من المخططين لبسوا جميعا عباءة الثورة و الثوار فإذا تعثر بلطجي فهو عندهم ثائر تم التعدي على حريته وإذا تظاهر المتظاهرون أمام الاتحادية فهم ثوار أحرار ولو أتوا بونش لخلع بوابة القصر بل أن الشرطة و الحرس الجمهوري تمنعوا عن أداء واجبهم بحجة إننا نقف على مسافة واحدة من الجميع حتى حدث ما حدث من انقلاب ليس على مرسى كما اعتقدنا واعتقد الكثيرون وإنما على التجربة الوليدة التي شعر الجيش أن المضي فيها يؤثر على هيمنته و استثماراته وما تسريبات الفريق السيسي وحديثه عن نزع الرئاسة إلا تأكيدا لهذا المنحى فوجدنا سياسيين وخبراء وإعلاميين منهم من كان حليفا للإخوان رأينا الجميع يدر الدفة إلى الوجهة الأخرى وينفذ أحلامها وسقط اغلب نخبتنا فى تسعير نيران الغل وشيطنة الآخر و التحريض عليه ليل نهار والاستهتار بدمه وانتهاك حريته فوجدنا شاشاتنا تثنى على ما حدث من انتهاك أرواح الشباب و الشيوخ واعتقالهم بل وقتلهم على أنغام تسلم الأيادي فأين ضمير هؤلاء وأين أمانة الكلمة التي طالما حدثونا عنها وأين الشرف الإعلامي وهم يوجهون بوصلتهم فى اتجاه الفرقة و الانقسام حتى صارت البلد على شفا الانقسام الأهلي بينما إعلامنا مشغول ومشغولة صفحاته ومانشيتاته بما حققه الفريق السيسي فى استفتاء جريدة التايمز لأشهر شخصية. إذا نظرنا إلى حال إعلامنا وما يشغل رؤوس المصريين به وتأملنا ما يحدث الآن بانجلترا من حملة التضامن مع فلسطين التي تحدثت عنها الحياة اللندنية وخروج العشرات من الإنجليز للتظاهر أمام السفارة الإسرائيلية وخروج تظاهرات فى مدن عدة ترفع لافتات الغضب من اتفاق برافر-بيجن الذي تنتوى سلطات الاحتلال تطبيقه فى صحراء النقب والذي سيؤدى إلى تدمير أكثر من 35 قرية واقتلاع ما يربو على 70 ألف بدوى فلسطيني وتهجيرهم قسريا وهو ما رآه الإنجليز انتهاكا صارخا لأبسط حقوق الإنسان و بالتالي خرج هؤلاء المعترضون لدعوة الحكومة الإنجليزية للتخلي عن حذرها ومواجهة سياسة الاستيطان الإسرائيلية بكل حزم ودعوة حكومات العالم إلى اتخاذ مواقف مماثلة تلزم تل أبيب باحترام حقوق الإنسان و القانون الدولي. هؤلاء المعترضون الذين كشفونا أمام أنفسنا وكشفوا نفاق إعلامنا ونخبتنا لم يكونوا إنجليز من اصل فلسطيني مثلا وإنما وحسب بيان الحياة أن أكثر من 50 شخصية بارزة وقعت على رسالة الإدانة لمخطط التهجير شملت أكاديميين وروائيين وفنانين ونواب وقادة اتحادات عمالية فهذا مثلا لما تقدمه النخبة الواعية بدورها الإنساني فى الحياة بينما إذا نظرنا على الوجه الآخر لذلك التهجير القسرى فى صفحات إعلامنا و فضائياتنا لم نجد ذكرا لمثل ذلك وهذا هو الفرق بين إعلامنا وإعلامهم ونخبتنا ونخبتهم فمتى يفيق أرباب الكلمة ويؤمنوا أنها أمانة سيحاسب صاحبها لان من يدعو إلى الدم مثلا ولو بكلمة أو موقف سلبي هو مثل من قتل بيده سواء بسواء فلابد أن نفيق ونسعى لما يوحد شمل الأمة و الكف عن شيطنة الآخر مهما كان انتماؤه لان الفكر لا يواجه إلا بالفكر اسأل الله للجميع الرشاد تحياتي درويش عز الدين